حددت الجزائر الجديدة أولوياتها للمرحلة المقبلة بدقة ورؤية استراتجية استشرافية، لتسريع وتيرة نموها وإنهاء مسار الإصلاحات الساري في مختلف القطاعات الحيوية، مرتكزة على تعميم الرقمنة في مختلف القطاعات.
وكان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قد شدد على التعجيل برقمنة عدة قطاعات، بما فيها قطاعات الضرائب والجمارك وأملاك الدولة، لأن تعميم الرقمنة يفضي إلى سقف عال من الشفافية، وتختفي معها أي مظاهر للبيروقراطية وكذا البطء في الأداء، سواء في المنظومة الإدارية أو الاقتصادية.
بالفعل الرقمنة تعد مستقبل الاقتصاد المتطور، الذي يسفر عن تنمية كل القطاعات الأخرى، سواء اجتماعية أو ثقافية. ونظرة رئيس الجمهورية كانت واضحة وعميقة وشاملة، من خلال قراراته الاستشرافية الحكيمة المتمثلة في رقمنة جميع القطاعات في عام 2023، وخص بالذكر على وجه التحديد الإسراع في رقمنة قطاعات حساسة لها علاقة مباشرة بالقطاع الاقتصادي، يتعلق الأمر بكل من قطاعي الضرائب والجمارك، إلى جانب الممتلكات الخاصة بالأفراد، من أجل إحصاء الثروة ومعرفة حجمها بشكل صحيح ولأن للرقمنة أبعادا عميقة وتأثيرات بعيدة المدى، خاصة على صعيد أخلقة الشأن العام ومكافحة الفساد.
2023 سنة مفصلية للتقييم
ولا يخفى، برأي متابعين، أن رقمنة مختلف القطاعات رهان رفعته الجزائر وتسعى إلى تحقيقه في سباق مع الزمن لتغيير وجه التسيير وضبط المسؤوليات بدقة، خاصة ما تعلق بالتجهيز بشكل يتجاوب مع التحديات التنموية، وفضلا على كون الرقمنة تسهل حياة المواطنين وتختفي معها أساليب التحايل والبيروقراطية، كما أنه بواسطة الرقمنة يتسنى تشريح المقومات المالية المتوفرة على مستوى السوق الموازية، ووضع حد للتعاملات التقليدية التي تختفي معها كل مظاهر الغش أو التهرب وما إلى ذلك. علما أن رئيس الجمهورية حريص جدا أن تقفز الجزائر إلى مستوى تحقق فيه التطور في تسيير الشأن العام عبر إرساء إستراتيجية دقيقة مدروسة للرقمنة تنهي الأداء التقليدي البطيء.
واللافت أن الجزائر أدركت جيدا حتمية تعميم الرقمنة من أجل تكريس حوكمة التسيير، ومن الطبيعي أن تتخذ قرارا جوهريا يقضي باستحداث بنك معلومات محلي، يعد الأول من نوعه ويسمح برقمنة مختلف الملفات حتى يؤدي المسؤول والمسير مهامه بشفافية وتختفي معه كل مظاهر الفساد، وهذا ما تتطلع غليه الجبهة الاجتماعية.
نهاية السنة من دون شك، ستكون حسب مختصين مفصلية في تقييم ما تحقق على مستوى تعميم نطاق الرقمانة في مختلق القطاعات وجميع مناحي الحياة، حتى يستدرك كل نقص أوتأخر مع بداية العام المقبل، لأن الجزائر انطلقت بخطوات سريعة ومدروسة للقفز إلى مسار الدول الناشئة، وكون الرقمنة كما وصفها السيد الرئيس قضية أمن قومي، ولأنها تعبد الطريق الصحيح للتغيير والقفز إلى مرحلة جديدة تكون الحوكمة معممة عبر مختلف المجالات.
رهان “صفر ورق” في المتناول
بنظرة عامة يمكن القول إن قطاع التعليم العالي تمكن في ظرف قياسي من تسجيل تقدما في مجال تكريس رهان الرقمنة، واتضح ذلك من خلال التسجيلات الجامعية الأخيرة التي تمت عن بعد، وسهر القطاع على رقمنة العمليات المتعلقة بالتسيير البيداغوجي والإداري تجسيدا لبرنامج 42+4 أرضية رقمية، بهدف حوكمة تسيير قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، ومن ثم مواجهة تحدي الرفع من جودة التعليم.
وتمكن القطاع خلال السنة الجارية، من إطلاق 35 منصة رقمية موضوعاتية من إجمالي 42 برمجت في إطار مخطط رئيسي رقمي جاء تطبيقا تعليمات لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، ونذكر من بين هذه المنصات، كل من المنصة الخاصة بالشباك الموحد الإلكتروني الذي سمح بتوفير خدمات لقرابة ربع مليون موظف تابع للقطاع، وإلى جانب منصة التوثيق والتصديق على الشهادات المدرسية لجميع المتخرجين من الجامعة، ويضاف غلى ذلك منصة الحافظة الإلكترونية بهدف تدعيم وتقوية منهج التصديق الإلكتروني المعتمد من أجل القفز إلى رهان “صفر ورق” والذي بات في المتناول.
وتعزز مسار الرقمنة لقطاع التعليم العالي بمنصة خصصت لأول مرة للمنشورات الطبية، وبالإضافة إلى منصة تتعلق بحاضنات الأعمال الجامعية والتي تضم ما لايقل عن 84 حاضنة، ولا يخفى أنه كذلك بالموازاة مع ذلك تم إطلاق منصة تبرئة الذمة، ومازال هذا القطاع يحقق الكثير من التقدم في مجال الرقمنة.
تعبئة الموارد وبلوغ القيمة مضافة..
وقطاع التربية ليس بعيد عن العصرنة بواسطة إدراج الرقمنة، لأنه تم الاتفاق على رقمنة القطاع وتعميم إدراج التدريس باللوحات الإلكترونية، واستبدال المحفظة التقليدية بالمحفظة الإلكترونية، وبالتالي تهيئة أجيال الغد ليواكبوا التطور الرقمي والتكنولوجي الجاري في عالم سريع التقدم وعولمة تؤثر على الجميع.
والجدير بالإشارة، فإن تعميق استعمال الرقمنة، يقتضي تكوين المورد وبروز تخصصات جديدة على مستوى الجامعات والمعاهد العليا، والجزائر شرعت في شق طريقها وفق هذا التوجه، وحتى المنظومة الاقتصادية، ستنخرط بشكل تلقائي في هذا المسعى.
وفي الوقت الحالي، بات ينظر للرقمنة على أنها انطلاقة قوية تجعل من الجزائر، أحد البلدان القوية النمو والسائرة بسرعة في مسار التطور، ومن ثم تحقيق رهانات تنويع الاقتصاد والرفع من جودة أداء المنظومة الاقتصادية، وتثمين الثروات المتاحة، إلى جانب تعبئة مختلف الموارد سواء كانت طبيعية أو بشرية والاستفادة منها من أجل تحويل الإمكانيات الكامنة إلى قيمة مضافة وثروة تضخ في الاقتصاد الوطني، المرشح أن يقفز نموه في السنوات المقبلة إلى رقمين.