لا ننكر على «بريد الجزائر» أنه قطع أشواطا لا بأس بها على مسار الخدمات الحداثية الراقية، فقد انخرط في مسار الرقمنة سريعا، ووفر البطاقة الذهبية، والتطبيقات الإلكترونية، وأضاف ميكانيزمات ممتازة لتسيير جماهير الزبائن المقبلين على مختلف مكاتبه المنتشرة في جميع أنحاء الوطن، غير أن «البريد» ما زال محافظا – في المخيال العام – على صورته القديمة، ولم ينفعه في تغييرها التطور الرهيب الذي أحدثه على مناهج عمله.. «البريد» هو «البريد».. وقت يضيع، وتسلّط فظيع، وشبّاك لا يصل إليه إلا من يستطيع..
ولعلّ العدد الهائل من الزبائن لدى مؤسسة البريد، له تأثيره على نوعية الخدمات، خاصة في الأيام التي تصبّ فيها مستحقات المتقاعدين، وفيهم كثيرون من كبار السن الذين لا يحسنون التعامل بـ»الذهبية»، فيضطرون إلى اللجوء إلى الشبابيك، ما يكلفهم العناء والعنت، ويوقعهم بين أيدي (بعضهم) ممن ما زالوا متشبثين بالعقلية البيروقراطية البائدة، مع أن حسن المعاملة لا يكلّف شيئا، والبسمة في وجه الزبون لا تستدعي جهدا، وحتى الكلمات اللينة الرطبة يمكن أن تقال دون تعب، وهذا تفتقد إليه كثير من مكاتب البريد، مع الأسف، ولقد لاحظنا غير مرّة أن شباكا واحدا من أربعة يعمل بانتظام، بينما ينشغل الآخرون بمكالمة هاتفية هنا، وجدال دون معنى هناك، أما بطل الانشغالات دون منازع، فهو صاحب الشباك الوقور الذي يؤدي «الظهر» في نصف ساعة أو يزيد.. هذا بطل مغوار طبعا، فحجته قويّة، وبيانه مستقيم، ولله الأمر من قبل ومن بعد..
إن مسار التحديث لا يمكن أن يضمن تحقيق أهدافه بالكمبيوتر وحده، فهذا «شيء» بسيط يشتغل وفق «الفكرة» التي تتمثل في ذهن من يشتغل عليه؛ ولهذا ينبغي أن تكون البداية بمسح الأفكار القديمة من (مخيخ) حليمة..