إصلاحات مصرفية واسعة ومتواصلة لتعبئة مختلف الموارد المالية وضخّها في تنمية وتطوير الاقتصاد الوطني، من أجل تلبية الطلب الوطني المسجل، في ظل إقبال فئة واسعة من الزبائن على الخدمات المالية الإسلامية.
لذا تعكف المؤسسات المالية، في الوقت الحالي، بما فيها البنوك، على تنويع خدماتها بهدف استقطاب كتلة أكبر من الموارد المالية وتوسيع قوائم المدخرين، وتجنيدها من أجل توفير سيولة مالية معتبرة داخل السوق المالية الرسمية، على خلفية أن الادخار يعد أحد المصادر الأساسية لتمويل الاستثمارات وتنمية الاقتصاد، وحتى لا تبقى الثروة والمقدرات المالية جامدة وغير مستغلة.
يأتي توسيع عدة بنوك للقروض الحلال في وقت تشهد المنظومة المالية إصلاحات واسعة، فلم تعد القروض تقتصر على السيارات والأجهزة الكهرومنزلية، بل تسري كذلك على شراء المساكن، وهذا من شأنه أن يخلق ديناميكية قوية في مجال إنجاز السكنات، وينتعش معه قطاع البناء الذي يعد من القطاعات الحيوية التي تبعث الحركية في الاقتصاد، ومما لاشك فيه أنه ومنذ صدور القانون النقدي والمصرفي الجديد بدأ التغيير من أجل توسيع شبابيك الخدمات المالية الإسلامية.
إذن، يمكن القول إنها البداية، أي تعميم القروض الحلال والتي يعول عليها في قيادة تمويلات الاقتصاد إلى دينامكية قوية.
الخبير عبد الرحمن هـادف: توسيع الخدمات المالية يرفع سقف الشمول المالي
استعرض الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد الرحمن هادف، رهانات توسيع نطاق الشروع في تنويع الخدمات البنكية والمصرفية عن طريق إدراج القروض الإسلامية، مما يعول عليه في تكريس سقف عال من الشمولية، وقال إنها خطوة مهمة نحو التغيير في أداء المنظومة المالية والمصرفية والتنويع في خدماتها، على ضوء ما يسجل من طلبات الزبائن، كما سلط الضوء على مزايا القانون النقدي والمصرفي الجديد الذي يتوقع أن يحقق التغيير الجذري بالمنظومة المالية.
اعتبر الدكتور عبد الرحمن هادف، أن بداية توسع نطاق الخدمات المصرفية الإسلامية على مستوى البنوك، جاء على ضوء الخطوات الأخيرة التي أقرها القرض الشعبي الجزائري فيما يتعلق بتحويل القروض الكلاسيكية إلى التمويل بصيغة السكن الترقوي العمومي، مما أفضى إلى تحويلها إلى قروض ضمن طابع التمويلات الإسلامية، ولأن الإيجار أصبح من بين الخطوات التي نراها قائمة في الساحة المالية الجزائرية، وهي محاولة تنويع المنتجات المالية من خلال إدراج الصيرفة الإسلامية كأحد البدائل وأحد المنتجات المكملة للمنظومة البنكية، وهذا يعتبر – في تقدير الخبير – خطوة مهمة في مجال الشمول المالي، ومن شأنه أن يساعد المنظومة المالية في الاستجابة لكل احتياجات الزبائن من
مواطنين ومتعاملين اقتصاديين. تأطـــير قواعد الصيرفة الإسلامية رسميــــــــا
القانون النقدي والمصرفي الجديد.. تغيير جذري للمنظومة المالية
ووقف الخبير على الإصلاحات التشريعية التي قامت بها الجزائر مؤخرا في هذا المجال، خاصة على إثر إصدار قانون جديد يتعلق بالقانون المصرفي والنقدي الذي جاء بقواعد جديدة فيما يتعلق بالصيرفة الإسلامية، على خلفية أن القانون السابق كان يؤثر كثيرا على منتجات الصيرفة الإسلامية، غير أنه في الوقت الحالي، تم تأطير قواعد الصيرفة بصفة رسمية، وأصبح بالإمكان إنشاء واستحداث بنوك إسلامية منفصلة عن البنوك التقليدية، وفوق ذلك، من الممكن بروز بنوك جديدة تعمل بصيغة الصيرفة الإسلامية، وهذا من شأنه أن يلعب دورا كبيرا في تنشيط الساحة المالية، وفتح آفاق جديدة للاستجابة لاحتياجات المواطنين والمساهمة في تمويل الاقتصاد، في ظل ما وصفه الخبير بوجود كثير من المستثمرين وأصحاب الشركات الذين يفضلون هذا النوع من الصيرفة بحكم أنها تلبي احتياجاتهم من التمويلات عن طريق الصيغ المختلفة، مثل المرابحة والمشاركة وغيرها من الصكوك والأسهم، ويرى الخبير هادف في هذا المقام، أن الجزائر نجحت في قطع شوط معتبر في تنويع المؤسسات المالية والبنكية، أي من منتجات كلاسيكية إلى منتجات الصيرفة الإسلامية.
