يتوهّم بعضهم أن «المثقف» شخصٌ يُدلي بـ(بَيْدُونه) في كل نقاش، فيتعارك مع هذا، ويتوعد ذاك، ويرفع صوته على أولئك حين يقيم البراهين على حصافة رؤيته وسلامة منهجه، ولقد توطّن في القلوب أن «فعل الثقافة» ليس سوى نوع من «الرّقابة الصارمة» يفرضها الكائن المسمى «مثقف» على كل ما يحيط به، فهو – في العقلية المهيمنة – شخص يمتلك «المعرفة الكاملة»، ولا يفوته دبيب النمل، ولا طنين النحل..
ولقد أنتج هذا التعريف المبتذل لـ»المثقف»، طبقة من (الكلامولوجيين) سيطرت على منصات التّواصل الاجتماعي، فصارت أعداد (اللايكات) معيارا ثابتا في تصنيف (المثقفين)، ولم تلبث الأمور أن تدرّجت و(تفرعنت)، وصار منتجو «المسلسلات» و»الأفلام» و»الحصص التلفزيونية» يستدعون (أبطالهم) من «التيك توك»، أملا في أن (يتكتكوا) لهم جمهورا عريضا من المتابعين، عوض البحث عن ممثلين محترفين مكوّنين تكوينا علميّا صارما..
ولسنا في حاجة إلى تقديم نماذج عمّا صار يعرف بـ»الأعمال الفنية»، فهذه تتكرّر على المنصّات، وتشرح مستوياتها الفنية (جدّا جدّا) بنفسها، وهي – في مجملها – تتفق على احتقار العلم، وتشجّع على انتهاك الحرمات، وتصطنع نفس (النكت) الساذجة، على أساس أن واجب الأعمال الفنية يقتضي الالتزام بـ(الواقعية)، علما أن هؤلاء الذين يظلون عاكفين على مضغ مصطلح (الواقعية)، لا يعرفون إن كان ما يمضغون (قرنونا) أو (حشيش مقطّفة)..
المثقف ليس صاحب التراند بالضرورة.. المثقف إنسان بسيط يحدث تحولات عميقة في الحياة اليومية بعيدا عن مظاهر النضال.. المثقف يحدث المعجزات بمجرد «إفشاء السلام»، وهو لا يحرص على إفشائه بقصد التغيير، إنما يفعل لأنه يحترم المحيطين به، بحكم أنّ خلقته الأصلية.. مثقف.. هذا كل ما في الأمر..