كللت زيارة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلى جمهورية الصين الشعبية، بتفاهمات واتفاقات جوهرية، تؤسس لآفاق واعدة من التعاون الشامل على أساس المصالح المشتركة، وبما يخدم الأهداف الجديدة للتنمية، خاصة بالنسبة للجزائر الطامحة إلى إحداث التحول الاستراتيجي لاقتصادها في غضون سنوات قليلة.
كل شيء تاريخي في الزيارة التي تدوم خمسة أيام، بدءا من التوقيت وصولا إلى برنامجها المكثف. وتبرز مراسم الاستقبال الرسمي لرئيس الجمهورية، من قبل نظيره الصيني تشي جينبينغ، بقصر الشعب، جزءا هاما من طبيعية العلاقة بين البلدين اللذين يحتفلان بـ65 سنة من الصداقة.
وخص الرئيس تبون، ببروتوكول استقبال يليق بمن تقدرهم الصين الشعبية، وتضعهم في مصاف الزعماء والقادة، وعزفت من أجله مقاطع تشريفية، كما دوت داخل القصر معزوفة الأنشودة الوطنية الجزائرية “جزائرنا يا بلاد الجدود”.
وأظهرت بكين بذلك، مدى الاحترام الكبير الذي تكنه لجزائر الثورة التحريرية ضد الاستعمار، ولجزائر اليوم التي تتطلع إلى اللحاق بركب الدول النامية، معولة على شركائها التاريخيين والتقليديين، وعلى رأسهم الصين.
وما تمخض من المحادثات الثنائية على انفراد بين قائدي البلدين أو المحادثات الموسعة، يجسد فعليا معنى الشراكة الإستراتيجية الشاملة، إذ تطرق البيان المشترك إلى كافة مجالات التعاون دون استثناء، بما فيها السياسة والأمن والعلاقات الدولية.
وكان البلدان في غاية الوضوح بشأن التحولات الحاصلة في العالم، حين “جددا تأكيدهما على تكثيف التشاور والتنسيق حول القضايا الدولية والمتعددة الأطراف وعلى مواصلة الدعم الثابت لمصالحهما الجوهرية ومساندة كل جانب الجانب الآخر في الحفاظ على سيادته وسلامة أراضيه”.
وعلى أساس المصالح الجوهرية لكل بلد، تمضي الجزائر والصين في وضع لبنات مرحلة جديدة من الصداقة التاريخية، ويضعان لهذه الشراكة إطارين طموحين هما: “رؤية الجزائر الجديدة” و«مبادرة الحزام والطريق”، مثلما جاء في البيان المشترك.
ومن خلال مجريات الزيارة، يتأكد مدى نجاح رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، في إقناع الشريك الصيني، بالرؤية التنموية الجديدة، القائمة على بناء اقتصاد متنوع خارج قطاع المحروقات، وفق مؤشرات وأرقام واضحة للغاية.
بكين تنخرط في الإستراتيجية التنموية الشاملة للجزائر الجديدة
وأكدت بكين انخراطها في الإستراتيجية التنموية الشاملة للجزائر، من خلال التوجه نحو نمط جديد من الشراكات، من خلال “تسهيل صادرات الجزائر غير النفطية إلى الصين، وزيادة حجم الاستثمارات الصينية أولوية بين البلدين في ظل الامتيازات المتعددة التي يقدمها قانون الاستثمار الجزائري الجديد”.
هذا التفاهم سيفضي إلى جلب الاستثمارات الصينية المباشرة، للمساهمة في تحريك الآلة الإنتاجية للبلاد، خاصة في القطاعات الصناعية الإستراتيجية، التي تلتزم فيها الدولة الجزائرية بمنح تسهيلات وقروض تصل إلى 90٪ من القيمة الإجمالية للمشروع.
الصين التي تعتبر أول ممون للسوق الجزائرية، باتت منفتحة على الصادرات غير النفطية الجزائرية، ما يعني أن بابا كبيرا فتح أمام المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين المنخرطين في ديناميكية التصدير.
على صعيد آخر، وبعد الدعم الذي أعلنته الصين، لطلب الجزائر الانضمام إلى منظمة “بريكس”، وكذلك منظمة شنغهاي، يؤكد البلدان مدى انسجام مواقفهما في هندسة العلاقات الخارجية المبنية على المصالح الوطنية لكل منهما، كما يجسدان مفهوم الشريك الاستراتيجي، الذي يدعم دون حسابات أو أنانية الطموحات المشروعة لصديقه.
وتقوم نوعية العلاقات الجزائرية الصينية، على القيم التي يتقاسمها البلدان، بشأن النظام العالمي، فكلاهما يناهضان الهيمنة والوصاية، ويرفضان احتكار القوة بمختلف أنواعها، لذلك شددا في البيان الختامي المشترك على “ديمقراطية العلاقات الدولية والتمسك بتعددية الأطراف والحفاظ على مصالح الدول النامية والدفاع عن حقوقها”.
واتسمت المواقف السياسية من الجانبين، بالوضوح التام، والحزم حيال القضايا الداخلية التي غالبا ما تستغل لخلق ظروف داخلية تؤدي إلى هشاشة الدولة، على غرار حقوق الإنسان، حيث يعارض الجانبان “محاولات تسييس الملفات المرتبطة بهذه القضية أو استعمالها كوسيلة ضغط في العلاقات الدولية”.