اكتسب مجاهدوالولاية الثالثة التاريخية شهرتهم كمقاتلين بواسل طوال سنوات ثورة التحرير الوطني، لكنهم أكدوا ذلك أكثر عقب مؤتمر الصومام الذي انعقد منذ 67 سنة خلت (20 أوت 1956) وكان له الفضل في إعادة تنظيم صفوف الثورة وإعطاءها نفسا جديدا.
كانت مساهمة مقاتلي الولاية الثالثة التاريخية والتزامهم بالكفاح حتى استقلال الجزائر، “حاسمة”، كما أكده مدير متحف المجاهد لبجاية، رضوان هاني، لوأج، عشية الاحتفال باليوم الوطني للمجاهد، مضيفا أن ب”فضل شجاعتهم وتضامنهم تمكن المقاتلون البواسل من هزم كتائب العدوبأكملها ونصر القضية التي كانوا يقاتلون من أجلها بتغيير مجرى الحرب لصالح الثورة”.
وقال أحد هؤلاء المقاتلين سابقا وأحد الناجين من ملحمة الثورة بعد إصابته بجروح خطيرة سنة 1960، المجاهد قاسي شعلال، في تصريح لوأج، أن المجاهدين البواسل للولاية التاريخية الثالثة “كانوا يجسدون العزيمة نفسها”.
وروى قاسي كيف استعاد وعيه بعد إصابته بجروح بليغة ولم يكن يدري إن كان فعلا على قيد الحياة بعد عاصفة من النار ملأت جسده بالرصاص، حتى أن جميع رفاقه في الكفاح اعتقدوا انه مات بعد أن شاهدوه غارقا في دماءه، وسمعهم يرددون “الله أكبر”، لكن القدر شاء أن ينجو بأعجوبة.
فلقد أجمع ما بقي له من قوة، وتدحرج إلى أسفل واد أين عثر عليه رفاق في السلاح عالجوه وأنقذوه، ورغم اختلاف القوات وعدم تكافؤ إمكانيات الثوار والجيش الاستعماري، غير أن المجاهدين “واصلوا الكفاح وقاتلوا مثل الأسود وانتصروا في المعركة”، كما أكده هذا المجاهد.
بدوره، قال مجاهد آخر يدعى عبد القادر بلعود أن غالبية المواجهات والاعتداءات والكمائن كانت تنتهي في كثير من الأحيان بقتال ملحمي بالأيدي، وتأخذ أحيانا شكل عمليات انتحارية بسبب اختلاف القوة البشرية والوسائل مع العدو، لكن المجاهدين عوضوا قلة إمكانياتهم العسكرية بـ” الشجاعة والجرأة والإيمان بعدالة قتالهم”.
الكتيبة 324 شكلت كابوسا للاستعمار
عكس المجاهد قاسي، فإن عبد القادر بلعواد، لم يتعرض لأدنى خدش خلال السنوات الستة التي قضاها يقاتل العدو في الجبال، والتي عاش فيها ظروفا قاسية وشارك في عشرات المعارك من خلال الكتيبة 324 التي كان ينتمي إليها والتي قامت بعمليات عسكرية بطولية.
وكان يقود هذه الكتيبة المرحوم بوعلام زان، ولقد جمعت أسماء مرموقة على غرار مولود الورداني، وأرزقي إسماعيل، وعمار التواتي، والأخوة حركور، وحسين بوشيتا، وغيرهم كثيرون، كانوا يقومون بعمليات عسكرية كثيرة ومباغتة، حتى أصبحت تشكل كابوسا للاستعمار في الولاية الثالثة التاريخية، كما أجمع عليه مجاهدون عايشوا المرحلة.
وقال عبد القادر في هذا الشأن: “لم تكن هناك عملية عسكرية بالولاية الثالثة التاريخية إلا وكانت الكتيبة 324 وراءها”، مضيفا أن قوات العدو حاولت ما استطاعت من أجل تفكيكها والقضاء على أعضاءها.
وأوضح أن رقم ثلاثة كان يرمز إلى الولاية الثالثة، والاثنين إلى المنطقة، والأربعة إلى رقم الجهة، قبل أن يروي بفخر تفاصيل هجوم منطقة أحلوف غير بعيد عن توجة، الذي أعدت وخططت له الكتيبة وانتهى بحرق شاحنة لقافلة عسكرية فرنسية ووفاة 11 جنديا فرنسيا وحجز أسلحة ومبلغ مالي قدر ب 105 آلاف فرنك، مشيرا إلى عدم إصابة أي مجاهد من بين الثوار في هذا الهجوم البطولي.
وأشار عبد القادر بلعواد إلى أنه شارك في عدة عمليات عسكرية محفوفة بالمخاطر ضد العدو ذكر من بينها الهجوم على سجن بجاية، وكانت لديه دوافع إضافية لمحاربة العدو، بعد اغتيال والده في عام 1955.
وعن الهجوم ضد السجن، روى المجاهد انه كان تحت قيادة الملازم الراحل حسين علواش وبتنفيذ من كومندوس مكون من 4 مجاهدين كان هوأحدهم إلى جانب حميم لافييت، وأرزقي نسليم، دخلوا جميعهم السجن وقتلوا الجنود الفرنسيين الذين كانوا في الخدمة يومها وأخذوا أسلحة وملابس، دون أن يمسك بهم العدو.
ووصف عبد القادر هذا الهجوم ب”المذهل”، خاصة وأن الوصول إلى داخل السجن دون إثارة الشكوك دفعهم إلى التنكر في زي نساء، إذ ارتدوا الحايك التقليدي الأبيض وأخفوا بداخله مدافع رشاشة جاهزة للاستعمال منذ انطلاقهم من منطقة بئر سلام على متن سيارة أجرة، مرورا بجميع نقاط التفتيش.
ولقد كان جميع مقاتلي الولاية الثالثة التاريخية بواسل، تحصل 22 منهم على وسام الاستحقاق على يد العقيد عميروش نفسه. فلقد وهبوا ما لديهم للجزائر دون احتساب، وسجلوا انتصارات وواجهوا مخاطر، وضحوا إلى أقصى الحدود والتزموا بالكفاح حتى الانتصار، وكان ذلك يتم في غالب الأحيان دون الكشف عن هويتهم.