تقوم الإستراتيجية الاقتصادية التي أرادها رئيس الجمهورية لبناء جزائر جديدة، تعتمد خزينتها العمومية على عائداتها خارج المحروقات، وعلى الانتشار الاقتصادي والحضور الدبلوماسي الدائم على المستوى الدولي، الذي أصبح ميدانا للتنافس بين مختلف الهيئات والمنظمات الاقتصادية. وتأكيدا منها على ثباتها على توجّهها الاقتصادي القائم على تنويع الإنتاج ومصادر الواردات خارج المحروقات، وكذا تنويع شركائها عبر العالم، كانت الجزائر قد قدّمت طلبا رسميا للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون كعضو مراقب في مرحلة أولى.
تعتزم الجزائر التموقع دوليا من خلال تواجدها في الهيئات والمنظمات والمؤسسات الدولية، وفق ما أدلى به الخبير في الاقتصاد الدولي، البروفيسور فريد كورتل لـ “الشعب”، سواء الأمنية منها أو الاقتصادية التي تتوافق ورؤيتها الدبلوماسية والاقتصادية ومواقفها تجاه القضايا العادلة، في ظل تغيرات جيو-إستراتيجية متسارعة تحتم على الدول مسايرتها والتعاطي معها بنظرة استشرافية، من موقع الفاعل المحوري لا المتتبع المتفرج، وفي إطار تعاون مثمر ينعكس بالإيجاب على منظومتنا الاقتصادية والتنموية.
ثلاث مراحل ضرورية لحيازة العضوية
مجموعة مكوّنة من 5 دول، تأسّست بمدينة شنغهاي الصينية، حيث اتفق رؤساء كل من الصين، روسيا، كازاخستان، غرغستان وطاجكستان، على تعميق التعاون المتبادل في المجال الأمني بهدف الحفاظ على استقرار المنطقة آنذاك، لتتعدى ذلك إلى آفاق أوسع تشمل التعاون الاقتصادي والثقافي والتحالف العسكري بين دول المجموعة، التي تحمل اسم مدينة شنغهاي الصينية، حيث أشار كورتل إلى أنّ منظمة شنغهاي للتعاون تضم حاليا 9 أعضاء، هي وليدة معاهدة جمعت الدول الخمسة السالفة الذكر، تمّ الإعلان عنها رسميا في 01 جوان 2001، لتنظم إليها كل من أوزباكستان، الباكستان، إيران، الهند، إضافة إلى 3 مراقبين هم روسيا البيضاء، أفغانستان ومنغوليا. و6 شركاء للحوار وهم مصر، تركيا، أرمينيا، أذربيجان، كمبوديا، سريلانكا والنيبار.
الجزائر الجديدة.. ثبات على القطيعة مـع اقتصاد الرّيع
وعن أهداف المنظمة – أوضح كورتل – أنّها تتمحور حول تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين الدول ومحاربة الإرهاب، وتدعيم الأمن ومكافحة الجريمة بما فيها محاربة تجارة المخدرات، وتدعيم الأمن ومواجهة الحركات الانفصالية والتطرف الديني والعرقي، من أجل توفير السلام والأمن والاستقرار على مستوى الدول الأعضاء. ويبقى التعاون الاقتصادي – حسب كورتل – أهم محاور التعاون البيني لدول المنظمة.
منظمة شنغهاي للتّعاون.. أرقام
يقول البروفيسور كورتل إنّ مستقبل منظمة شنغهاي للتعاون، يبدو واضحا من خلال التقارير الدولية المتتبعة لنشاط المنظمة، من بينها تقرير تنمية التجارة لذات المنظمة، لمدة 20 سنة الذي أفاد أن القيمة التجارية للدول الأعضاء قد ارتفعت من 667.09 مليار دولار سنة 2001 إلى 6.06 تريليون دولار سنة 2020، كما تضاعفت حصتها من إجمالي التجارة العالمية من 5.4 % سنة 2020 إلى 17.5 % سنة 2021، ممّا يجعلها تسيطر على الجزء الأكبر من هذه الأخيرة، كما بلغ الناتج الخام المحلي للدول الأعضاء 23.3 تريليون دولار، ممثلة بذلك 1/3 الناتج الإجمالي العالمية بتعداد سكاني يقدر بـ 3.2 مليار نسمة، أي ما يفوق 40 % من سكان العالم، موزعين على 60 % من مساحة العالم. معطيات جيو-اقتصادية، عزّزت من وزن وثقل منظمة شنغهاي للتّعاون الكبير على المستوى السياسي والاقتصادي العالمي.
