يتمّ إنتاج مدخلات بتروكيماوية في الجزائر بقطبين صناعيين مهمين، الأول هو المركب الصناعي لمدينة سكيكدة، أين يتمّ إنتاج الايثيلين ومشتقاته، والثاني مركب أرزيو أين يتمّ إنتاج الميثانول ومشتقاته.
يعتمد إنتاج هذين المركبين على الغاز الطبيعي كمادة أولية للإنتاج، إضافة إلى إنتاج الأسمدة والمبيدات الذي يتمّ على مستوى عنابة، وإنتاج المنتجات البلاستيكية في عدة ولايات موزعة عبر التراب الوطني على غرار سطيف، الجزائر العاصمة، سعيدة، سكيكدة، المدية وغيرها. كانت السلطات العمومية قد سطّرت هدف بلوغ 5 ملايير دولار من صادراتها من الصناعات البتروكيماوية، باعتبار أن المنتجات النفطية تعتبر مدخلات للعديد من الصناعات الأساسية، ما يفسّر كثرة الطلب عليها واتساع رقعة أسواقها العالمية.
قسّم الخبير الاقتصادي، عبد القادر سليماني جملة المنتجات البتروكيماوية التي يتمّ تصنيعها في الجزائر إلى 8 مجموعات أساسية، تتمثل في الصناعات الكيماوية للمعادن القاعدية، مثل غاز الكربون، الايثيلين، الأرغون، الهليوم والأزوت، وصناعات الأسمدة والمبيدات مثل الفوسفات، الأمونيا والأمونترات، وكذا صناعة الراتينجات الصناعية، وصناعة المواد البلاستيكية، وصناعة الكيمياء العضوية القاعدية كالعطريات، إلى جانب صناعة الدهون والأصباغ، وصناعة المنتجات الصيدلانية كالمنظفات والمطهرات والمنتجات الحافظة.
وأشار سليماني، إلى أن ميزانية الاستثمارات التي رصدتها سونطراك في إطار المخطط الخماسي 2022-2026، بلغت 40 مليار دولار، خصص 11 مليار دولار منها لانجاز المشاريع المسطّرة في البتروكيمياء والتكرير، وتطوير نشاطها الذي يندرج ضمن إستراتيجية المجمع العمومي للمحروقات، لتوفير المواد البترولية على مستوى السوق المحلية وتوفير المواد الأولية البتروكيماوية كمدخلات أساسية للصناعة الجزائرية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، للحدّ من استيرادها ومن تحويلات العملة الصعبة. حيث تهدف الجزائر من خلال تشجيعها لبعث الصناعات البتروكيماوية إلى بلوغ 5 ملايير دولار صادرات على المدى المتوسط، وخلق 4 آلاف منصب شغل وتحقيق قيمة مضافة قدرها 50% في مجال التكرير والتحويل و50%، فيما يتعلق بإنتاج البترول الغاز مقابل 32 %مسجلة حاليا.
6 مشاريع كبرى لإرساء نسيج صناعي بتروكيماوي
وعن رصيد الجزائر من الشركات المتخصصة في الصناعات البتروكيمياوية، أجاب سليماني، أن سونطراك تمتلك 7 مركبات تحويلية بتروكيماوية على المستوى الوطني، توظّف أكثر من 3 آلاف عامل بصفة دائمة، منها مركبين تعود ملكيتهما للمجمع بنسبة 100% و5 مركبات أخرى تمّ انجازها في إطار الشراكة. حيث سمحت هذه الأخيرة بتثمين حوالي 5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في السنة، وتصدير أكثر من 2 مليار دولار من المواد البتروكيماوية خلال سنة 2022.
