التفاصيل الصغيرة قد تبدو عديمة الأهمية، خاصة إن تبيّن أن تأثيرها على الأشياء بسيط أو محدود، ومن ذلك أن الواحد منّا قد يضيّع زرا من أزرار الراقن، فلا يعيره انتباها، بحكم أنه يرى الكمبيوتر كاملا وهو يؤدي وظيفته على أكمل وجه، مثلما قد تضيّع البلدية (ألوان) مضامير طرقاتها، فلا تجد حاجة في المسارعة إلى (تبييضها)، بحكم أنها تسيّر سيولا عجائبية من السيارات دون أن (تكح)، ولا تختلف وكالة «عدل» حين تتعطل مصاعدها؛ ذلك أن زبائنها لن يعدموا وسيلة للوصول إلى منازلهم الشاهقة، ثم إن المشكلة الحقيقية التي ينبغي التفكير فيها هي (السكن في ذاته) وليس (كيفية الوصول إلى السكن)..
هناك تفاصيل أخرى كثيرة في حياتنا اليومية، نمرّ بها كراما دون أن نفكر في إصلاحها، لكن هذه «التفاصيل المهملة» تفكر فينا بجدّ، فتتراكم وتتعاظم إلى أن تتحوّل إلى معضلات حقيقية، تواجهنا في واقعنا المعيش دون أن نعرف كيف أحاطت بنا، ولا كيف تنزّلت علينا، ومن ذلك إهمال تلوين مضامير الطرقات الذي أقنع السائقين بقيادة سياراتهم في كل الاتجاهات، يمينا وشمالا، وكأنهم في (المزرعة السّعيدة)، وأقنع الراجلين بعبور الطرقات حيثما يشاؤون، فلم يعد مستغربا أن تجد راجلا يزاحم السيارات في محور دائري، لا ينقصه سوى إلصاق الأضواء والحصول على بطاقة رمادية.. ولا تختلف الحال – بطبيعة الحال – مع «عدل» التي صارت (تنتج) عمارات مجهّزة بمصاعد تكلّف الشيء الفلاني، ثم تتركها لـ(الصدأ) وصيادي قطع الغيار (المجانية)، فلا استفادت من قيمة المصاعد المهدرة، ولا استفاد الناس..
على كلّ حال، يمكن أن نجرب (تفصيل) زرّ الراقن.. فهذا يبدو عديم الفائدة، حتى إذا تعطّل أو ضاع، يتبين صاحب الكمبيوتر أن ذلك الزر (الحقير).. هو أهم قطعة..