تعمل السّلطات على توفير حماية أكبر لمصالح الدولة والمواطن على حد سواء، من خلال دعم الإجراءات والآليات القانونية بتشريع جديد يجرّم التزوير واستعمال المزور، ويكبح انتشار ظاهرة مشينة قال رئيس الجمهورية عنها أنها تحولت إلى “سلوك مجتمعي خطير” بات يؤثر سلبا على السير الحسن للإدارة الجزائرية، ويشكّل تهديدا لأمن الدولة ما يفرض التصدي له وللمتسبّبين فيه بأشد العقوبات.
شرعت الحكومة في إعداد مشروع قانون جديد يجرم التزوير واستعمال المزوّر، ويأتي هذا النص التشريعي في إطار تجسيد التزام رئيس الجمهورية الرابع المتضمّن “أخلقة السياسة والحياة العامة، وتعزيز الحكم الراشد عن طريق محاربة الفساد والمحسوبية والمحاباة، جعل الكفاءة معيارا أساسيا في الاختيار والتعين في وظائف الدولة المختلفة، وضع آليات لضمان نزاهة الموظفين العموميين، المساءلة والمحاسبة أمام هيئات الرقابة والمواطن، الشفافية في إدارة المال العام، تجديد الإطار الأخلاقي والقانوني المطبق على الموظفين العموميين، وضع آليات لنجاعة القرار والنشاط العام ومتابعتهما والإجراءات المتعلقة بإدارة الأموال العامة”.
يهدف نص القانون إلى تقوية الترسانة القانونية التي تحارب هذه الظاهرة التي وصفها رئيس الجمهورية بـ “المشينة”، والمؤثرة على السير الحسن للإدارة الجزائرية، وتشكّل تهديدا لأمن الدولة.
وأبرز رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء المنعقد شهر جوان الماضي، أنّ مكافحة التزوير واستعمال المزور، يأتي في سياق توفير حماية أكبر لمصالح الدولة والمواطن على حد سواء، ولمحاربة كل السلوكات التي كلفت الخزينة العمومية أموالا طائلة في السنوات الماضية.
وشدّد رئيس الجمهورية في توجيهاته على الصرامة في معاقبة وردع كل المتسببين والمتورطين في جرائم التزوير بأقصى العقوبات، وإعادة الاعتبار للمنافسة الشرعية والنزيهة.
وأمر رئيس الجمهورية بدمج كل جرائم التزوير المعاقب عنها ضمن مشروع هذا القانون، كما شدّد في المقابل على ضرورة ألاّ تكون التسهيلات التي جاءت في إطار الرقمنة والعصرنة للوثائق، على حساب أمن الدولة، مع منح الأولوية لحماية المعطيات والبيانات الشخصية من كل أشكال التزوير.
معالجة عميقة وردعية
ولأنّ ظاهرة التزوير باتت تمس المجتمع ومختلف الدوائر الحكومية التي أصبحت مهددة بها، تمّ تشكيل فوج عمل على مستوى وزارة العدل يشمل عدة قطاعات، أوكلت إليه مهمة إعداد النص التشريعي الجديد، بالانطلاق أولا في حصر مختلف مظاهر التزوير واستعمال المزور للاستفادة من المنح أو الإعانات أو السكن أو العقارات أو الاعفاءات التي تقدمها الدولة.
وطالب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون من الحكومة في اجتماع الوزراء المنعقد شهر ماي الماضي، بتسليط أقصى العقوبات ضد كل مزوّر أو مستخدم التزوير مهما كان، سواء تورّط في قضايا كبرى أو صغرى تخص أبسط مناحي الحياة، وذلك من أجل معالجة هذه الظاهرة التي قال إنّها تحولت “إلى سلوك مجتمعي خطير” على حساب غالبية الجزائريين النزهاء، وهو ما يفرض المعالجة العميقة والردعية لكل الاختلالات المجتمعية بهدف تجسيد الشفافية، وإقرار المنافسة الحقيقية والنزيهة في كل المجالات.
