يؤكد رئيس السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي لطفي بوجمعة، في هذا الحوار الذي خص به «الشعب»، أن الهيئات العمومية والخاصة، المعنية بمعالجة البيانات ذات الطابع الشخصي، ملزمة بمطابقة نشاطها مع أحكام القانون 18/07، وأن الهيئة ركيزة أساسية في مسار أخلقة الحياة العامة الذي أطلقه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، وشدد على أن بيانات الجزائريين لم تعد موضوعا للعب أو المناورة أو الابتزاز بعد الآن، كاشفا عن وضع نموذج جزائري رائد في رقمنة العمليات المرتبطة بحماية معطيات الأشخاص.
«الشعب»: في الموقع الرسمي للسلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، سنجد أن الهيئات العمومية والخاصة، ملزمة ابتداء من أوت المقبل، بمطابقة عملها مع أحكام القانون 18/07، ما المطلوب منها تحديدا؟.
لطفي بوجمعة: بداية، لابد أن نعرف أن القانون 18/07 المؤرخ في 10 جوان 2018، والمتعلق بحماية الأشخاص الطبيعيين في معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، ينص في صلبه على مجموعة من القواعد المتعلقة بمعالجة المعطيات الشخصية للأفراد، ومن أجل فرض حماية قانونية لهذه المعطيات، أنشأ هيئة سميت بالسلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.
القانون وكضمانة أساسية لهذه السلطة، وضعها تحت السلطة المباشرة، للسيد رئيس الجمهورية، وتضم تشكيلتها 16 عضوا معينين بموجب مرسوم رئاسي لمدة 5 سنوات.
الهدف من إنشاء الهيئة، يعبر عن المرحلة الجد متقدمة التي وصلتها الجزائر، في ترسيخ أسس وآليات حماية الحريات والحقوق العامة الفردية، كغيرها من الدول الموقعة على الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة، ناهيك عن أن هذا الأمر، مكرس في دستور نوفمبر 2020 الذي تحدث صراحة عما يسمى بـ»الحق في الحياة الخاصة وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي».
من هذه المرجعيات القانونية، يلزم القانون 18/07 كل المؤسسات، سواء كانت عمومية أو خاصة أو حتى أشخاصا طبيعيين يعالجون المعطيات ذات الطابع الشخصي، كما هي الحال بالنسبة للأطباء أو المحامين والموثقين، بالتصريح لدى السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.
وبموجب هذا التصريح، يحددون المسؤول عن معالجة البيانات ذات الطابع الشخصي لديهم، والقائم بالمعالجة أو من يمثله، وأيضا طبيعة البيانات والآليات التي يعتمدونها من أجل حماية أكثر لهذه البيانات.
وأيضا سيحددون الهدف والغاية من حفظ البيانات، باعتبارها حقا أساسيا للمواطن، ولا يمكن وضعه في متناول أي شخص أو في متناول أية مؤسسة.
وإذا كان المواطن، منح معطياته الشخصية من أجل هدف معين، فلا بد أن يراعى هذا الهدف، ولا يمكن تجاوزه، ولا يمكن المطالبة بما هو أكثر. في المقابل، ستنظر السلطة في مدى مطابقة التصريح للقانون، وتنظر أيضا فيما إذا كان التصريح يستلزم ترخيصا مسبقا.
سنحتاج هنا إلى توضيح بشأن التصريح والترخيص؟
أكيد، لابد من معرفة صلاحيات السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، في التصريح والترخيص وإبداء الرأي.
في إجراءات التصريح، يحصل معالج البيانات (مؤسسة) على وصل يسمح له بممارسة النشاط خلال 10 أيام، ولكن أحيانا، يستوجب التصريح ترخيصا مسبقا مكتوبا من السلطة، وبالتالي، لا يمكنه مزاولة النشاط إلا بعد الحصول على ترخيص.
وحتى أوضح، أكثر، تطلب مؤسسة معالجة للبيانات ذات الطابع الشخصي – على سبيل المثال – نقل تلك البيانات إلى الخارج لغرض معين، ولن يكون بإمكانها فعل ذلك دون ترخيص من السلطة.
