عريقة وثرية هي المدرسة الجزائرية لفنون الزخرفة والخط والمنمنمات بموضوعات وخاصيتها وشهرة الأسماء والفنانين الذين شغفوا بها والتي تخطّت الكثير منها العالمية.. فنون تتسم بالدقة وتعكس أغوار الروح وتعلق القلب بالخالق وبالطبيعة الغناء.. تُوصف بالفنون الإسلامية لأنها تُعنى بالصوفية وتؤرخ للإسلام.
نجدها في زخرفات المساجد والقصور وفي رقي اللوحات وفي المتاحف، توليها الجزائر كل الاهتمام من خلال المهرجانات الثقافية الدولية والوطنية والمحلية، المعارض والمسابقات وتشجيع أصحابها في شتى المناسبات، كما تواكب اليوم العصرنة والتكنولوجيات الحديثة بدخولها عالم الرقمنة والفنون البصرية المتطوّرة.. مجال متعدّد الأوجه والتقنيات تفصح لنا عن بعض خفاياه الأكاديمية والفنانة التشكيلية د.آسية مقشوش في هذا الحوار لـ«الشعب”..
“الشعب”: كيف هو واقع الفنون الإسلامية والخط والزخرفة في الجزائر؟
د.آسية مقشوش: في الحقيقة تتجلى مظاهر الفن الاسلامي من زخرفة وخط ومنمنمات في جميع الجوانب، سواء كانت في العمارة الدينية والمدنية والعسكرية، وفنون تطبيقية من حرفة النحاس والنقش على الخشب واللباس التقليدي والحلي والخزف، ناهيك عن الأعمال الفنية في شكل لوحات، ورغم ذلك، فإن فن الزخرفة والخط والمنمنمات ما يزال على الهامش، ولم يأخذ نصيبه من الترويج، رغم أن هذه الفنون هي التي تعطي بصمة خاصة لكل حضارة ولكل منطقة، تشكل منها هوية فنية للبلد.
ولكن هذا لا ينفي سعي المختصين والمؤسسات الوطنية للنهوض بهذا الفن وإعادة بريقه ونشر خصائصه الجزائرية المحفوظة، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، المتاحف التي تعرض وتحافظ على مجموعاتها الفنية الاسلامية، منها متحف الخط الاسلامي بتلمسان، متحف المنمنمات والزخرفة وفن الخط بالجزائر، مركز البحث في الحضارة الاسلامية بالأغواط، متحف الفنون الاسلامية والآثار القديمة، متاحف الفنون والتقاليد الشعبية.. كما تعمل المؤسسات التعليمية على تعليم الفن الاسلامي عامة والفن الجزائري خاصة، في المعاهد والمدارس والجامعات، حيث تزرع بذور الفن في المدارس الجهوية للفنون الجميلة الجزائرية، ونجد أن هناك ثلة من الفنانين تخرجوا في مجال فن الاسلامي ولمعت أسماؤهم منهم الفنانة أنفيف سلمى خريجة مدرسة الفنون الجميلة باتنة، وأيضا مدرسة الفنون الجميلة عزازقة ومستغانم.. جمعية الفنون الجميلة بالجزائر لعبت أيضا دورا كبيرا على مدى سنين طويلة لتهذيب الذوق الفني للهواة، وتخريج كبار الفنانين على يد أسماء لامعة في الفن منها المرحوم مصطفى بالكحلة في فن المنمنمات والمرحوم مشطة علي في فن الخط والفنانة باش سايس فريدة فن الزخرفة وغيرهم كثير..
ما الذي يميز المدرسة الجزائرية في هذا المجال عن سائر المدارس العالمية الأخرى؟
أكيد أن لكل مدرسة فنية خصائص تميزها عن نظيراتها، ما يُكسب كل مدرسة هوية خاصة.. بالنسبة لفن الخط، المدرسة الجزائرية تميزت في لين الخطوط وتحرّرها من قواعد الخط المشرقي، فالخط المغاربي تميز في الجزائر وانتشر في ربوعها وتطور في مراكز نساخة المخطوطات مثل منطقة تمنطيط بأدرار، وكذلك في المراكز العلمية الجزائرية، حيث عرف لين الخطوط وانتقاله من الخط الكوفي إلى الخطوط اللينة انطلاقا من فترة حكم المرابطين، ثم فترة حكم الموحدين، ليصنع الخطاط المغاربي، بذلك، خطا خاصا به يعرف بالخط الأندلسي المغاربي وينتشر في ربوع الوطن راسما بذلك بصمته بقوة.
