تحظى القمة الـ 15 لدول “بريكس” في جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا، باهتمام واسع من وسائل الإعلام بمختلف القارات الخمس، نظير تحولها إلى قوة إقتصادية وسياسية مؤثرة للغاية في صنع القرارات الدولية، مع ترقب تمخّض الإجتماع عن نتائج وإجراءات استثنائية ومصيرية من شأنها تحديد مستقبل العالم الجديد متعدد الأقطاب.
أكد رئيس المركز الجزائري للدراسات الاقتصادية والبحث في قضايا التنمية المحلية، ياسين عبيدات، في حوار مع “الشعب”، أن مجموعة “بريكس” تهدف إلى التأسيس لنظام اقتصادي متوازن وعادل في العالم، وهي بحاجة إلى ضمّ دول فاعلة وذات تأثير كبير على مستوى بعض القارات مثل جمهورية الجزائر.
الشعب: تلتئم قمة “بريكس” بجنوب إفريقيا في ضوء بروز متغيرات دولية، ما هو الدور المنتظر لهذا التكتل الإقتصادي في العالم؟، وهل ستحقق ديناميكية نشاطه توازنا في العلاقات بين الدول مستقبلا ؟
ياسين عبيدات: تصبو مجموعة الـ«بريكس” إلى إقامة نظام اقتصادي عادل ومتوازن في العالم، ليكون بديلا للنظام النقدي والمالي والتجاري الحالي الذي يعبر عن الأحادية القطبية، وتهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية.
تأسيس بنك التنمية الجديد لدول البريكس سيكون بديلا فعالا للمؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، بما يتيح للدول الأعضاء الحصول على منح وقروض بشروط ميسرة، بعيدا عن الشروط المجحفة وضغوط الاقتراض والتكبيل بفؤائد القروض من طرف مؤسسات التمويل التقليدية الغربية.
وسيقضي إنشاء عملة احتياط دولية جديدة على أساس سلة عملات دول مجموعة البريكس على هيمنة الدولار على الإقتصاد العالمي، وسيكون ذلك بمثابة الإعلان عن الدخول في نظام دولي جديد متعدد الاقطاب بصفة رسمية.
سعي دول البريكس لن يتوقف عند هذا الحد، بل فالعمل جار من أجل إقامة نظام دفع عالمي بديل عن نظام “سويفت”، خصوصا مع تبلور توجهات لدى مختلف دول العالم رافضة لسيطرة واستغلال الدول الغربية لقواعد النظام الاقتصادي وفرض عقوبات غير شرعية على البلدان، وهو ما شاهدناه الآونة الأخيرة ضد روسيا الإتحادية، وسابقا ضد الدول المخالفة لسياسات الغرب لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية.
انضمام وشيك للجزائر في فضاء “بريكس” الإقتصادي، حدثنا عن مقوماتها لتحقيق الغايات المنشودة وماذا تتوقعون؟
تحتكم الجزائر على مقومات وإمكانيات وموارد ضخمة، تسمح لها بالإنخراط والإنضمام في مجموعة البريكس، بإعتبارها دولة محورية سواء على المستويين العربي والإفريقي أو الحوض المتوسطي وحتى على صعيد حركة عدم الانحياز والمنظمات الإقليمية والدولية، حيث كان آخر انجازاتها شغلها مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي، ناهيك عن الإرث التاريخي والسياسي وعلاقاتها الإستراتيجية الشاملة والعميقة التي تجمعها مع كل دول المجموعة.
تتمتع الجزائر بموقع جغرافي مناسب جدا لاحتضان الأنشطة الإقتصادية والإستثمارية، وتتوفر على ثروات طبيعية كبيرة كالنفط والغاز والمعادن المنجمية والطاقات المتجددة، مما يجعلها عملاق نائم وفضاء خصب لجلب للاستثمارات الأجنبية خصوصا مع وجود بنية تحتية هائلة كخطوط النقل والإمداد البري ومشاريع السكك الحديدية والمطارات والموانئ.
كما تعتبر الجزائر دولة ذات سيادة وقرار سياسي وإقتصادي، فهي دولة متحررة من الديون وثالث دولة عربية من احتياطي الذهب بما يقارب 173 طنا، واحتياطي صرف يفوق 50 مليار دولار، فضلا عن فائض في الميزان التجاري وميزان المدفوعات وإرتفاع حجم الصادرات خارج قطاع المحروقات.