التّوجّه الاقتصادي القائم على التّنوّع..نقطة قوّة لإقناع الشّركاء
وقد نوّه الخبير بسعي الجزائر الدؤوب إلى الانضمام إلى مختلف التكتلات والتجمعات والمنظمات الدولية التي من شأنها تقديم القيمة المضافة للدبلوماسية الجزائرية وللاقتصاد الوطني على حد سواء، حيث ثمّن حرص رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، على الحضور الدائم والفعال للجزائر على مستوى المحافل الدولية والتجمعات الاقتصادية، من أجل فتح منافذ أوسع للاقتصاد الوطني من خلال انفتاحه على الأسواق العالمية التي أصبحت تخضع للمعطيات الجيو-إستراتيجية ومنطق التكتلات ذات الخلفيات الإيديولوجية. فانضمام الجزائر إلى منظمة شنغهاي للتعاون – يقول المتحدث – سيعطي دفعة قوية للاقتصاد الجزائري، وذلك برفع معدلات التبادل التجاري مع الدول الأعضاء، خاصة بعد إنشاء منطقة التجارة الحرة بين هذه الدول، كما سيساهم في دخول أسواق كل دولة على حدة، وبالتالي التوسيع من الصادرات الجزائرية خارج المحروقات، إضافة إلى تعزيز التقارب السياسي مع المعسكر الشرقي، بما يخدم المنظومة الأمنية للجزائر، وتمكينها من الحصول على الدعم السياسي فيما يخص القضايا المصيرية. كما سيسمح انضمام الجزائر للمنظمة من تحقيق طموحاتها الدبلوماسية فيما يخص إعادة الانتشار، وتعزيز موقع الدبلوماسية الجزائرية على المستوى الدولي، خاصة إذا ما علمنا أن المنظمة تضم حاليا 4 دول نووية، متمثلة في كل من روسيا، الصين، الهند وباكستان.
تطلّع إلى الاستثمارات الآسياوية
في نفس السياق، أكّد كورتل على مدى استفادة الجزائر من خبرة الدول الأعضاء خاصة في المجالين التكنولوجي والعسكري، نظرا للتقدم الذي أبانته هذه الدول في المجالين السالفي الذكر، حيث تمتلك روسيا باعا كبيرا في المجال الزراعي والعسكري، في حين تمتلك الصين سمعة عالمية في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، وتعتبر الهند رائدة في مجال البرمجيات وريادة الفضاء. وتعتبر الجزائر حاليا قبلة لمستثمري القارة الآسياوية في إطار حركية رؤوس الأموال، حيث يتوقع الخبير الاقتصادي تدفقا أوسع لرؤوس أموال آسياوية، خاصة في مجال المنشآت القاعدية والبنى التحتية، حيث استفاد الشريك الصيني من صفقة انجاز ميناء الحمدانية، كأكبر ميناء على المستوى الإفريقي وحوض البحر المتوسط، مثمّنا ثبات الجزائر على توجّهها الاقتصادي القائم على تنويع الشركاء، وتقدّمها في هذا الاتجاه بخطوات واثقة نحو التكتلات الاقتصادية ذات التوجه العادل، ما يعتبره البروفيسور كورتل الطريق الصواب في ظل التغيرات الجيو-إستراتيجية الكبرى التي سيكون لها أثرها ووقعها القوي في إعادة هندسة الخريطة الاقتصادية العالمية وتحديد أبعادها.