أكدت المحامية سعد العود في تصريح لـ “الشعب” على ضرورة تحيين الترسانة القانونية فيما يتعلّق برموز الدولة بما يتماشى مع أنواع الأفعال المجرّمة التي يحدثها التطور التكنولوجي وحتى التيارات التي من شأنها أن تؤثر على نفسية وشخصية الفرد الجزائري وتجعله يسخر ويحتقر رموز دولته.
تذكر المحامية ليندة سعد العود التي سبق وأن اشتغلت قاضيا، في تصريح لـ«الشعب” بالنصوص القانونية المتعلقة بالموضوع بدءا بنص الدستور تحت باب المبادئ العامة التي تحكم الشعب الجزائري وتعرّف الدولة الجزائرية وردت في المادة 6 التي تتناول رموز الدولة المتمثلة في العلم الوطني والنشيد الوطني على أنهما مكسبان ثورة نوفمبر 1954، غير قابلين للتغير.
تعتبر المحامية سعد العود، أن تصنيف هذين المكسبين بالمبدأ غير القابل للتغيير ناتجا عن ضرورة تكريس تقديس الدماء الطاهرة التي ارتوت بها أرض الجزائر خلال 132 سنة استعمار، أقل ما يعرف عنه أنه يصنف من أقذر وأبشع الاحتلالات في التاريخ الحديث.
هذه الدماء – تضيف – يمثلها اللون الأحمر على العلم الوطني، والتي إن تمّ تقديرها ماديا بـأكثر من 28 مليون لتر دم نزفت من أجساد 5.230.000 شهيد وهو الرقم المعلن عنه من طرف رئاسة الجمهورية سنة 2021.
من هذا المنطلق أوجدت الدولة قوانين لحماية هذه الرموز منذ الدستور الأول بأحكام القانون 63-145 المؤرخ في 25-04-1963 المتعلق بالتعريف بمميزات العلم الوطني، المرسوم الرئاسي 97 -365 المؤرخ في 27 -09-1997 المتعلق بشروط استعمال العلم الوطني والمرسوم التنفيذي رقم 99 -252 مؤرخ في 7 نوفمبر 1999، المتضمن شروط انجاز العلم الوطني وكيفية ممارسة الرقابة على منجزيه ومستعمله.
كما أنها صدرت منشورات بوزارة التربية الوطنية، تتعلق بترقية الحسّ الوطني مثل المنشور رقم 419 -06.
ذكرت المتحدثة أنه إلى جانب هذه النصوص التي تنظّم شكليات التعامل مع الرمز المتمثل في العلم الوطني مثلا فقد وردت نصوص جزائية تجرّم الأفعال المادية التي تمارس عمدا وعلانية على العلم الوطني والمحدّدة حصرا بتمزيق والتدريس والتشويه بنص المادة 160 مكرر قانون العقوبات.
وقد اشترطت المادة السالفة الذكر – توضح – ركني العلن والعمد لقيام هذه الجنحة المعتبرة مشدّدة والمعاقب عليها بعقوبة حبس من 5 إلى 10 سنوات.
أما فيما يخصّ الرمز الثاني المتمثل في النشيد الوطني فإنه ورد نص المادة 87 مكرر كوسيلة حماية رموز الجمهورية من الاعتداء والتي تطبق أيضا على العلم الوطني.
كما نص القانون 99-07 المتعلق بالمجاهد والشهيد أن رموز الثورة تتمثل في بيان أول نوفمبر، العلم الوطني، النشيد الوطني الرسمي، الشهيد، المجاهد، أرملة الشهيد، مقابر الشهداء، متاحف الشهداء، المآثر التاريخية، المعالم التذكارية وبصفة عامة كل ما يرمز لثورة التحرير.
بالنسبة للمادة 4 من القانون 86 – 06 فإنها تمنح – حسب المحامية – الحماية القانونية للنشيد الوطني كالآتي: يعاقب بالحبس من 5 سنوات إلى 10 سنوات كل من يرتكب أي فعل أو يسلك أي سلوك أو يتخذ أي موقف يمسّ الطابع الذي يضفيه هذا القانون على النشيد الوطني.