ويتميز في كل بقعة بنوع خاص، وعلى سبيل الذكر الخط المغاربي القندوسي نسبة إلى منطقة قنادسة في مدينة بشار، وهو يحمل اسم صاحبه محمد بن قاسم القندوسي الذي ولد بمدينة بشار سنة 1790، وهو يتميز باللين والانسياب والانتفاخ والتناسق، الأمر الذي يعطي للخط فخامة ومنظرا روحيا لما هو مكتوب به، كما أنّ الاهتمام الكبير للخواص بهذه الفنون الإسلامية، وتأسيس مدارس فن خاصة به على مستوى الوطن رغم اهتمام أهل الجنوب بفن الخط، إلا أنه يبقى بعيد المنال على البعض وخاصة في مناطق الجنوب.
أما مدرسة الزخرفة الجزائرية فقد عرفت رحلة من الارتباك، وذلك بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية خلال فترة الاحتلال الفرنسي، وبعد هذه الفترة أصبحت المدرسة الجزائرية لفن الزخرفة تتميز بنوعين أساسيين، وهي الزخرفة الهندسية في شكل أطباق نجمية والزخرفة النباتية والتي يعتمد فيها على الورد والزهور وجذوع النخيل، والتي تكون واضحة وجلية للمشاهد مع استخدام مزيج من الألوان الخاصة وهي اللون الأخضر والأزرق كخلفيات، واللون الأحمر والبرتقالي للزخارف، عكس المدارس المشرقية التي تتميز بخاصية الدقة وتداخل العناصر بشكل جد متشابك، واستخدام درجات وألوان مختلفة عن المدرسة الجزائرية، كما يعتمد على ألوان الذهب في مساحات كبيرة، عكس المدرسة الجزائرية التي تستخدم الألوان الطبيعية المحلية لتزيين الأعمال الخشبية، أو لتزيين المخطوطات وانجاز اللوحات الفنية.
كيف تخدم الجامعة والأبحاث الفنون اليوم؟
للجامعة دور كبير في خدمة هذا الفن من خلال تدريسه في أقسام الفنون الجميلة بالجامعات، والبحث الدائم عن ملامح الفن وخصائصه في الأعمال المعمارية الاسلامية وتطورها وانتشاره، أو من خلال دراسة الجوانب الاجتماعية، الانتربولوجية، الاقتصادية، والتقنية للفنون الاسلامية.
كما تلعب المتاحف دورا جد كبير في حفظ وعرض أعمال الفنانين الجزائريين الذين يعبرون عن هوية المدرسة الجزائرية لفن الزخرفة، منها أعمال محمد غانم، وحمي مومنة امحمد، ومصطفى بن دباغ، اجعوط مصطفى، وأعمال الإخوة راسم.. وهم من قامات المدرسة الجزائرية والتي تُحفظ أعمالهم يمتحف الفنون الجميلة، ومتحف الفنون الشعبية، متحف سيرتا ومتحف زبانة.
ماذا تقدّم المهرجانات والمسابقات والتظاهرات في هذا السياق للفنانين المولعين بالفن الاسلامي بتعدّد جوانبه؟
للمهرجانات دور جدّ فعال في جانب فن الزخرفة والخط والمنمنمات، حيث يتمّ تبادل الخبرات من طرف الفنانين، سواء المحليين أو الدوليين من تقنيات الإعداد والاخراج، ومواد صناعة الألوان والحبر والريشة والأقلام والحامل أو تقنيات العمل، فالمهرجان الثقافي الدولي للزخرفة والمنمنمات فتح الأبواب للتلاقح بين كل المدارس الايرانية والتركية والهندية والباكستانية والعراقية والجزائرية.. وسعى هذا المهرجان إلى نقل هذا الفن من الطابع المحلي إلى الطابع العالمي والتأثير فيه، مثل ما قام به مؤسس المدرسة الجزائرية للمنمنمات والتي أثرت في المدارس العالمية وحررتها من القيود التقليدية لفن المنمنمة.. من جهة أخرى، ترفع المسابقات من مستوى المشاركين سواء على المستوى المحلي أو على المستوى الدولي، وذلك من خلال سعي الفنان إلى التميز والكمال للظفر بالجوائز، وهذا يؤثر بالإيجاب لرفع مستوى الإنتاج الفني إلى العالمية بخصائص محلية.