وفي إطار الإستراتيجية المعتمدة على المدى القصير أو المتوسط، لتثمين المحروقات وإرساء نسيج صناعي بتروكيماوي وتخفيض فاتورة استيراد، جسّدت سونطراك، 6 مشاريع لتطوير البتروكيمياء، تمّ انجاز ثلاثة منها من خلال الإمكانات الخاصة لسونطراك و3 مشاريع منها عبارة عن شركات مختلطة جزائرية -أجنبية، ذكر منها سليماني كل من مشروع ميثيل ثلاثي بوتيل الايثر، المستخدم كمادة مضافة لتحسين تصنيع البنزين الخالي من الرصاص على مستوى المصافي والاستغناء عن استيرادها، حيث انطلقت الأشغال به مؤخرا على مستوى المنطقة الصناعية بأرزيو. في حين يتمثل المشروع الثاني في انجاز وحدة إنتاج الكيل البنزين الخطي في سكيكدة المستخدم في صناعة المنظفات، بطاقة إنتاجية تقدر بـ100 ألف طن سنويا، حيث سيسمح بالحدّ من الاستيراد وحتى التوجّه إلى تصدير المدخلات النفطية التي يتمّ تصنيعها الآن بالجزائر. إضافة إلى مشروع ثلاثي مركب تكسير النافتا وغاز البترول المميّع بالبخار، بطاقة إنتاجية تقدر بـ1 مليون طن سنويا، مبرمج انجازه بالمنطقة الصناعية بسكيكدة. ومشروع انجاز مركب بتروكيميائي لتحويل البروبان إلى بولي بوبيلين في تركيا، في إطار مشروع استثماري خارج الوطن لمجمع سونطراك وكذا مشروع سونطراك مع شركة فرنسية لبناء وحدة إنتاج 550 ألف طن سنويا من البولي بوبيل في أرزيو، بالإضافة إلى مشروع آخر لإنتاج الميثانول ومشتقاته على مستوى المنطقة الصناعية لتلبية حاجيات قطاع الزراعة في الجزائر من الأسمدة.
كفاءات جزائرية لتثمين الثروات الوطنية
بالنسبة للمورد البشري القائم على انجاز المشاريع السالفة الذكر، قال الخبير الاقتصادي إنها كفاءات جزائرية، ما يعتبر مصدر فخر واعتزاز، تمّ تكوينها على مستوى المعاهد والجامعات الجزائرية التي اكتسبت سمعة عالمية في مجال تكوين وتأهيل الخبرات. إلا أنه وفي بعض الحالات – يقول المتحدث – تتمّ الاستعانة بشركاء أجانب يتمتعون بالخبرة التقنية ويتحكمون في مسالك الدخول إلى الأسواق العالمية البتروكيماوية التي ما تزال بعضها مغلقة، بحكم خبرتهم الطويلة في هذا المجال. بالمقابل، تمّ تحديد آجال زمنية لا تزيد عن 36 شهرا لتجسيد وحدة إنتاج البنزين الخطي، في سكيكدة، المستخدم في صناعة المنظفات. حيث أكد سليماني أن تطوير الصناعة البتروكيميائية، سيمكن سونطراك من تثمين مواد المحروقات المنتجة محليا في المركبات والمصافي التابعة لها، كما سيسمح بتقليص فاتورة الاستيراد، مشيرا، على سبيل المثال، إلى أن مجمع سونطراك، كان قد خصص خلال السنة الفارطة، ما يقارب 170 مليون دولار، لاستيراد مادة MTBE التي تسمح بتحسين نوعية البنزين الخالي من الرصاص.
مركبات لتوفير مدخلات الصناعات المحلية
وكأمثلة عن الصناعة البتروكيميائية الناجحة ببلادنا، أشار المتحدث إلى مؤسسة “سورفارت” المسيرة للمركب المنتج لمادتي الأمونيا واليوريا بأرزيو، كثمرة استثمار في إطار الشراكة ما بين المجمع الجزائري سوناطراك ومجمع أجنبي، مكّن من تحقيق عائدات تصل إلى 700 مليون دولار، من خلال نشاطاتها التصديرية لسنة 2022. وبفضل طاقتها الإنتاجية التي تتجاوز 1.2 مليون طنا من اليوريا و1.6 مليون طنا من الأمونيا كطاقة قليلة الاستغلال، فان “سورفارت” تعدّ واحدة من المؤسسات التي تخلق القيمة المضافة من خلال استغلال وتحويل الطاقات البتروكيماوية وتثمينها، على غرار الغاز الطبيعي.
بالمقابل، تعوّل الجزائر – حسب المتحدث – على مركبات أرزيو وسكيكدة وأسميدال بعنابة، من أجل توفير المواد الأولية لصناعاتها المحلية بمختلف أنواعها، من خلال اشتقاق النفط بسواعد وكفاءات وطنية، يمكنها تقليص عمليات الاستيراد المفرطة للمشتقات البترولية للحفاظ على العملة الصعبة. حيث تكتسي الصناعات الكيماوية والتكريرية أهمية كبيرة بالنسبة للجزائر، خاصة في ظلّ الظروف الجيوسياسية والجيو-إستراتيجية القائمة حاليا التي جعلت من الطاقة موردا أساسيا بالنسبة للعالم، محاولة أن تستفيد من السياق الطاقوي العامية القائم حاليا، ما يؤدي إلى مضاعفة المكاسب والأرباح والمشاركة من خلال هذه الصناعات في تطوير المنتوج الجزائري وبعث نهضة اقتصادية عالية من شأنها تحقيق التطوير الذي تعمل بلادنا على تحقيقه والوصول إلى التنمية المستدامة.