وقعت الجزائر والصين على مجموعة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم شملت قطاعات مختلفة ومجالات عدة للتعاون المشترك بين الجزائر والصين، عقب المحادثات التي جمعت بين الرئيسين عبد المجيد تبون وشي جين بينغ. إثر ذلك أشاد الجانبان بتطور حجم العلاقات الاقتصادية والتجارية، مؤكدين عزمهما على تعميق الشراكة الاقتصادية وتعزيز التعاون العملي بينهما في كافة المجالات والعمل على زيادة حجم التبادل التجاري وتسهيل صادرات الجزائر غير النفطية إلى الصين، وزيادة حجم الاستثمارات النوعية الصينية بين البلدين في ظل الامتيازات المتعددة التي يقدمها قانون الاستثمار الجديد بالجزائر.
اتفقت الجزائر والصين على تعميق التعاون في العديد من المجالات، بما في ذلك صناعة السيارات وعلوم الفضاء والزراعة والثقافة والسياحة وبناء الموانئ والخدمات اللوجستية وتحلية المياه والبنى التحتية والصناعات التحويلية والتعدين والقطاع المالي والاقتصاد الرقمي والطاقة والمناجم والتعليم والبحث العلمي وتدريس اللغة الصينية والإعلام والإدارة الضريبية والجمارك ومكافحة الفساد.
في هذا الصدد، يؤكد الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية محمد بوعلاق، لـ “الشعب”، أن العلاقات الجزائرية ـ الصينية تعتبر نموذجا للعلاقات الدولية المتميزة والمنفردة في العالم، من حيث التقارب والتنسيق والانسجام والتوافق في كثير من القضايا والمسائل والمواقف الدولية، فهي علاقات متجذرة ومتينة. والمعلوم أن الجزائر ظلت وفية للعلاقات التاريخية التي تجمعها بالصين التي ظلت إلى جانب الثورة التحريرية بمواقف مشرفة، خاصة في مؤتمر باندونغ، كما كانت من بين الدول السباقة إلى الاعتراف بالحكومة الجزائرية المؤقتة سنة 1958، وساندت القضية الجزائرية على المستوى الدولي وبقيت حريصة على العلاقات الثنائية المتميزة حتى عشية الاستقلال، فيما رافقت الدولة الجزائرية في كثير من المحطات التنموية بعد الاستقلال.
بدورها، ردت الجزائر الجميل للصين من خلال دعمها في مسعى استرجاع مقعدها الدائم في مجلس الأمن سنة 1971، وكانت آنذاك ـ وفق ما أكد الأستاذ ـ رائدة المجموعة الإفريقية الداعمة لجهود الصين.
هذه الخلفيات التاريخية هي ما جعلت من العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين اليوم رفيعة المستوى، خاصة مع توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين سنة 2014، وانضمام الجزائر بعدها إلى مبادرة الحزام والطريق رسميا سنة 2019، ثم الخطة الخماسية الثانية للتعاون الاستراتيجي الشامل مع الصين، للسنوات 2022-2026، يأتي هذا في وقت تسعى فيه الجزائر وبإصرار في سياستها الاقتصادية من أجل الخروج من اقتصاد الريع والتبعية للمحروقات إلى الاقتصاد المنتج.
من جهته، النائب بالمجلس الشعبي، سعيد نفيسي، أوضح لـ “الشعب”، أن جملة الاتفاقيات التي أبرمت مع الصين، توفرت لها الآن عوامل داخلية جديدة مساعدة على تنفيذها واستغلالها على أكمل وجه، بدءاً بالاستقرار السياسي واستكمال مؤسسات الدولة، مروراً إلى تهيئة البيئة الاستثمارية وتحسين مناخها، من خلال إصدار قانون الاستثمار الجديد الذي تُبع أيضا بمجموعة من القوانين المكملة لأبعاده التنموية مثل القانون النقدي والمصرفي والقانون المحدد للقواعد العامة للصفقات العمومية والقانون المحدد لشروط منح العقار الاقتصادي التابع لأملاك الدولة، وهي العوامل التي باتت تسمح للعلاقات الاقتصادية الجزائرية الصينية اليوم بالمرور إلى مرحلة أكثر ازدهاراً، خصوصاً والجزائر متحررة من أي ضغط خارجي على مستوى الديون الخارجية، يقابله ارتفاع معتبر في احتياطي الصرف لديها من العملة الصعبة.
وعليه، يضيف المتحدث، أن زيارة الدولة التي يؤديها الرئيس تبون إلى جمهورية الصين الشعبية، وبتحقيقها لأهدافها المتوخاة، ستكون خطوة متقدمة ستدفع بالجزائر للتحرر من بعض الضغوط الاقتصادية الخارجية، وتفتح – بالمقابل – آفاق نهضة اقتصادية من خلال إمكانية إطلاق مشاريع هيكلية كبرى مع الشركاء الصينيين، وكذا دعم النسيج المؤسساتي الاقتصادي عن طريق إشراك المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
ويوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور فريد بن يحيى، في تصريح لـ«الشعب”، أن الجزائر تحتاج إلى الصين، باعتبارها القطب الاقتصادي الأول في كثير من الجوانب. لكن الصين أيضاً تحتاج إلى الجزائر من أجل تطبيق مبادرتها الحزام والطريق، وتعول كثيرا على موقعها الاستراتيجي وكذا على مواردها الطبيعية الكبيرة، وهذا هو مبدأ الشراكة الربحية المتبادلة. وعليه لابد على الجزائر أن تستغل فرصة هذه المبادرة (الحزام والطريق) أحسن استغلالا، بحيث يمكن لبكين أن تقوم بنفس الخطوة التي اتخذتها مع إيران، بإبرامها لاتفاق يقضي بتنفيذ استثمارات صينية بقيمة 400 مليار دولار في إيران على مدى ربع القرن المقبل، 280 مليار دولار منها موجهة لصناعة النفط والغاز، و120 مليار دولار ستستغل في شبكة الطرق والسكك الحديدية والمطارات والتكنولوجيا.