النقطة الثالثة هي إبداء الرأي، فأحيانا المسؤول عن معالجة البيانات يطلب رأي السلطة أو يستشيرها في مسألة توسيع نطاق المعالجة (على سبيل المثال)، لتتداول هي في موضوع الطلب المودع لديها، وتوضح الطريقة القانونية أو التقنية لسلوك الإجراء المعين.
من الناحية العملية، كيف ستتواصل المؤسسات المعنية بهيئتكم من أجل إتمام إجراءات المطابقة؟
القانون نصّ صراحة على أن مجال تطبيقه يشمل المعالجة الآلية وغير الآلية، بمعنى أنها ستتم من قبل المؤسسة المعنية بطريقة رقمية أو حتى بطريقة يدوية.
وتكريسا لتوجه السيد رئيس الجمهورية نحو رقمنة العمليات الإدارية، نحن في السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، سنعتمد على نموذج صفر ورق.
وابتداء من شهر أوت المقبل، موعد سريان القانون، كل إجراءات التصريح، ستتم عبر البوابة الالكترونية للسلطة، إذ قمنا مع شركائنا، وعلى رأسهم اتصالات الجزائر، باستحداث استمارات للتصريح، طلب الترخيص وإبداء الرأي، وحتى التظلمات والشكاوى التي يمكن أن ترفع للسلطة، وكل النماذج جاهزة ومدرجة على مستوى الأرضية الرقمية، وسيتم تفعيلها في الآجال المحددة، حتى تتمكن كل المؤسسات من الدخول إلى هذه البوابة، والحصول على جميع المعطيات.
ولو أفصل أكثر في العملية، سأقول إن المؤسسة المعنية، ستقوم بملء المعلومات في الاستمارة الالكترونية، وبعد تأكيد العملية ستحصل مباشرة على موعد الكتروني من النظام، حتى تتقدم إلى السلطة لفحص بعض المرفقات إذا كان لابد منها.
ورغم حداثة تنصيب السلطة العام الماضي، إلا أننا بصدد وضع نموذج جزائري رائد، باعتراف الهيئات المماثلة في دول شقيقة، (تواصلنا معها) والتي لازالت تستخدم الوسائل التقليدية أو النصف إلكترونية، كطبع الاستمارات وإدراجها في ملف ورقي.
والسلطة تتوصل بهذه المعلومات وتخزنها، وتلحقها برقم التسجيل الخاص بكل مؤسسة لدى مصالح الضمان الاجتماعي (كناص وكاصنوص) الذي يسمح بالتعرف على المعني بالأمر فور شروعه في إدخال بياناته على الأرضية.
والهدف من كل هذا، هو أن القانون ينصّ على «السجل الوطني لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي» وسينشأ عن طريق نص تنظيمي، وأبقينا عليه عمدا لمرحلة لاحقة، بحيث بدأنا بتجميع البيانات التي يمكن أن تصحح من حين لآخر، حتى نصل إلى السجل الذي له طبيعة خاصة، وبمجرد وضع اسم المؤسسة تظهر جميع المعلومات المرتبطة بها.
بعد تلقيكم التصاريح أو طلبات الترخيص، ما هي مهمتكم الموالية؟
كل مؤسسة معنية بمعالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، تقوم أثناء التصريح لدى السلطة، بتوضيح إجراءات الحماية والأمن المعلوماتي اللازمة لحماية معطيات الأشخاص. وهذه الإجراءات ستكون محل مراقبة من قبل السلطة، لأن هناك مرسوما رئاسيا رقم 23/147 متعلقا بالقانون الأساسي لمستخدمي السلطة الوطني، والذي أنشأ ما يسمى بالمراقبين والمدققين.
أما المراقبون، فهم فئة تعنى بالتدقيق في مدى مطابقة الإجراءات المصرح بها مع القانون، أي مراقبة الجانب الإداري والقانوني، بينما يمثل المدققون فئة مهندسي الدولة في الإعلام الآلي، وسيراقبون الإجراءات الأمنية والتقنية اللازمة، وما إذا كانت تستجيب فعلا للمعايير المعمول بها أم لا.