الاستعانة بالكفاءات الجزائرية
ويعتقد الدكتور هادف أنه بات ضروريا الشروع في التفكير في إنشاء فروع لمختلف البنوك لكي تعمل في الصيرفة الإسلامية؛ لأنه من بين العراقيل التي كانت قائمة وتمنع من تطور الصيرفة الإسلامية، أن هناك من يرفض التعامل في الصيرفة الإسلامية على مستوى بنوك تعمل بالتمويلات التقليدية، ولكن في الوقت الحالي، اختلف الأمر وصار للصيرفة الإسلامية قواعد خاصة بها، ومن أهم هذه القواعد، ذكر الخبير اللجنة الخاصة بالفتاوى الشرعية.
أما النقطة الثانية من خصائص الصيرفة الإسلامية – يقول هادف – فهي تتعلق بكيفية تحرير العقود، لأن كل نشاط للصيرفة الإسلامية مبني على تحرير العقود، ولذا من الضروري أن تكون شراكات وتبادل الخبرات مع الدول التي لديها السبق في هذا النشاط، إضافة إلى الاستعانة بالكفاءات الجزائرية التي أصبحت تعتبر مرجعا للصيرفة الإسلامية، ويمكن أن تسند إليها لها مهمة تطوير هذا النوع من النشاط، وقد صار من الضروري – يواصل هادف – استغلال هذه الكفاءات الموجودة في كبريات العواصم، في وقت تسجل القطاعات المالية بالدول الغربية تطورا كبيرا للصيرفة الإسلامية، بحكم أنه من بين أنشط الساحات المالية في مجال الصيرفة.
وقال هادف إن آفاق هذا النوع من الخدمات المالية بالجزائر واسعة، ومن شأنها أن تمكن من الرفع من الشمول، من خلال فتح الأرصدة البنكية للمواطنين والمتعاملين الاقتصاديين بصفة أكبر.
وبخصوص أثر الانفتاح البنكي على تشجيع الادخار، أكد الخبير أن المرحلة الأولى تتمثل في الرفع من الشمول المالي الذي سيسمح بتوسيع نشاطات الادخار فالمفترض أن يكون الادخار أهم ممول للاقتصاد، وحتى تصبح الأموال المدخرة لدى البنوك مستعملة لفائدة تمويل الاقتصاد عن طريق الصيغ المختلفة أي من خلال القروض الكلاسكية أو منتجات الصيرفة الإسلامية عن طريق المرابحة أو المشاركة أو عن طريق الصكوك والأسهم، وبالتالي، عندما يسجل نشاط يسمح من الرفع من الشمول المالي، فإن شريحة واسعة من المواطنين ستختار الإقبال على المسار المصرفي أو البنكي في تعاملاتها المالية، وهذا ما سيسمح بتوجيه واستقطاب الأموال الموجودة خارج المسار المصرفي أي تلك الأموال المكتنزة على مستوى البيوت أو المتداولة في السوق الموازية، لتدخل السوق وتستعمل بصيغ جديدة تتماشى واحتياجات الاقتصاد الوطني.
ويتوقع الدكتور هادف، أن يسمح القانون النقدي والمصرفي الجديد بعصرنة المنظومة البنكية، كما سيساعد على إطلاق منتجات الصيرفة الإسلامية، وأما فيما يتعلق بعصرنة المنظومة المصرفية سيتحقق بإدماج التكنولوجيات الرقمية الحديثة في مجال التعاملات المالية.