الطّلبات الكاذبة منعت الدّعم عن مستحقّيه
وكان أوّل قرار صدر من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في اجتماع مجلس الوزراء يتعلق بسن قانون يتعلق بمحاربة التزوير واستخدام المزور في شهادات الإقامة بهدف الحصول على عقار أو مسكن بغير وجه حق مثلما أبرزه الباحث في الشؤون السياسية والقانونية محمد مقراني في تصريحه لـ«الشعب”، مشيرا إلى أن ظاهرة تزوير شهادات الإقامة قصد الاستفادة اللاّمشروعة من سكن مدعم من طرف الدولة، من أكبر أسباب أزمة السكن، ناهيك عن التوظيف في بعض المؤسسات التي أصبحت مثلما قال “مؤسسات عائلية بطابع جهوي يستعمل فيها تزوير الإقامة قصد التوظيف دون مراعاة مبدأ تكافؤ الفرص أو أسبقية أبناء المنطقة في التوظيف على غرار ما حدث في ولايات الجنوب التي شهدت احتجاجات عديدة لشباب المنطقة، بسبب التهميش الذي تعرضوا له وتواطؤ بعض المصالح مع المسؤولين قصد التوظيف بالمحاباة (المعريفة)”.
وفي نفس السياق، أوضح الباحث في الشؤون السياسية والقانونية أنه بموجب القانون رقم 20-06 المؤرّخ في 08 جوان 2020، المتضمن تعديل قانون العقوبات، جُرّم بموجب المادة 253 مكرر 01 وما يليها التزويرُ للحصول على الإعانات والمساعدات العمومية والإعفاءات الاجتماعية، وفي هذا الصدد فإن وزارة العدل قامت بتنصيب فوج عمل يضم ممثلي القطاعات الوزارية المعنية للشروع في إعداد مشروع هذا القانون، مهمته الأساسية حصر أشكال الاستفادة غير المشروعة من المنح والإعانات.
ويضيف مقراني أن ما استخلصته هذه اللجنة أنّ جل ممارسات التزوير واستعمال المزور تنطلق عبر الطلبات الكاذبة، والهدف من هذه الممارسات هو الاستفادة من الإعانات والمساعدات دون وجه حق.
وقال “لا نغفل قرار الرئيس الجمهورية بمناسبة اجتماع مجلس الوزراء المؤرخ في 18 جانفي 2020، المتعلق بضرورة مكافحة وتجريم وتشديد العقوبات على المستوردينو الذين أصبحوا يشكّلون بتضخيم الفواتير نزيفا حادا في المال العام بالعملة الصعبة دون تغليب مصلحة الوطن”.
وأكّد مقراني أنّ ظاهرة التزوير أضحت تنخر المجتمع، وجعلته يتخلى عن خلق الأمانة ويسبّب نقصا في الشفافية لدى السلطات، في تحديد الفئات المستحقة لكل أنواع الدعم والتوظيف.
وحسب خبراء في القانون أصبحت ظاهرة الاستفادة من الاعانة التي تقدمها الدولة لمختلف الفئات مشاعة لمن ليس أهلا لها، وبات المواطن يعاني من أشخاص يستعملون التزوير سواء في وضعيتهم الاجتماعية أو المهنية، وهذا الظاهرة المشينة أصبحت تنهك خزينة الخزينة، وفي جانب آخر، تهضم حقوق الكثير من المواطنين، لذلك وجب تشديد العقوبات خاصة ما تعلق بالتزوير واستعماله من أجل الحصول على الإعانات والإعفاءات أو كل ما يتعلق بما تمنحه الدولة لمختلف فئات المجتمع، وهذا ما بات يفرض على القانون الجزائري من خلال نصوصه الإلمام بكل أشكال التزوير سواء صدرت من موظف عمومي، أو بتواطؤ منه أو من شخص عادي.
التّنشئة الاجتماعية السّليمة مهمّة لنبذ التّزوير
يؤكّد مقرّر اللجنة القانونية بالبرلمان سابقا والاستشاري الأسري منور الشيخ لـ “الشعب”، أنّ ظاهرة التزوير واستعمال المزور قد تحولت إلى سلوك اجتماعي، وليس أدل على ذلك من انتشار ظاهرة الغش في الامتحانات في جميع الأطوار، لذلك كان لزاما انخراط الأسرة في تنشئه الأجيال على السلوك السليم، فإذا تربى الطفل – حسبه – على عدم التدليس وعدم الكذب وعدم الغش، أكيد ستنتج سلوكات تفضي إلى استهجان التزوير أو استعمال المزور.
