يبقى الرهان اليوم في الجزائر لتحقيق أمن اقتصادي حقيقي، بناء إستراتيجية بعيدة المدى، تخص تطوير الصناعات البتروكيمياوية التي تساهم في تنويع الاقتصاد الوطني وتقيه شرّ الصدمات النفطية وتجنبه الأزمات الاقتصادية، حيث تعدّ صناعة البتروكيماويات من المشاريع التنموية الكبيرة والعملاقة التي تدر عائدات ضخمة على القطاع الاقتصادي في الدولة.
هذه الصناعات تعمل على تحويل النفط الخام والغاز الطبيعي إلى العديد من المواد الأولية التي تدخل في جل القطاعات الاقتصادية، علما أن الجزائر تمتلك مخزونا كبيرا من النفط والغاز الطبيعي، بالإضافة إلى موقعها الإستراتيجي الذي سيساهم في نجاح هذه المشاريع، فيمكنها تصدير المنتجات البتروكيمياوية إلى الأسواق العالمية، وستسهم في خلق فرص عمل كبيرة للمواطنين وإنشاء مركبات صناعية عملاقة في مختلف ولايات الوطن، حيث تبرز أهمية الصناعات البتروكيماوية في اقتصاديات الدول المنتجة للنفط، من خلال القيمة المضافة.
شدّد الخبير في الاقتصاد الطاقوي عبد الكريم عزيب، على أن الصناعة البتروكيمياوية في الجزائر، تعتبر حلا من حلول التنويع الاقتصادي، خاصة في ظلّ وجود المادة الخام من البترول والغاز، كون الجزائر بلد نفطي بامتياز، ما يسمح لها بالذهاب بعيدا في تطوير الصناعة البتروكيمياوية وفق إستراتيجية واضحة المعالم، لن تبنى بين ليلة وضحاها، ولكن بتخطيط محكم، حيث إن الجزائر اليوم مطالبة بتبني إستراتيجية تعتمد على مثل هذه الصناعات التي تؤسس للنسيج الصناعي والنسيج الاقتصادي والاجتماعي كذلك للبلاد.
تجنّب الأزمات وتقلبات السوق النفطية
ولفت الدكتور عزيب إلى وجود إمكانيات بشرية هائلة، من مهندسين وكوادر مختصين في مجال البترول، بحيث تتوفر البلاد على معاهد مثل المعهد الوطني للمحروقات والكيمياء والمعهد الجزائري للبترول، مشيرا إلى ضرورة عقد شراكات أجنبية للاستفادة من التكنولوجيا والخبرات في هذا المجال، للذهاب نحو الاستثمار عن طريق إنشاء مركبات صناعية ضخمة عبر مختلف مناطق الوطن، لأنه الحل الأمثل والأنجع للتخلص من التبعية للمحروقات، وتجنب الأزمات الاقتصادية التي مرّت بها الجزائر، على غرار أزمة سنة 2014، أين تراجعت أسعار النفط في السوق العالمية لمستويات دنيا، ما أثر سلبا على اقتصاد البلاد، ودخلنا في أزمة عرفت سابقا بـ«الصدمة النفطية”.
وفي السياق، أكد الخبير في الاقتصاد الطاقوي، على أهمية إنشاء صناعة البتروكيماويات، كونها ستكون أحد أهم مصادر الدخل للجزائر، إذا اعتمدت على إستراتيجية واضحة المعالم، خلال السنوات القلية المقبلة، مبرزا أن الاهتمام بتطوير هذا القطاع سيسهم في تنويع مصادر الدخل من العملة الصعبة، حيث ستتمكن الجزائر من الاعتماد على الصناعات البتروكيماوية كمصدر آخر للدخل بالإضافة إلى النفط والقطاعات الاقتصادية الأخرى، ما سيسهم في تقليل الاعتماد على النفط باعتباره مصدر الدخل الوحيد تقريبا في الاقتصاد الجزائري بنسبة 95 بالمائة. ليشير إلى أن المؤهلات التي تحوز عليها الجزائر، ويرى أنها من شأنها إرساء قاعدة صناعية صلبة تسهم في التنويع الاقتصادي، والاستفادة من مداخيل العملة الصعبة لتحقيق النهضة الاقتصادية التي تسعى السلطات العليا في البلاد لتحقيقها.
خلق سلاسل ذات قيمة مضافة
وأبرز الخبير في الطاقة، أن الصناعات البتروكيماوية في الجزائر اليوم لا تتعدى نسبة 5 بالمائة، وهي صناعة تتعلق بتصنيع مادة البلاستيك في مركبي أرزيو وسكيكدة فقط، وهذا بالرغم من أنها تحتل مكانة مرموقة نظرا لاستخداماتها المتعدّدة، حيث أصبحت توفّر العديد من المنتجات الضرورية كبديل للعديد من المنتجات الطبيعية، مثل صناعة الألياف، المطاط، الأسمدة والأدوية، إلى جانب صناعة المواد البلاستيكية، التي تساهم بدورها في تنويع الاقتصاد الوطني، أما عن أهم القطاعات التي تستفيد من تطوير الصناعات البتروكميائية، فقد أكد عزيب أن كل القطاعات ترتبط بالصناعات البتروكمايوية على غرار الفلاحة التي تستخدم كل التجهيزات من أنابيب وأغلفة بلاستيكية وغيرها، فضلا عن الصناعات الغذائية، المعلبات والحوافظ، إلى جانب استعمالاتها في الصناعات الثقيلة، حيث إن الصناعة البتروكيمياوية تساهم في تطوير بعض الصناعات في قطاعات أخرى ونساهم في تطوير عدة مجالات وتنويع الاقتصاد الوطني، ويتمّ بذلك خلق سلاسل ذات قيمة مضافة.