تاريخ بداية المطابقة مع القانون معروف (بداية أوت)، ولكن هل هو مقيد؟ وماذا عن المتخلفين؟
من المهم أن أؤكد بأن السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، هي ضمانة أساسية، ونصبت في عهد الجزائر الجديدة، وتعتبر آخر لبنة في مسار استكمال البناء المؤسساتي.
وعلى هذا الأساس، نحن نحرص إلى مرافقة المؤسسات المعنية بالمعالجة في سعيها لمطابقة معالجتها للمعطيات ذات الطابع الشخصي مع القانون، وأضيف أيضا أننا نقوم بوظيفة تحسيسية لها، ولا نرغب في الوصول إلى توقيع جزاءات.
هذا هو الهدف، لأن وظيفة حماية الأشخاص والحريات، وظيفة أساسية سامية، والجزائر الآن تسعى إلى ترقيتها وتكريسها وأصبحت الآن مهمة الجميع.
أما بالنسبة لمن أعطيت لهم الفرصة، بداية من الشهر المقبل – ونطلب من الجميع الامتثال إلى القانون- وفي حال ثبوت تعمد أو إهمال في عدم التصريح، والذي من شأنه أن يمس بمعالجة المعطيات، فإن ذلك سيوقع المسؤولين عن المعالجة تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها قانونا، وتتمثل في إجراءات إدارية تبدأ بالإنذار إلى غاية التوقيف عن النشاط أو السحب المؤقت للرخص.
وإذا رأت السلطة أن هذا الخرق له طابع جزائي، تخطر النائب العام، حتى يتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
هل لديكم، فكرة أولية عن نسبة الاستجابة الممكنة لإجراءات المطابقة من قبل المؤسسات والأشخاص المعنيين؟
أطلقنا عملية إحصاء واسعة شهر جوان الماضي، شملت جميع المؤسسات، وهي عبارة عن استمارة، قامت كل الهيئات والجهات التي تعالج المعطيات ذات الطابع الشخصي بالتسجيل عليها.
وهدف السلطة من وراء ذلك، هو العمل التحسيسي الاستباقي، تحسبا للتصريح الرسمي، وأيضا حتى تكون لدينا نظرة كسلطة حول عدد المؤسسات والإشكالات التي يمكن أن تطرح، سواء كانت قانونية أو تقنية.
ومنذ أول يوم لإنشاء البوابة، في جانفي الماضي، تلقينا كثيرا من الرسائل الإلكترونية وعبر الهاتف وطلبات المقابلات، ونحن نستقبل بشكل يومي المؤسسات المعنية، ونقوم بمرافقة المؤسسات العمومية حتى تسهل لهم عملية الدخول إلى البوابة الالكترونية والتصريح بالمطابقة.
ويهمنا في السلطة أمرين إثنين: التفهم والتعامل الإيجابي. لأن هدفنا – كما قلت – هو مرافقة المؤسسات وتحسيسها. لا نريد تقييدها بالوقت، ومع ذلك لابد من الالتزام به، بداية من شهر أوت.
ونأمل أن نحصل على استجابة نوعية وليس من حيث الكم فقط، وأقصد تحديدا الاقتناع بالفكرة من أجل تكريس الحق في الحياة الخاصة، وحماية أكثر فعالية للبيانات الشخصية.
إلى جانب القانون، يبرز العامل الأخلاقي في مسألة البيانات الشخصية، ورئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، أطلق مسارا شاملا لأخلقة الحياة العامة، ما موقع السلطة من هذا المسار ؟
اعتبر أن السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، إحدى ركائز هذا المسعى، الذي باشره السيد رئيس الجمهورية، لأنه بإنشائها أصبحت معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، تتم في ظل حماية وضوابط إجرائية وأخلاقية، بحيث أن المسؤول عن المعالجة سيعرف التزاماته وحقوقه، وسيتم التعامل بطريقة قانونية في مجال هذا النوع من المعطيات، وستكون هناك جزاءات إدارية وجزائية.
