يعود المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، سماحة الشيخ محمد حسين، في حوار مع “الشعب”، إلى مدى أهمية الخطوة التي بادرت بها الجزائر من خلال إحيائها ذكرى النكبة، لأول مرة في الجزائر. ويفصل في ذات اللقاء، في الأثر الذي تركه اتفاق الجزائر للم الشمل الفلسطيني على الأوساط السياسية الفلسطينية. كما يتطرق إلى سبل إبقاء القضية الفلسطينية بنكبتها، ماضيها وحاضرها، حاضرة في أذهان ووجدان الأجيال الصاعدة، إسقاطاً للمقولة الصهيونية «الكبار يموتون والصغار ينسون».
الشعب: سماحة الشيخ، زرتم الجزائر خلال إحيائها الذكرى 75 لنكبة فلسطين والعرب، ما الانطباع الذي غادرتم به بعد تلك الزيارة؟
الشيخ محمد حسين: أشكر دولة الجزائر الشقيقة، رئيسها وحكومتها وشعبها، وكل من كان سبباً في نجاح إحياء الذكرى 75 لنكبة فلسطين التي تعد تاريخيةً بسبب إحيائها، لأول مرة، بمبادرة من دولة عربية شقيقة، وهي الجزائر. هذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على العمق العربي والتضامن المستمر من قبل الجزائر مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. كما لمسنا من خلال الاحتفال حرص الجزائر الدائم على نصرة إخوانهم الفلسطينيين وتسليط الضوء على معاناة أبناء شعبنا الفلسطيني وإطلاع العالم أجمع عليها.
الهدف من إحياء ذكرى النكبة هو التذكير بجرائم الاحتلال الصهيوني، والإبقاء على هذه الحقائق في الذاكرة الجماعية العربية، كيف يدعم إحياء هذه المناسبة القضية في شقها التاريخي؟
إن إحياء الجزائر لذكرى النكبة 75 كان بمثابة تأكيد على ارتباط القضية الفلسطينية ببعدها العربي الإسلامي الطبيعي، والتأكيد على أن القضية الفلسطينية كانت ومازالت هي القضية الأولى للشعوب العربية، وفي مقدمتها الشعب الجزائري الشقيق، بعد محاولات الاحتلال الصهيوني تصفيتها عبر صفقة القرن.
ما مدى الحاجة لتعميم إحياء هذه الذكرى في باقي الأوطان العربية؟
هناك حاجة ماسة لضرورة إحياء ذكرى النكبة في الوطن العربي بأكمله، للتأكيد على عمقنا العربي الذي ننتمي إليه، خاصة وأن الاحتلال وداعميه من الدول الغربية، لا يريدون وحدة فلسطينية ولا عملاً عربياً موحداً، لذا نجدد النداء لأشقائنا العرب بالقول إن فلسطين هي قضيتكم المركزية، وأنه في حال إنهاء وجود القضية الفلسطينية، ستكون العواصم العربية قبلة الاحتلال القادمة، لذلك لابد من تحرك عاجل واستدراك الخطر من خلال توحید الموقف العربي الذي يعد أساساً لأي جهود لإحياء السلام في الشرق الأوسط، كما ندعو إلى تكثيف الدعم السياسي للقضية الفلسطينية في ظل الخطر الحقيقي المحدق بها.
ما الأثر الذي تركه إعلان الجزائر للم الشمل الفلسطيني الذي جمع الفصائل الفلسطينية على الساحة الفلسطينية؟
كان لوثيقة لمّ الشمل التي جمعت الفصائل الفلسطينية، الأثر الإيجابي الكبير على كل الأوساط السياسية الفلسطينية، وكان لها أبعاد مهمة على الشعب الفلسطيني وعلى مستقبل القضية الفلسطينية، وتوحيد القوى الوطنية الفلسطينية، خاصة أن الكل الفلسطيني لديه رؤية سياسية ويتطلع إلى إنهاء الاحتلال الصهيوني لوطنه وأرضه ومقدساته، لذلك كان إعلان الجزائر الشقيقة للم الشمل الفلسطيني مبادرة تاريخية لإحقاق الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام، وعلينا كشعب فلسطيني أكثر من أي وقت مضى، ونخص الفصائل بالذكر، المبادرة إلى الاتفاق على رؤية وطنية شاملة والوحدة ورص الصفوف، وإعادة اللحمة بين شطري الوطن، وقلبه النابض «القدس» التي سوف تتكسر عليها المؤامرات جميعها لمواجهة العدوان الصهيوني والتصدي له، وضرورة التمسك بالثوابت والأخوة، ووضع مصالح الوطن على رأس الأولويات وتنفيذ هذه المبادرة برمتها، التي تعد محطة مهمة في تاريخ القضية الفلسطينية، وبخاصة في ظل العدوان الذي يهدف إلى كسر شوكتنا وتوهين قوانا وتدمير مقومات وجودنا.
ما السبيل اليوم – برأيك – لزرع القضية بماضيها وواقعها في قلوب وأذهان الأجيال الصاعدة؟
لكي تبقى القضية الفلسطينية في قلوب الأجيال وأذهانها، يجب التأكيد على ضرورة تثقيف الأجيال الصاعدة، وتوعيتها تجاه القضية الفلسطينية، من خلال المناهج والتعليم ونشر الوعي بين طلبة المدارس والجامعات العربية لترسيخ الهوية الفلسطينية، والتشجيع على إنتاج وإخراج الأفلام الوثائقية التي تعنى بشؤون اللاجئين والتراث الفلسطيني، وتوزيع النشرات التي توضح الخرائط التي تصف القرى الفلسطينية، وتخصيص بعض الوقت في المخيمات لتثقيف الأطفال بمراحل تطور القضية الفلسطينية، وكذلك عقد المؤتمرات الصحفية والندوات في الدول العربية كافة، وتخصيص برامج إذاعية وتلفزيونية لكي تبقى القضية الفلسطينية حية في قلوب الأجيال الصاعدة، وعقد قمم لكوادر شبابية لمناقشة القضية الفلسطينية.
ما هي الرسالة التي توجهونها للأجيال العربية الشابة، بما فيها الجزائرية؟
لا شك أن الشباب ركن المجتمعات، وسبيل عزتها ومحقق آمالها، وإن ما تمر به الأمة من تحديات، لا تزول إلا بكدّ الشباب واجتهادهم، حتى تسترجع الأمة سيادتها ومجدها. لذا نوجه الرسالة للشباب العربي جميعاً بما فيه الجزائري، بضرورة القيام بدور فاعل وريادي في الحفاظ على القضية الفلسطينية وجعلها دائماً على رأس أولوياتهم، والتحدث عنها في المحافل الدولية، وتنشئة جيل واع قادر على حماية حقوقه المشروعة في العودة إلى دياره، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وإسقاط المقولة الصهيونية «الكبار يموتون والصغار ينسون».