غير أن الممارسة الميدانية أظهرت – حسبها – أن هناك أفعالا تشكل اعتداء على هذه الرموز ولكن لم تتخذ الشكل الذي تضمنه النص القانوني، فقد عرفت المادة الأولى من القانون 86-06 النشيد الوطني وحددت وعددت مقاطعه، غير أنه تمّ في وقت ما بتر مقطع من مقاطعه وتمّ إعادة إدراجه رسميا مؤخرا.
وترى من الضروري تحديد الجرائم تحديدا كافيا نافيا للجهالة، وهذا وإن استدعى الأمر استحداث مواد مكملة لها، فالنص القانوني الذي لا يحمل تكييفا للفعل المجرم لا يمكن تطبيقه ويؤدي إلى الافلات من العقاب.
تطوّر السلوكيات الاجرامية التي تطال هذه الرموز
وذكرت في السياق، أن هناك تطورا في السلوكيات الاجرامية التي تطول هذه الرموز وقد اتخذت إشكالا أخبث، وذكرت بحالات تدنيس العلم الوطني وحرقه.
وأبرزت في السياق، أن المتابعة الجزائية لهذه الأفعال تستدعي تشريع خاص بها يحدّد فيها هذا الفعل المجرم بدقة.
وترى أن تعزيز الحماية القانونية للشهداء والمجاهدين بمنع الاعتداء عليهم بالسب والشتم والقذف ضروري للحفاظ على كرامة من قاموا بواجبهم بالدفاع عن الشعب والوطن وتحرير البلاد من استعمار غاشم أعمى ودموي.
وتعتقد المحامية، أنه من واجب الدولة تحيين ترسانتها القانونية بما يتماشى مع أنواع الأفعال المجرمة التي يحدثها التطوّر التكنولوجي وكل التيارات التي من شأنها أن تؤثر على نفسية وشخصية الفرد الجزائري وتجعله يسخّر ويحتقر رموز دولته وعلينا تثمين ذلك.
ومن جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، رابح لعروسي، أن الحفاظ على رموز الدولة للأجيال القادمة، يتطلّب مرجعية قانونية، تتضمّن إجراءات عقابية تحميهم من المساس في الداخل والخارج، ويجعل من الذاكرة الوطنية مادة غير قابلة للنقاش والجدال.
اعتبر الأستاذ لعروسي في تصريح لـ«الشعب” أن مشروع القانون المتعلّق بتجريم المساس برموز الثورة، النشيد الوطني والعلم الوطني الذي سيعرض للنقاش والمصادقة في الدورة البرلمانية القادمة، أنه هام جدا، وأنه سيضع حدا لمختلف أصوات النشاز، والانحرافات والانزلاقات التي حدثت في أوقات ليست ببعيدة، صادرة من أطراف تكنّ الحقد والكراهية للجزائر، فراحت تخدش في الذاكرة، وتشكّك في تاريخ الجزائر وفي شهدائها ومجاهديها، تريد بذلك الابقاء على الوصاية لمستعمر الأمس.
وأكد لعروسي على الاهتمام والعناية الكبيرة التي يوليها رئيس الجمهورية للذاكرة الوطنية، حيث كلف مستشار لديه بالتكفل بهذا الملف، كما تشتغل عليه وزارة المجاهدين، في إطار البحث عن كيفية تعزيز التلاحم وحماية والحفاظ على هذه الأمانة التي تركها الشهداء.
يعتقد لعروسي، أنه أمام البرلمانيين موعد تاريخي هام، متعلق بكيفية حماية هذه القيم الوطنية، وأبعادها وحمايتها من الترهات وأصوات النشاز من خلال مناقشة والمصادقة على نص هذا القانون، الذي من خلاله يتمّ تجريم المساس بكل الرموز، وفق ما يتضمنه من اجراءات عقابية للمتطاولين على هذه الرموز، وذلك للحفاظ على مسارات الثورة التحريرية، والشهداء الأبرار والمجاهدين.
يرى لعروسي، أنه لابد من الحفاظ على مكانة المجاهدين، وأن يتركوا بعيدا عن التجاذبات السياسية والاختلافات، لافتا إلى أن مشروع القانون هذا يحمي الذاكرة الوطنية، ويحفظ للأجيال القادمة تاريخ هذه الأمة، ويجعل من الذاكرة الوطنية مادة غير قابلة للنقاش والجدال، ويعتبر النص مرجعية قانونية، تضع حدّا لمن تسوّل له نفسه التطاول على تاريخ الجزائر في الداخل والخارج.