حدثينا عن اهتماماتك كباحثة أكاديمية وكفنانة في هذا المجال؟
إن اهتمامي، كباحثة، بجانب الفنون الإسلامية، يكمن في التنقيب عن القواعد الأساسية التي قام عليها هذا الفن، وازدواجه بالفن المحلي، كما أسعى جاهدة إلى الاهتمام بالخط المغاربي ورقمنته، ومن خلال الرصيد الوطني للمخطوطات ومعرفة مراكز نساخة في الفترات القديمة، لتحديد خصائص كل على حدة وإعطاء مسميات سليمة تنتقل من الإطار العام للمصطلح إلى الإطار الخاص، وهذا لا يكون إلا من خلال دراسة وتمحيص، وتصنيف وتنميط الخطوط من خلال المخطوط، أما كفنانة فهو يتمثل في تحويل وتجسيد كل المجموعات المتحفية ومقومات التراث المادي وغير المادي الجزائري إلى أعمال زخرفية ومنمنمات تعبر فقط عن الهوية الجزائرية، وهذا طبعا راجع إلى تأثري بتخصصي العلمي الذي ربط بين الفن والتراث.
كيف يمكن لنا اليوم غرس هذا النوع من الفن التراثي المتميز في أوساط الناشئة؟
في الحقيقة، غرس هذا الفن لدى الناشئة يرجع بقدر كبير إلى تحسين مستوى الذوق العام للفن، لأنه بعد الصراعات والعشرية السوداء انهار الذوق العام الجزائري للفن بمختلف مستوياته، وطبعا هذا المستوى يخضع دائما للمستوى الاقتصادي، الاجتماعي، والتعليمي، والانتماء، فانهيار أحد هذه المقومات يؤدي إلى انهيار الذوق العام، وبعودة الانتعاش الاقتصادي للجزائر، نجد أن هناك صحوة للشباب لتذوق الفن وخاصة الاسلامي، كما أن الشعور بالانتماء يدفع الشباب إلى البحث والتعلم والاهتمام واقتناء الأعمال الفنية. كما نجد أن التكنولوجيا والانترنت ورقمنة الخط والاعتماد عليه على الشبكات دفع بالشباب إلى تذوق جماليات فن الخط وكذلك الزخرفة.. لكن يبقى فن المنمنمات حكرا على فئة معينة ومختصة، بسبب صعوبة إنجاز عمل فني واحد والذي قد يستغرق شهورا من العمل، فيبقى هذا الفن حكرا على أصحاب الذوق والفكر العالي وحكرا على أصحاب التخصّص، ويمكن للمؤسسات الاستثمار في الصراعات حول التراث، لزرع بذرة الانتماء والعمل على انعاشها والاستثمار الاقتصادي والحرفي فيها، وتطويرها لمواكبة التطور التكنلوجي.
كيف تختمين لقاءنا هذا؟!
يواجه الفنان والفن الإسلامي مشكلة كبيرة في الجزائر، وهو عدم وجود سوق خاصة بالفن، فالفنان يعاني من عدم توفر المواد الأولية الخاصة بالفنون الاسلامية، التي يستعين فيها دائما بالاستيراد من خارج الوطن، ولا يوجد سوق لترويج أعماله، وهذا يؤثر سلبا على المردود الفني، ولذاك وجب توفير سوق بيع وشراء للمنتوجات الفنية.
د.آسيا مقشوش في سطور:
دكتوراه آثار تخصص علم المتاحف
أستاذة بجامعة الجزائر 02
محافظ رئيسي للتراث الثقافي بمتحف المنمنمات والزخرفة وفن الخط
رئيس مصلحة الإعلام والاتصال
عضو بمحافظة المهرجان الدولي الثقافي لفنون الزخرفة والمنمنمات
مقدمة ركن تراث بالتلفزيون العمومي الجزائري
فنانة مزخرفة ومنمنمة
عضو باللجنة العلمية للمكتبة الوطنية الحامة.
عضو باللجنة العلمية لمتحف الفنون والتقاليد الشعبية قسنطينة.
عضو باللجنة العلمية لمتحف المنمنمات والزخرفة وفن الخط.
مشاركة في العديد من الملتقيات الدولية بالجزائر، تونس، مصر، الإمارات العربية المتحدة، ألمانيا.
تنظيم العديد من الملتقيات والمعارض الوطنية والدولية
نشر عدد من المقالات في مجالات دولية ووطنية.
إعداد كتاب التراث الجزائري طبع معهد الشارقة
إعداد كتاب قصر مصطفى باشا، وكتاب قصبات الجزائر.
إنجاز لعبة الإمارات السبع للتراث.