خصص الزملاء في القسم الثقافي مساحة لملف حاول رفع الأستار عن أسباب (انعدام) «سوق للفن التشكيلي» عندنا، وطرحوا أسئلة غاية في الدّقة، رغبة في التّوصل إلى ما يحرّك الراكد، ويبعث الحياة في أوصال (قطاع) يمكن أن يتحول إلى رافد اقتصادي غاية في الأهمية، بل إنه يمكن أن يفسح لـ»التفكير»، ويسدّد الآراء، ويقوّم المنهج، ويعزّز الثقة في النفوس، وفيه (خصلات) أخرى كثيرة..
ونعترف أننا لم نوافق الآراء التي دفعت بـ(ضرورة الدّعم)، فـ(الدّعم) هو أسوأ ما يمكن أن يصيب العمل الفنّي، ثم إننا لا يمكن أن نفرض على أيّ كان، شراء لوحة فنية مقابل تخفيضات ضريبية أو ما شابه، فـ»الشراء» يكون لـ»الحاجة»، وعلى اللوحة الفنية نفسها أن تكون مقنعة، وتعبر عما يحتاج (الشاري المفترض) فعلا، وليس بدافع تجنب ضريبة تنفع في تهيئة المدارس والطرقات، وتسهم في توفير وسائل المنفعة العامة..
مسألة تسويق الأعمال الفنية إذن، لا يمكن أن تكون موضوع «مرسوم» أو «قانون»، ووزارة الثقافة – على سبيل المثال – لا يمكن أن تضمن رواج سوق للفن، ولا أن تضمن (شهريات) للفنانين لمجرد أنهم (يشكّلون) أو (يمسرحون)، وحسبها أنها توفّر مساحات العرض بالمجان، بل إنها ذهبت أبعد من ذلك، وحققت لجميع الفنانين ما يتجاوز «الأحلام»..
والحق أن الفيلسوف الألماني فريديرش هيغل قدّم -في القرن التاسع عشر- القراءة الحصيفة لمسألة «سوق الفن» في العالم الإسلامي كاملا، وحدد السبب المباشر لـ(كسادها) في كتاب «علم الجمال».. قبل الوصول إلى (السبب الهيغلي).. لدينا سبب آخر أكثر مباشرة منه.. ساحتنا الفنية تكتفي بـ»الموهبة» ولا تصقلها بـ»المعرفة»، ولهذا غفلت عن هيغل .. وهذا مشكل عضال..