مع تطور الأحداث والتغيرات الجيوسياسية على الساحة العالمية، تأتي قمة بريكس الحالية لتشكل محطة تاريخية فارقة، وذلك لمجموعة من الأسباب التي تشير إلى أننا نتجه نحو واقع جديد يتميز بالتوازن والحيادية.
في هذا السياق، تتجه أنظار العالم إلى جنوب إفريقيا حيث تعقد قمة دول “بريكس” المنتظرة، والتي تأتي في وقت يشهد فيه العالم تحولًا نحو تكوين تحالفات وتعاونات جديدة تهدف إلى تحقيق توازن في القوى وتحقيق مزيد من التنوع في العلاقات الدولية.
تجتمع أكثر من 40 دولة في جوهانسبرغ، جنوب إفريقيا، للمشاركة في القمة الخامسة عشرة لمجموعة “بريكس”. القمة، التي تستمر لثلاثة أيام بين 22 و24 أوت الجاري، تجمع بين رؤساء دول البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، مع توجيه الانتباه نحو تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي في عالم متعدد الأقطاب.
وبينما يحضر قادة الدول الأعضاء القمة شخصيا، سيشارك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر تقنية الفيديو حيث سيُلقي خطابه في اليوم الثاني (23 أوت). وتظل القمة فرصة هامة لتبادل وجهات النظر والبحث عن سبل تعزيز التعاون في مجموعة متنوعة من المجالات.
قمّة تاريخية بكل المقاييس
وتشارك الجزائر في قمة “بريكس 2023” التي تعقد في جوهانسبرغ، ممثلة في وزير المالية لعزيز فايد بتكليف من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تأتي مشاركة الجزائر في هذه القمة ضمن إطار تعزيز دورها ومكانتها في عالم متعدد الأقطاب، وكذلك بصفتها مرشحة لعضوية المجموعة حيث قدمت الجزائر طلبا رسميا للانضمام للمجموعة، بالإضافة إلى ذلك كانت الجزائر قد وضعت 1.5 مليار دولار في بنك بريكس للتنمية والذي يبلغ رأسماله 100 مليار دولار باعتبارها مساهما في البنك.
وفي ذات السياق، يرى الدكتور “ عبد القادر منصوري” أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في تصريح للشعب، أن القمة الحالية لمجموعة بريكس تعد تاريخية بكل المقاييس، نظرا للسياق الدولي والأحداث الجارية وما نعيشه من تحولات متسارعة. انضمام الجزائر لهذه المجموعة من شأنه أن يفتح للاقتصاد الوطني آفاقا جديدة لم تكن متاحة من قبل، والمجموعة هي الأخرى سوف تستفيد كثيرا من انضمام الجزائر التي تمتلك العديد من المقومات التي تؤهلها لذلك، فمن ناحية الجغرافية السياسية تعد الجزائر عاشر (10) أكبر دولة في العالم بـ 2.38 مليون كيلومتر مربع، ولديها حدود برية مع 7 دول إفريقية، والعمق الإفريقي يمتد لأكثر من 2.000 كلم، ما يجعلها بوابة إفريقيا عن جدارة واستحقاق، كما أن سواحلها الممتدة على 1.200 كلم قبالة ثلاث دول أوروبية تعد الأكبر اقتصاديا في الاتحاد الأوروبي وهي ايطاليا، فرنسا، اسبانيا، ما يجعل الجزائر دولة ذات ثقل استراتيجي كبير.
علاوة على ذلك، تمتلك الجزائر اقتصادا قويا يؤهلها للدخول للمجموعة مع ناتج محلي إجمالي سيتجاوز عتبة الـ 200 مليار دولار هذه السنة، كما أن ما تزخر به الجزائر من موارد طاقية ومعدنية يزيد من تلك المكانة الإستراتيجية. لاسيما وأن الجزائر تعد ثاني مزود لأوروبا بالغاز الطبيعي بعد النرويج، ولديها ثالث أكبر احتياطي من الغاز الصخري في العالم، أضف إلى ذلك حوافز السوق المحلي، فالجزائر سوق استهلاكي كبير، كما أنها تمتلك يدا عاملة مؤهلة في جل القطاعات مع أجور متوسطة ما يجعلها بيئة جاذبة للاستثمار.
تحولات منتظرة
يرى العديد من الخبراء أن مجموعة بريكس لم تعد مجرد تجمع اقتصادي، بل تحولت بسبب الأزمات التي يمر بها العالم إلى مجموعة سياسية تهدف إلى تحقيق التوازن والتعاون البنّاء بين الدول الأعضاء، ومن هنا نشأت أهمية القمة الحالية. ويشكل وجود الجزائر وإيران والمملكة العربية السعودية في القمة الحالية تحولا استراتيجيا في الديناميات الإقليمية. ويعزز انضمام الجزائر والسعودية وإيران للمنظمة من أهمية بريكس ككيان اقتصادي وسياسي. حيث تمتلك هذه الدول تأثيرا كبيرا في سوق الطاقة العالمي، وبالتالي يتوقع أن يكون لانضمامهم تأثير كبير على سوق الغاز الطبيعي والنفط. هذا الأمر يلقي بظلاله على الاقتصاد العالمي وعلى أنماط استخدام العملات الدولية، حيث يمكن أن يؤثر انتقال جزء من القوة النفطية والغازية إلى منظمة بريكس على توزيع القوى الاقتصادية والنقدية العالمية.