ولهذا، قلت في البداية نسعى إلى مرافقة المؤسسات بغرض زرع ثقافة الحياة الخاصة وأخلقة الحياة العامة، ومنه نرتقي بهذا الاختصاص إلى درجة أن يصبح مسؤولية الجميع.
المقاربة الأخرى، هي أن الأفراد سيشعرون بأن البيانات الشخصية للجزائريين لن تكون موضوعا للعب أو المناورة، ولهذا يشدد القانون على مراعاة طابع الحماية والسرية، الأمر الذي من شأنه أن يضع حدا لكثير من التجاوزات في عدة مواقع، ويمنع استخدام بيانات الفرد من قبل جهات أخرى لم يمكنها منها.
هذا يقودنا إلى صاحب البيانات.. ما هي الحقوق التي يجب عليه أن يعرفها في هذا المجال؟
القانون تحدث عن هذه الحقوق، ويجب على المسؤول عن المعالجة، عندما يتلقى البيانات الشخصية للمواطن ويقوم بمعالجتها، أن يشعره بها، أي أنها حقوق للشخص الطبيعي، وفي نفس الوقت التزامات على المؤسسة المعنية.
وأول حق هو الإعلام، بمعنى أن يعرف مآل معطياته الشخصية، وحقه في تصحيح البيانات إذا كانت خاطئة لسبب ما، والاعتراض إذا استعملت في غير الغاية التي أعطيت من أجلها.
ونحن في الاستمارات المدرجة في البوابة الالكترونية، وضعنا خانة، يجيب فيها المعني عما إذا قام بإخطار المواطن بحقوقه، في المقابل، يمكن للمواطن تقديم الاحتجاجات والشكاوى والتظلمات أمام السلطة إذا رأى أن البيانات سلمت من أجل غرض معين، ووجدها عند مسؤول آخر عن المعالجة.
وحتى لو كان الأمر يتعلق بمؤسسة معتمدة، فإن تحويل البيانات بين هيئة وأخرى لابد أن يتم عن طريق السلطة الوطنية وبالموافقة المسبقة للمعني بالأمر.
سنتوقع إذا، الحد من جرائم الابتزاز باستخدام البيانات الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟
لابد من التفريق بين شيئين، هناك التجاوزات التي يرتكبها المسؤول عن المعالجة (المؤسسة أو شخص طبيعي)، ذات طابع إداري، تدخل في اختصاص السلطة، وهناك الخروقات ذات الطابع الجزائي، وبإهمال من هذا المسؤول أو تعمده، يقوم بتسريب صورة أو معلومات وتنشر في مواقع التواصل وتستخدم في الابتزاز، ستكون هناك مسؤولية إدارية تجاه السلطة؛ لأن الشخص لم يحافظ على الميثاق بينه وبين المواطن، ومسؤولية ذات طابع جزائي، وإذا أثبت معاينة مراقبي السلطة، وجود جريمة سيقومون بإخطار النيابة العامة التي تباشر إجراءات التحري.
نختم بالحديث عن السلطة الوطنية لحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، والتي باشرت مهامها وفق مراحل تدريجية، أين وصلت الآن؟
منذ تنصيب السلطة، هناك أعمال أنجزت وهناك أخرى في طور الإنجاز، الأولى هي صدور النصوص التنظيمية، كالنص المتعلق بالأمانة التنفيذية للسلطة في المجال القانوني والتشريعي، وأيضا القانون الأساسي لمستخدمي السلطة.
أما النظام الداخلي للسلطة، وهو قيد المصادقة، سيعرض في اجتماع الأسبوع المقبل، على الأعضاء الذين سيناقشونه قبل المصادقة عليه.
ومن أهم الأعمال التي أنجزت أيضا، هي ما تعلق بالتحضير لسريان القانون، ابتداء من الشهر المقبل، وتحديدا إطلاق البوابة الالكترونية، في 30 جانفي الماضي، والآن موضوعة تحت تصرف جميع الهيئات وتتضمن كل إجراءات التصريح كل المعلومات اللازمة متوفرة.