يتفق الخبراء بالاقتصاد، والعارفون بمكانيزمات سير الأسواق، أن موجة «الغلاء» التي اكتسحت العالم، تعود – بالدّرجة الأولى – إلى الركود الذي شهدته الكرة الأرضية مع جائحة كورونا، فهذه كارثة أصابت البشرية، وأثرت على مقدّرات الجميع، غير أن الخبراء والعارفين لا يعلّقون الغلاء كلّه على (مشجب) الجائحة وحده، وإنما يضيفون إليه التوترات والصراعات، وبعض (توابل) المؤامرات، وهذا أيضا واقعيّ، لأن الحدث «السياسي» – مهما يكن وزنه – له تأثيره المباشر على الأسواق، وليس مستغربا مطلقا أن ترتفع الأسعار، مع التدافع على المصالح الضيقة (والواسعة)..
وظاهر أننا لسنا بدعا في البشر، فنحن نصاب بما يصيب العالم، غير أن الخبراء والعارفين لم ينتبهوا إلى أن «الغلاء» عندنا يركب (نظرية) مختلفة لا مكان لها ضمن مناهج التحليل العلمي، وهي نظرية متعلقة بطبيعة مفاهيم (السوق) و(التجارة) و(المعاملة) وأشياء أخرى كثيرة متداخلة، لا نعرف كيف توطّنت عندنا، ولا كيف تأسست لتصبح فاعلة في «الأسعار»، ومن ذلك أن كيلوغرام القهوة بأكمله – على سبيل المثال – ارتفع سعره بفعل العوامل الموضوعية – بعشرة دنانير، فجاء سيدنا (القهواجي) ورفع سعر الفنجان الواحد بعشرين دينارا، ومثله الخضار، فهو يعلم أن سعر الطماطم (مثلا) لا يتجاوز في سوق الجملة ثلاثين دينارا، لكنه يصرّ على بيعها بمائة دينار أو يزيد.. حتى صاحب السعادة (السّردين)، يصل إلى ولايات داخلية بسعر أربعمائة دينار، بينما لا يقبل مطلقا أن ينزل عن السبعمائة دينار بالعاصمة والولايات الساحلية.. وهذه من الأعاجيب التي لا يمكن تفسيرها وفق منهج علمي مضبوط على واقع سليم من العاهات التجارية..
ماذا لو اكتفينا بالغلاء الذي فرضته الجائحة بالتحالف مع الوضع العالمي؟!.. هل كنا لنحسّ بالغلاء؟!.. هذا هو السؤال..