تعوّد خبراء «المقروئية» على القول إن «التكنولوجيات الحديثة» هي السبب الأول في عزوف الناس عن «القراءة»، تماما مثل خبراء «الفرجة» الذين لا يكفّون عن تعليق إخفاق «المسرح» و»السينما» في الإقناع، على توفر منصات رقمية تسمح للواحد من الناس بمتابعة أروع الأعمال الفنية دون حاجة إلى التنقل..
والحق أن مثل هذه التخريجات التي يأتي بها «الخبراء» تبدو مقنعة للغاية، خاصة وأن الواحد من البشر صار يلصق عينيه بشاشة هاتفه على مدار الساعة، غير أنّنا حين نعود إلى الأرشيف، ونطالع ما كتب أولئك الذي سبقوا أنترنيت ومنصاتها (تاريخيا طبعا)، فإننا نجدهم يشكون ضعف المقروئية، ويأسون لخلوّ قاعات المسرح، بالأسى نفسه الذي يعبّر عنه (الخبراء) اليوم، وهذا يقول صراحة.. بل يصرخ قائلا إن المشكلة الحقيقية أبعد ما تكون عن التكنولوجيات الحديثة، ولا علاقة لها بالتطور المذهل الذي شهده العالم في العشرية الأخيرة.. وعلى هذا، ينبغي لـ(الخبراء) أن يمنحوا قراءاتهم بعض التريّث في إصدار الأحكام المغالطة..
ولقد قلنا غير مرّة، إن «أنترنيت» أسهمت (بشكل مرعب) في الترويج لـ»الكتب» و»الأعمال الفنية» على اختلافها، وظلّ عدد القراء ومتابعي الجديد الفني – منذ استقرار أنترنيت – يتضاعف بقوة.. طبعا.. في البلدان التي تصدر كتبا، والبلدان التي تنتج أعمالا فنية، وليس في البلدان التي تصدر كتبا شبيهة، وأعمال فنية شبيهة.. ما يعني – تلقائيا – أن المشكلة الحقيقية في طبيعة المادة المسماة (ثقافية وفنيّة)، وليست في المتلقّين ولا في مستعملي التكنولوجيات الحديثة.. ولا حتى في أولئك الذين لا تغريهم الأمسيات الشعرية والأيام الدّراسية..
الطبيعي إذن، هو أن ندعو إلى مراجعة الفعل الثقافي وروّاده (مجازا)، ولكننا لن نفعل، لأن الواقع يفرض علينا أن نبدأ بالاستعاذة من «الخبرة» التي لا تنفع..