وأضاف أن إعلان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون منذ أشهر نيته تكليف الحكومة بمراجعة القوانين المتعلقة بالتزوير واستعمال المزور الواردة في عدة مواد في القانون الجزائري مثل المواد 197، 214، 222، 223، لأن الجزائر عانت كثيرا في السنوات الأخيرة من مشكل التزوير، ونهبت أراض وأملاك ومركبات، وتم صناعة أختام باسم الدولة ناهيك عن التهرب الضريبي بالملايير.
كل ذلك حدث ليس بسبب غياب القوانين حسب رأي الشيخ، و«لكن بسبب وجود أسباب رئيسية، أولها عدم الدقة في التعريفات المتعلقة بالتزوير واستعمال المزور وكذا العقوبات المصاحبة له، وثانيا بسبب غياب ما أسماه الصرامة في مراقبة الوثائق والتساهل أحيانا بحسن النية أو “تحت سيف الحساء”، مثلما قال.
ولم تعد تخلو أروقة المحاكم من جرائم التزوير واستعمال المزور، سواء تقليد أختام رسمية وهي من بعض الطرق الاحتيالية التي يقوم بها المحتالون عن القانون بغرض تزوير ملفات إدارية لغرض ما، أو التزوير واستعمال المزور في محررات رسمية، تورط فيها موظفون ومنتخبون محليون شملت تزوير مداولات منح إعانات، محاضر اجتماع جمعيات عامة لتعاونيات عقارية، واستعمال المزور في عقود عقارات ومحررات تجارية، كما تمكنت المصالح الأمنية من تفكيك شبكات وطنية ودولية مختصة في التزوير واستعمال المزور وتهريب العملات للخارج.
والتزوير بصفة عامة جريمة يعاقب عليها القانون الجزائري بعقوبات سالبة للحرية، وله شقّان، شق ينصب على الموظف العمومي، وشق ينصب على الشخص العادي الذي يحصل على امتيازات، وفي كلتا الحالتين القانون الجزائري يعاقب عليه، لكن يوجد إشكاليات غياب الوثيقة المزورة في الملف، لكن القضاء الجزائري يضرب بيد من حديد، وتتراوح العقوبة في حالة تزوير محررات إدارية من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة مالية تقدر بـ 100 ألف دينار جزائري، وبعض الاحيان يوجد تزوير ينصب على تقليد أختام الدولة من طرف موظفين عموميين تصل عقوبته إلى المؤبد في بعض الحالات إذا قام الموظف بحد ذاته بهذا الجرم.
تعزيز الترسانة القانونية لأخلقة الحياة العامة، ترمي إلى إحداث القطيعة مع ممارسات سابقة أضرّت الاقتصاد والمواطن، وسبّبت نزيفا حادا في أموال الشعب بسبب المصالح الضيقة، وقد تمّ إصدار لحد الآن منذ تولي رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون رئاسة البلاد عدة نصوص تشريعية تهدف إلى محاربة الإجرام الخطير وأخلقة الحياة العامة سواء في شقها المتعلق بالمساس بالمال العام أو الاقتصاد الوطني، أو في شقها المتعلق بجرائم القانون العام خاصة منه تلك الجرائم التي تتسبب في المساس بشكل خطير بالنظام العام، كالاعتداء على أعضاء السلك الطبي وشبه الطبي والإداري، وردع الأفعال الماسة بحرمتهم الجسدية والمعنوية، وكذا الأفعال التي من شأنها بث الحقد والكراهية في أوساط المجتمع وأفعال الاختطاف والغش في الامتحانات، وتعريض حياة الغير للخطر أو التزوير للحصول على الإعانات العمومية، وكذا الوقاية من عصابات الأحياء وردع أفعالها.
وتسمح هذه القوانين بالإضافة إلى حفظ الأمن العام، بالحفاظ على الأموال العمومية، والوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، ومعاقبة مخالفة التّشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال، وحماية أراضي الدولة بجميع أنواعها، وتوجيه الدعم إلى مستحقّيه، وتحقيق تكافؤ الفرص في العمل والتوظيف والحصول على سكن والاستفادة من إعانات الدولة.