في سياق آخر، تسجل الجزائر مرتبة متقدمة في مؤشر التنمية البشرية على المستوى العالمي، والمرتبة الأولى إفريقيا في مؤشر الأمن الغذائي، وهي كلها مؤشرات خضراء تسمح للإقتصاد الجزائري بتلبية شروط الانضمام الذي سيتحقق حتى وإن كان تدريجيا وعبر مراحل، بدءا من مرحلة عضو مراقب من خلال التفاعل مع الدول الأعضاء إلى حين الوصول إلى تحقق كافة شروط العضوية الكاملة والدائمة في أقرب الآجال الممكنة.
في ما تتمثل مغانم الجزائر وبريكس من العضوية المرتقبة؟
مجموعة البريكس، اليوم، وفي ظل المتغيرات الدولية الراهنة بحاجة الى ضم دول فاعلة وذات تأثير على مستوى بعض القارات ومنها الجزائر، التي تعتبر قوة مضافة للدول الأعضاء من حيث الموقع والموارد والمؤهلات ومصداقية دبلوماسيتها وموثوقيتها.
الجزائر أمام فرصة تاريخية للانضمام إلى مجموعة اقتصادية عملاقة تضم ربع الاقتصاد الدولي و40 % من سكان العالم، إذ سيبعدها الأمر عن تجاذبات القطبين وسيمكنها من التموقع في الساحة الاقتصادية العالمية وتعزيز شراكاتها في مجال التبادل التجاري وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، توفير اليد العاملة المحلية، نقل التكنولوجيا، فتح آفاق تصديرية وتجارية جديدة على الصعيد الخارجي بأسواق تحتضن 40 % من سكان المعمورة.
العضوية ستسمح أيضا بتنويع اقتصاد الجزائر ورفع صادراتها خارج قطاع المحروقات، وهذا يتماشى مع توجهها إلى الإستثمار في ثرواتها غير المستغلة كالثروة المنجمية، والفلاحة المتربعة على 40 مليون هكتار كأرض صالحة للزراعة، ومع توفر المياه الجوفية يمكن أن تتحول إلى أحد أبرز أقطاب الأمن الغذائي في العالم، فضلا عن إمكانيات الاستثمار الضخمة في قطاع الطاقات المتجددة وعلى الأخص الطاقة الشمسية.
وفي المقابل، فإنّ قانون الاستثمار الجزائري الجديد يمنح كل المزايا لرجال الأعمال وشركات الدول الأعضاء في تكتل بريكس، مما سيُفضي إلى تحقيق مكاسب متنوعة وكبيرة لجميع الأطراف وفق إستراتيجية المنافع المتبادلة رابح ـ رابح.
كيف تقيم الدور التنموي لدول بريكس خاصة روسيا في قارة إفريقيا؟
الدول الإفريقية، في حاضرنا، بحاجة ماسة إلى تفعيل العلاقات بشكل أوسع مع قوى البريكس خاصة فيدرالية روسيا، بغية تحقيق أقصى استفادة من التحولات التي يشهدها العالم في الوقت الراهن، ومن أجل التخلص من الهيمنة الغربية المتسببة في نهب ثرواتها وسرقتها، تغذية الصراعات العرقية ودعم الانقلابات، تمويل ونشر الجماعات الإرهابية المسلحة، وهو ما اتّضح أكثر حاليا في عديد من الدول كالنيجر وبوركينافاسو ومالي وغينيا وإفريقيا الوسطى، بالإضافة إلى ما تشهده القارة السمراء من رفض للإستعمار الغربي الحديث والمطالبة برحيله.
روسيا تعمل اليوم على تعزيز مقاربتها التقليدية القائمة على التحالف الموثوق والتنسيق الأمني والسياسي بما يخدم مصالح كل الدول بشكل ايجابي، وتتطلع أيضا إلى تجسيد خطة اقتصادية وتنموية جديدة بقارة إفريقيا مبنية على رفع حجم التبادل التجاري وتوسيع حجم الاستثمارات على جميع الأصعدة، وكذا تقديم المساعدات المطلوبة والتعاون المثمر بين البلدان، بدليل ما أعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال القمة الروسية الافريقية الأخيرة، حول استعداد بلاده لإمداد بعض الدول الإفريقية الصديقة والحليفة بمنتجات القمح والحبوب مجانا، ومسح ديون البلدان الأكثر فقرا، من خلال الاعتماد على قاعدة تبادل المصالح والمنافع واحترام السيادة الوطنية، وهذا عكس ما تسلكه بعض الدول الأوروبية والغربية التي تقوم سياساتها على مبدإ الهيمنة والتفقير.