تتواصل تحذيرات مصالح الأرصاد الجوية، من المستويين الثاني والثالث، لدرجات الحرارة التي تجاوزت المعدل الفصلي، بشكل غير مسبوق، وأمام هذا الوضع لم تدخر السلطات العمومية أي جهد من أجل تطبيق التوصيات الدولية للحد من الظاهرة، وسارعت إلى اتخاذ إجراءات استباقية بحثا عن الحلول لحماية المحاصيل الفلاحية وقبلها حياة الفلاح الذي تتجاوز الأزمة نطاق مسؤوليته.
حذر الخبير الفلاحي، والمهندس الزراعي، الدكتور أحمد مالحة في اتصال مع “الشعب”، من تأثير الارتفاع فوق المعدل الفصلي لدرجات الحرارة، بشكل مباشر على المحاصيل الزراعية لاسيما الأشجار المثمرة، مثل التفاح، الخوخ، التين، الأجاص والعنب التي تتعرض لعملية “النطح” وهي عملية معاكسة لعملية “الأسموز”، يتم من خلالها تبخر المياه الموجودة داخل الأشجار أثناء عملية التبادل العضوي.
موجات الحر المزمنة تقتضي التفكير في زراعة الأصناف المبكرة..
وعن التدابير المتخذة من أجل تجاوز هذه الفترة، دعا الدكتور مالحة، إلى إعادة برمجة رزنامة السقي التي يجب أن تتم سواء في أوقات مبكرة من الفترة الصباحية أو ليلا.
وشدد مالحة على ضرورة التكيف والتأقلم مع التغيرات المناخية التي يمكن أن تصبح مزمنة، حسب تقارير منظمات عالمية مهتمة بالتغيرات المناخية على سطح الأرض، إضافة إلى ضرورة التوجه إلى البحث عن أصناف نباتية، سواء ما تعلق بالخضروات أو الأشجار المثمرة، تكون مقاومة للحرارة، وذات دورة حياة قصيرة مما يسمح بجني محاصيلها قبل فصل الصيف، الذي يعرف ارتفاع درجات حرارة تفوق المعدل الفصلي.
إعادة النظر في رزنامة النشاط الفلاحي..حتمية
ودعا المتحدث إلى الاهتمام الخاص وتسطير إستراتيجية فلاحية جديدة وفقا للمتغيرات المناخية، وإعادة النظر في رزنامة النشاط الفلاحي من مواعيد حرث وبذر وتطعيم وحصاد وغيرها. إضافة إلى ضرورة إيجاد حلول لحماية الأشجار اليانعة التي تم غرسها حديثا، لسرعة تعرضها للتلف، جراء عدم قدرتها على مقاومة درجات الحرارة المرتفعة.
مالحة: تطوير أنشطة فلاحية تتكيف مع تقلبات الطقس
و يرى الدكتور مالحة، في هذا الصدد أنه آن الأوان لتأخذ الأبحاث العلمية الحيز الذي يجب أن تتدخل من خلاله في عملية تطوير وحماية النشاط الفلاحي وإيجاد الحلول الإستباقية، لاحتواء الأزمات الطارئة وكيفية مواجهتها على المدى القصير والمتوسط، مثل الاحتباس الحراري الذي تعيشه الكرة الأرضية، مما يستوجب اعتماد خطة وقائية مستعجلة لحماية المحاصيل وضمان مردوديتها خلال السنوات المقبلة، مع تكثيف الحملات التحسيسية والتوعية لصالح الفلاح حول كيفية التعامل مع مثل هكذا طوارئ طبيعية.
من جهته، أوضح الخبير الفلاحي لعلى بوخالفة، أن تأثيرات الاحتباس الحراري قد تجلت تداعياتها بوضوح خلال السنوات الأخيرة من خلال الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة، وصل في بعض الأحيان إلى أكثر من 50 درجة مئوية، إضافة إلى تراجع منسوب مياه السدود أو حتى جفافها في بعض الولايات، بسبب شح ندرة الأمطار، مما يشكل تراكمات تنبئ بإشكالية مناخية كبرى ستعرفها بلادنا مستقبلا، يمكن التخفيف من تداعياتها، باتخاذ بعض التدابير الاحترازية الإستباقية.
ويقترح لعلى في هذا الصدد، كأحد الحلول لمواجهة مشكل الارتفاع القياسي لدرجات الحرارة، تغيير بعض السلوكيات التي ورثها الفلاح منذ بداية عهده بالنشاط الفلاحي، والتي أصبح من غير الممكن مواصلتها، كمواعيد الحصاد والسقي، التي يجب أن تتم برمجتها ليلا، بما أننا في خضم موسم الحصاد، حفاظا على صحة الفلاحين وتجنيبهم مخاطر العمل تحت درجات حرارة قياسية، قد تؤدي إلى تسجيل وفيات.
لعلى: تنفيذ توصيات قمم المناخ للتخفيف من الظاهرة
أما عن عملية جني المحاصيل المثمرة فهي الأخرى، من المستحب أن تتم ليلا، يقول لعلى، وضرورة التسريع في جنيها لحمايتها من التلف، خاصة وأن اغلبها قد حان موعد جنيها ووضعها في غرف تبريد أو نقلها إلى الأسواق مباشرة.
السد الأخضر..حزام نباتي يعول عليه
وفي سياق متصل، يأمل المتحدث أن تؤخذ بعين الاعتبار توصيات مختلف الاجتماعات المتعلقة خاصة بتقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، التي صادقت عليها العديد من دول المعنية بظاهرة الاحتباس الحراري التي تعيشها المعمورة على غرار الاجتماع الذي عقد بشرم الشيخ المصرية.
كما دعا لعلى إلى ضرورة تكثيف حملات التشجير، لاستبدال الأشجار التي تعرضت إلى الحرائق، منوها بمشروع السد الأخضر، كمكسب بيئي واقتصادي. كما اعتبر أن التصدي إلى الكوارث الطبيعية كالجفاف وارتفاع درجات الحرارة، والفيضانات شتاء، يتعدى مسؤولية الفلاح البسيط، ليتعلق الأمر بإستراتيجية حكومية ومنظومة مدروسة، ذات مسؤولية تشاركية بين العديد من القطاعات، وأخذ الحيطة والحذر والعمل على حماية الأرواح باتخاذ التدابير الصحية وتدخل المصالح الفلاحية في آجال قياسية لتخزين وتسويق المحاصيل.