يعرض الخضارون سلعهم بالأسواق في أشكال بهيّة، ويضعون لافتات الأسعار على المعروضات، ويحرصون على استقبال النّاس بالبسمات الريّقة والكلمات الطيبة، وعادة يكون الخضار أنيق المنظر، طاهر المخبر، متشدّدا في الحفاظ على نظافة محيطه، فإذا جاءه الزبون ترتسم البهجة على وجهه، ويسارع إلى خدمته بمنتهى المحبة، بل إنّه يتخيّر لزبونه ما يهوى خاطره، فهو يعلم – يقينا – بأن الزبون يدفع، وحقّه أن يحظى بالمعاملة الحسنة، تماما مثلما هو حقّه أن يشتري ما يريد..
ما وصفنا آنفا، حال الأسواق في مشارق العالم ومغاربه، وهي الحال في الأسواق (المغبّرة) بالدول المغبونة، لكن الاستثناء تصنعه سوقنا المباركة التي يدخلها المتسوّقون وكأنهم «أسرى حرب»، لتبدأ الرحلة بين (العُشَشِ) وقد تراكمت فيها الخضر بأشكال فوضوية، والويل للواحد من الخضارين إن وضع لافتات الأسعار، فهذا يكون بالتأكيد مارقا عن الجماعة، متمرّدا على الأعراف، والأفضل له أن يكون بلحية (مشوّكة) وهندام مبعثر، وعليه أن يحرص على تخيّر الألفاظ الخشنة في التعامل مع الزبائن، لأن هؤلاء – والعياذ بالله – يدفعون من جيوبهم أثمان الخضر التي يحصلون عليها، ما يعني أن الواجب يقتضي إخضاعهم للأمر الواقع، إذ يمكن أن يلمح الواحد منهم ما يعجبه، فيطمع في الحصول عليه، وهو لا يدري أن الكومة (الجميلة) الموضوعة بالأعلى، هي (شصّ الصنارة)، وينبغي أن تبقى في مكانها حتى تصيد زبائن آخرين، لأن السلعة الحقيقية الموجهة للتسويق، هي تلك التي يضطر الخضار إلى إخفائها لأن الجفاف زحف عليها، والخضار لم يأت للسوق كي يخسر بطبيعة الحال؛ ما يعني أن واجب الزبون أن يأكل ما يريد له الخضار، لا ما يشتهيه هو نفسه..
أليس هذا هو العدل الذي عجزت عن تحقيقه أسواق العالم؟!