لا نضيف شيئا إذا تحدثنا عن «حمى الأسعار» التي ارتفعت مع حلول «أيلول» (بلغة الشّعراء)؛ ذلك أن «الحمى» لم تكفّ عن التصاعد حتى في خضم موجات الحرّ المتصاعدة، خاصة وأن بعض أشباه التجار صاروا يفضلون إلقاء سلعهم إلى (القمامة) على أن يبيعوها بأسعار معقولة..
زحف (البيض) بهدوء واستحياء إلى ضفاف (العشرين دينارا)، ولم يلبث أن مكّن لنفسه، ثم حصل على (الترسيم) النهائي، وصارت الثلاثمائة دينار مقابل (البلاطو) مألوفة مستساغة، ولم تختلف الحال مع المواد الأخرى التي فرضت نفسها، وصارت تتمنع وتتكبر لا ينالها إلا الذين (يستطيعون إليها سبيلا)..
ولقد بذلت السلطات العمومية جهودا جبارة في مكافحة المضاربين غير الشرعيين، غير أن الإجراءات هنا متعلقة حصرا بالمواد المدعمة التي حاول بعضهم أن يتلاعبوا بها، وإن كانت المنتجات الفلاحية مدعمة هي الأخرى بطريقة غير مباشرة، ولكن هناك دائما حيلة يركبها هذا وذاك، كي يضفي على الحياة مزيدا من المشقّة..
قد يكون واضحا أن توازن السوق إنما يتحقق بـ»المنافسة»، تماما مثل وضوح صورة التاجر الذي لا يمكن أن يخدم الزّبون إلا إذا أيقن فعلا أنه يحتاجه، وما دامت «المنافسة» غير ممكنة، بحكم أن أشباه التجار أحكموا قبضتهم على دواليب البيع والشراء، فإن أمر «السوق» بين أيدي الزبائن، فهم وحدهم القادرون على إثبات (أهميتهم) بالنسبة للعملية التجارية برمّتها.. والناس جميعا يعرفون تلك القصة التي ذكرها ابن عساكر، حين جاء الناس إلى إبراهيم بن أدهم فقالوا: إن اللحم قد غلا، فردّ عليهم: أرخصوه بالترك..
المسألة إذن تتجاوز «الرقابة» و»المنافسة» و»قوانين السوق»، فهي متعلقة بمدى «القدرة على الترك».. وهذا مقياس مهمل عندنا..