يقدم أستاذ المالية الدولية بجامعة شنغهاي بالصين، الدكتور أمين حمادي، صورة عن الاهتمام الذي حظيت به زيارة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إلى بكين. ويتحدث عن فوائد الانضمام لمجموعة «بريكس»، والمجالات التي تتفوق فيها الصين، ويمكن أن تكون وجهة لاستثماراتها في السوق الجزائرية، ورافعة للتنمية الاقتصادية وتعزيز التعاون بين البلدين.. للتفصيل أكثر في هذه المواضيع، أجرينا معه هذا الحوار..
“الشعب”: بداية، كيف تناول الإعلام الصيني زيارة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، إلى الصين والاستقبال الذي حظي به؟
د.أمين حمادي: بمجرد وصول رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون إلى العاصمة الصينية، انتشرت صور الاستقبال الحار ومقاطع فيديوهات توثق نزول الرئيس بمطار بكين الدولي، والاستقبال الحار الذي حظي به.
الانضمام إلى «بريكس» يعزز قوة الجزائر التفاوضية وجاذبيتها للاستثمار
وتنوع تناول وسائل الإعلام الصينية للحدث، بين نقل خبر الوصول، وعرض برنامج الزيارة، وسببها، وربطها بعراقة العلاقات بين البلدين، وأهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به الصين في دعم انضمام الجزائر لمجموعة «بريكس». كما نشير هنا أنه يوجد في الصين منصات إعلامية متخصصة بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، كمنصة «نظرة الشرق الأوسط» التي تولي اهتماما كبيرا لعلاقات الصين مع دول المنطقة. كما نشرت تقارير إعلامية على مختلف المنصات والمواقع الإلكترونية التابعة لأكبر المؤسسات الإعلامية، على غرار «شينخوا»، وجريدة «الشعب» القومية، لتعرّف أكثر بالجزائر وتاريخ العلاقات بين الجزائر والصين التي بدأت سنة 1958. ولعلّ ما لفت انتباهي مقال السفير الصيني في الجزائر، السيد لي جيان، في صحيفة «الشعب» القومية، والذي تطرق إلى نقاط هامة، منها تعميق الثقة، وتوسيع التعاون»، وتعزيز الصداقة بين البلدين.
تأتي هذه الزيارة بعد تلك التي قادت رئيس الجمهورية إلى موسكو، مع تجدد الحديث عن ترحيب كل من الصين وروسيا بانضمام الجزائر لمجموعة «بريكس».. في رأيك، ومن خلال تخصصك، كيف سينعكس انضمام الجزائر لـ»بريكس» على نموها الاقتصادي، خاصة في القطاعات خارج المحروقات؟
إن مساعي الجزائر للانضمام إلى تكتلات اقتصادية مثل «بريكس» سوف يفتح فرصا أكثر للمنتجين الجزائريين، والاقتصاد الجزائري عموما، ويمكن أن نركز على النقاط التالية:
أولا، الوصول إلى سوق أكبر وأكثر ديناميكية: حيث يبلغ عدد سكان دول «بريكس» مجتمعة أكثر من 3 ملايير نسمة، وتشكل أكثر من 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فهي بذلك توفر قاعدة استهلاكية ضخمة ومتنامية للتجارة والاستثمار، فضلاً عن اتفاقيات التجارة التفضيلية فيما بينها ومع البلدان النامية الأخرى.. مثلا، ومنذ 2018، تم تأسيس معرض الصين الدولي للمنتجات المستوردة بعد أن كانت أغلب المعارض الصينية موجهة لعرض المنتجات الصينية القابلة للتصدير، وهذا لا يتحقق إلا بمضاعفة الجهود في رفع الإنتاج، والتحسين من جودة المنتجات لمواجهة التنافس العالي في الأسواق الدولية.
ثانيا، الوصول إلى المساعدة المالية والتقنية اللازمة: فدول «بريكس» تملك بنك التنمية الخاص بها، وصندوق الاحتياطي الخاص بتمويلاتها، مما يوفر الدعم المالي والاستقرار لأعضائها والبلدان النامية الأخرى، وهذه فرصة لاستثمار فائض العملة الصعبة الذي تملكه الجزائر. كما أن دول «بريكس» تملك معرفة وخبرات في مختلف المجالات، مثل الزراعة، والطاقة، والصحة، والتعليم.
ثالثا، الحصول على قوة تفاوضية أقوى وصوت أكثر تأثيرا في المنتديات الدولية: فدول «بريكس» لها تأثير قوي في المنتديات الدولية، مثل مجموعة العشرين، والأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، ويمكن للجزائر الاستفادة من ثقل «بريكس» الجماعي لخدمة المصالح المشتركة، وتعزيز نظام عالمي أكثر توازناً وشمولاً.
الجالية الجزائرية بالصين ذات تكوين عالٍ وتمثل قوة جزائرية ناعمة
رابعا، تحسين جاذبية الجزائر للاستثمار: حيث أن دول «بريكس» عززت صورتها العالمية ومصداقيتها من خلال كونها جزءًا من مجموعة مؤثرة من القوى الناشئة، كما أنها زادت من جاذبيتها للمستثمرين الأجانب والسياح ووسائل الإعلام.