وفي هذه النقطة، أشار المتحدث إلى دور الصناعة البتروكمياوية في التنويع الاقتصادي بالجزائر، عندما قال، “عوض تصدير البترول والغاز كمادة خام، وهي مادة خصبة للصناعة البتروكمياوية، لابد من تطوير الصناعية البتروكمياوية لتصديرها، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتجنب الاستيراد للحفاظ على العملة الصعبة، من خلال تجنب تبعية الاسواق العالمية”.
ومن جهة ثانية – يضيف عزيب – تساهم المواد البتروكمياوية المصنّعة، في تطوير بعض الصناعات في قطاعات كثيرة على غرار الصناعات الصيدلانية، كما أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالمواد الغذائية، أضف إلى ذلك الصناعات الثقيلة، لذلك نحتاج إلى تطوير الصناعات البتروكمياوية، وإلى إنشاء مركبات كبرى خاصة بالصناعات البتروكمياوية التي من شأنها خلق مناصب شغل، والمساهمة في إنعاش الاقتصاد وامتصاص البطالة والدفع بالقطاعات الاقتصادية الأخرى نحو الأمام، مشددا في السياق على أن الذهاب نحو التنويع الاقتصادي عن طريق الصناعة البتروكمياوية يتمّ تدريجيا، وليس بين عشية وضحاها لوجود عديد المخاطر وضرورة توفر التكنولوجيا المتطوّرة. وفق تعبيره.
عقد شراكات “رابح – رابح” لا مفر منه
وفي ردّ للخبير حول سؤال متعلق بالاستثمارات الأجنبية وفتح المجال للشركاء، قال: “عقد شراكات أجنبية ضروري لجلب التكنولوجيا ومرافقة الصناعات البتروكمياوية في الجزائر، خاصة وأننا نحتاج خبرات لإقامة استثمارات كبرى في الميدان، لذلك لابد من عقد شراكات مع الأجانب وفق نظرة براغماتية، على نحو شراكة” رابح- رابح “، من خلال امتلاكنا الثروة وجلب التكنولوجيا”.
وعن أهم الدول التي يجب أن تعقد الجزائر معها شراكات في هذا المجال، أبرز عزيب، أن هناك العديد من الدول المتطورة، في مجال البترو كيمياء، منها بلدان لا تعتبر مصدرا للمواد النفطية، على غرار بلجيكا التي تملك تكنولوجيا متطوّرة في هذا المجال، فضلا عن الولايات الأمريكية المتحدة لأنها بلد بترولي بامتياز ويملك صناعة بروكيمياوية قوية جدا، إلى جانب دول أوروبا على غرار ألمانيا، ناهيك عن روسيا، وقال غريب في السياق: “نحن حاليا نستورد من عدة بلدان مثل بلجيكا، بولونيا، هولاندا وروسيا والصين وغيرها، ولسنا مرتبطين ببلد معين”.
التعجيل بإنشاء مركبات ضخمة للبتروكمياء
وفي سياق ذي صلة، تحدّث الخبير الطاقوي عن عقد استثمارات في الصناعات البتروكمياوية في ظلّ وجود مشاريع مع الصين، داعيا إلى إنشاء مركبات ضخمة للبتروكيمياء، مركبات مختصة في تطوير الصناعة الكمياوية، تكون متنوعة ومتخصصة، هذه الإستراتيجية المنتظرة. يقول غريب.
وعن سؤالنا المتعلق بوجود استثمارات تخصّ العملاق النفطي شركة سونطراك التي خصّصت استثمارات بتروكمياوية بمبلغ 11 مليار دولار، لتطوير نشاط التكرير والبتروكيماوية ضمن ميزانية الاستثمارات التي تمّ رصدها للمخطط الخماسي 2022-2026، والتي تبلغ 40 مليار دولار، كشف محدثنا أنها تتعلق بعمليات توسعة بمركبي أرزيو وسكيكدة فقط، وتحتاج الجزائر إلى إقامة مشاريع أكبر لاقتحام مثل هذه الصناعة مستقبلا، حيث لا توجد مركبات كبيرة للصناعات البتروكمياوية، بخلاف مركبي سكيكدة وارزيو المختصين في إنتاج البلاستيك، وبعض المواد.
وبهذا الخصوص، تحدث الخبير في الطاقة، عن فوائد الصناعات البتروكمياوية على اقتصاد البلاد، حيث ذكر أن الجزائر ستتخلص من التبعية للمحروقات، مبرزا أن تطوير الصناعة البتروكياوية من شأنه المساهمة في تطوير كل القطاعات الاقتصادية الأخرى، على غرار الصناعة، الفلاحة وكل الصناعات الثقيلة، وبالتالي تصبح لدينا مصادر متنوعة للعملة الصعبة من خلال صادرات متنوعة، حيث حينها فقط نتحدث عن تحقيق تنويع اقتصادي وأمن اقتصادي، ونتجنب الصدمات والأزمات الاقتصادية ونحقق بذلك الهدف المنشود وهو تنمية وتطوير الاقتصاد وطني، في عالم متغير وسريع التطور والتقلبات على جميع الأصعدة.