شكّلت هجومات الشمال القسنطيني 20 أوت 1955، منعرجا حاسما في تطور كفاح الجزائريين ومنعطفا تاريخيا لمصير الكفاح التحرري، حيث وضعت حدا فاصلا لمحاولات التضليل والتشكيك في وطنية الثورة وشعبيتها، ما ساهم في إعطاء الثورة صدى دوليا ودعما قويا للرأي العام لاسترجاع السيادة الوطنية، ليتقرّر آنذاك خوض هجوم الشمال القسنطيني في سياق تميز بمحاولات فرنسا لإنكار الطابع الثوري “لأحداث الجزائر” لدى الرأي العام الفرنسي عموما وعلى الساحة الدولية خصوصا.
لم تكن الانتفاضة عملية عشوائية إنما ترتب عنها قطع الطريق أمام المشككين والمترددين وإدعاءات فرنسا الطاغية أن ما وقع بعد نوفمبر هو عمل متمردين وقطّاع طرق ولصوص لتأتي بعدها الهجومات لقطع دابر هذا الإدعاء من ناحية، والبرهنة للعالم، أن ما يجري في الجزائر من أحداث، إنما هو ثورة شعبية عارمة يجب أن تصنف ضمن حركات التحرر، وبذلك، تمّ فعلا، كسر الحصار الذي حاولت فرنسا فرضه على الجزائر دوليا وتمّ الإعداد لهجومات 20 أوت 1955 بما يعرف بالإعداد والتحضير النفسي والسياسي تدارس الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية، وأن مرحلة الإعداد للانتفاضة دام فترة طويلة أي ما يقارب ثلاثة أشهر حسب شهادة الأحياء من المجاهدين.
وفي لقاء مع أبرز المجاهدين الذين رافقوا الشهيدين العقيد زيغود يوسف، والشهيد ديدوش مراد، وهو المجاهد بوضرسة عمار الذي ينتمي لعائلة ثورية كبيرة وهو الذي كان لا يزال شابا في مقتبل العمر، حيث التحق بصفوف جيش التحرير الوطني وكان مكلفا بالتموين والتمويل وجمع البنادق والأسلحة وتوزيعها على المجاهدين بالمناطق والنواحي المعنية بالثورة رفقة مجموعة من المجاهدين على غرار بولعراس، بوشامة عمار، غريبي علي، يوسف شوقي.
أكد محدثنا أن أول رصاصة أطلقت كانت في منطقة السمندو والمعروفة حاليا ببلدية زيغود يوسف، حيث أعدت خُطّة الهجومات خلال الاجتماع المُنعقد بمرتفعات “الزمان” في أواخر جويلية 1955، حُدّد تاريخها وتوقيتها ومدتها (ثلاثة أيام متتالية من 20 إلى 22 أوت) وقد اختير يوم السبت لتنفيذها لسببين رئيسيين أولها كون يوم السبت، هو نهاية الأسبوع وبداية العطل والإجازات للجنود الفرنسيين ورجال الشرطة والدرك، ثانيا في مثل هذا اليوم يعرف سوق سكيكدة وغيرها من مدن المنطقة الثانية حركة نشيطة، حيث يتوافد إليه عدد كبير من المواطنين من مختلف المناطق، مماّ يُسهّل على جنود جيش التحرير الوطني التنكّر في الزي المدني والدخول مع الوافدين إلى السوق لتنفيذ عملياتهم الهجومية، لتنطلق عمليات جمع الأسلحة والذخيرة، التي تعود لمخلفات الحرب العالمية الثانية وجمعوها بمنزلهم وقاموا بتنظيفها وصيانتها وقاموا خلالها بالتدريب عليها قرروا تعيين القادة الستة من قبل مؤتمر المجموعة الـ22 من بينهم رابح بيطاط، ديدوش مراد، كريم بلقاسم، مصطفى بن بولعيد، العربي بن مهيدي، محمد بوضياف، بتحديد التوقيت الزماني والمكاني المناسب للهجومات وانطلاقها في نفس الوقت.
ويشير محدثنا إلى أن الهجومات هي سبب تحديد مسار الثورة، لأن الولاية الأولى “الأوراس” كانت محاصرة من طرف الاستعمار، واعتبرت فرنسا أن القضاء على الثورة هناك هي نهاية “التمرد”، حيث جاءت رسالة من الولاية الأولى أرسلها الشهيد البطل “شيهاني بشير” والبطل “مصطفى بن بولعيد” والمجاهد “الطاهر زبيري” للمجاهد الشهيد “زيغود يوسف”، مسؤول الولاية الثانية آنذاك مضمونها ضرورة مساندة الولاية الأولى لفكّ الحصار عنها، ليطلب الشهيد زيغود يوسف، من أعضاء الولاية الثانية على غرار الشيخ بوالعراس، بن طوبال، احمد بوبنيدر المدعو “صوت العرب”، علي منجلي، علي كافي، أين عقد اجتماع معهم وصدر أمر بتحديد المكان والزمان لتنفيذ هجومات 20 أوت بكل من الخروب، عين عبيد، قسنطينة، واد الزناتي، زيغود يوسف.
وانطلقت بعدها التحضيرات للهجوم بدءا من جمع المال والأسلحة والمؤونة، ويعلم القادة رؤساء المناطق على غرار “سي عمار بولمهاد”، بوجمعة منايفي”، “شتيوي أحمد”، وغيرهم ممن جمعوا المواطنين وتوجهوا ليلة الهجوم نحو المراكز وتحديدا “بمشتة بلكواش، يضيف المجاهد بوضرسة.
ويواصل بوضرسة قائلا: “هناك تمّ تقسيم المجموعات، وأعلن عن الهجوم على الساعة 12 زوالا، أين كان الأغلبية من الشعب يقودهم 17 مجاهدا مسلحا والباقي يحملون أسلحة بسيطة، لكن يحملونها بقوة العزيمة للتحرر وإرادة إخراج فرنسا من الأرض التي استشهد من أجلها الملايين”.