ما هي القطاعات التي تتوقع أن تستثمر الصين فيها أكثر بالسوق الجزائرية؟
على مدى العقود القليلة الماضية، شهدت الصين تحولًا مذهلاً من بلد جاذب للاستثمارات الخارجية، إلى إحدى أكبر الدول المستثمرة عالميًا. وشهدت الاستثمارات الصينية الدولية نموًا هائلاً، وتمثلت في مجموعة متنوعة من القطاعات؛
أولها- التصنيع والصناعات: حيث قامت الشركات الصينية بإنشاء مصانع ومرافق تصنيع في دول أخرى لتعزيز إنتاجها وتوسيع حصتها في الأسواق العالمية. ونشير هنا إلى أن الجزائر، بموقعها الاستراتيجي (بوابة إفريقيا)، تستطيع استقطاب جزء كبير من الشركات الصينية المنتجة، والتي تستهدف الأسواق الإفريقية أو حتى الأوروبية.
ثانيا- التكنولوجيا والاتصالات: بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الجيل الخامس، والأجهزة الذكية. ونظرا للاهتمام الذي توليه الجزائر للصناعات التكنولوجية والمؤسسات الناشئة، فقد تقوم الصين بدور الشريك في تطوير هذه الصناعات، ونقل التكنولوجيا الصينية لاستغلالها وتطويرها في الجزائر.
ثالثا- الزراعة والثروة الطبيعية: استثمرت الصين في قطاع الزراعة، واستصلاح الأراضي، واستخراج الموارد الطبيعية في دول أخرى. وتعتبر الصين أكبر اقتصاد زراعي في العالم، وتنتج حوالي 20٪ من غذاء العالم مع 9٪ فقط من المساحة المزروعة عالميًا، كما تنتج الصين أكبر كمية من الحبوب، واللحوم، والخضروات، والقمح، والأرز، والشاي، والقطن، والأسماك على مستوى العالم.. للتذكير، زادت الصين وارداتها وصادراتها من المنتجات الزراعية بشكل كبير منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، والصين خامس أكبر مصدر ورابع أكبر مستورد للمنتجات الزراعية في العالم. وهنا وجب التذكير بالرقم الذي كشف عنه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، حين تحدث عن 36 مليار دولار كاستثمارات صينية في الجزائر، في مجالات من أهمها إنتاج البطاريات الكهربائية، وهو مكسب مهم للاقتصاد الوطني.
ليس الاقتصاد المجال الوحيد الذي يرسم آفاق التعاون بين البلدين.. ما هي المجالات الأخرى التي يمكن أن تعزز ملامح هذا التعاون؟
يمكن القول إن المجال الاقتصادي محور أساسي لنمو ورقي الأمم، والاتفاقيات والمذكرات الموقعة بين البلدين شملت قطاعات متعددة، كالنقل بالسكك الحديدية، وتحويل التكنولوجيا، والتعاون الفلاحي والاتصالات، فضلا عن الرياضة والاستثمار والتعاون التجاري، كما شملت مجالات التهيئة العمرانية، والبحث العلمي، والقضاء، والتنمية الاجتماعية، والطاقات المتجددة والهيدروجين.
وتبقى مجالات أخرى قابلة للتطوير تعزيزا لعمق التعاون بين البلدين، كالمجال الثقافي في شكل مشاريع سينمائية مشتركة مثلا، تحكي تاريخ العلاقات الثنائية، أو إقامة عروض وحفلات صينية في الجزائر والعكس، والمجال الأدبي بتقوية حضور الجزائر في معارض الكتاب، على غرار معرض بكين المنظم مؤخرا، ناهيك عن المالية، والخدمات البنكية، والبحث العلمي، والتكوين المهني وتطوير اليد العاملة.. إن أشكال التعاون والشراكة بين الجزائر والصين عديدة ومتنوعة في شتى المجالات.
باعتبارك أكاديميا جزائريا مقيما بالصين.. كيف ترى الدور الذي يمكن للجالية الجزائرية أن تقوم به في مدّ جسور الصداقة والتعاون بين البلدين؟
أولا، أودّ أن أثمّن التقليد الذي رسخه رئيس الجمهورية، المتعلق بلقاء الجالية، وهي فرصة سانحة لتقديم المقترحات، وعرض بعض مشاكل الجالية الجزائرية، ورغم بُعد المسافة، إلا أن أعضاء الجالية لم يترددوا في التنقل إلى العاصمة بكين للمشاركة في هذا اللقاء، أين كانت لهم الفرصة للتواصل مباشرة مع رئيس الجمهورية.
الشيء الآخر الواجب ذكره، هو أن أغلب الجزائريين المقيمين في الصين هم طلبة تخرجوا من أحسن الجامعات الجزائرية، ودرسوا أو يدرسون في أحسن الجامعات الصينية، ما يضمن لهم تكوينا عاليا، ومنهم من اندمج في الجامعات الصينية بعد التخرج، واشتغل في مخابر أبحاث متطورة في مختلف المجالات. فهؤلاء يعتبرون خيرة الطلبة وأحسن ممثل للجزائر وقوتها الناعمة في الصين. ولعلّ ما تحتاجه هذه الجالية، بعض التنظيم والتأطير، تحت مظلة هيكلية وتنظيمية واضحة، من شأنها أن تفتح فرصا أكبر لهذه الجالية لإظهار إمكاناتها، وهي التي يمكن أن تعتبر بوصلة مساعدة للشركات والمنتجين الجزائريين الراغبين في دخول السوق الصيني، أو حتى لمؤسسات الدولة التي تطمح لاستقطاب رؤوس الأموال وتحسين جاذبية الجزائر للاستثمار.