تضمن قانون الصفقات العمومية 15/247 بعض النقائص المتعلقة بنشاط المناولة، عمل المشرّع الجزائري على تداركها خلال سنّه لقانون الصفقات العمومية الجديد 23/12.
أعطى هذا النشاط مساحة قانونية أوسع بما يتمشى والمعطيات التي تطرحها المقاربة الاقتصادية الجديدة المعتمدة من طرف رئيس الجمهورية، التي يعتمد الاقتصاد الوطني بموجبها على نسيج صناعي كثيف مكون من مؤسسات صغيرة ومتوسطة تتكامل ونشاط المؤسسات الكبرى من حيث سلاسل الإنتاج والتوريد، لتفادي عملية استيراد المواد الأولية ومدخلات الصناعات الكبرى، واختزال آجال الانجاز وكذا منح فرص أكبر للشركات المحلية من أجل المساهمة في الناتج الخام المحلي. كما منحت التصحيحات التشريعية الجديدة نفس الحقوق في ممارسة النشاط المناولاتي لجميع الفئات، لاسيما المرأة المقاولة وذوي الهمم، ما يجعل من عملية البناء الاقتصادي حقا وواجبا يتقاسمه الجميع.
قدمت أستاذة الاقتصاد والخبيرة في الابتكار، الدكتورة هدى باغلي، تعريفا للمناولة، بحسب اللجنة الأوربية، على أنها الحالة التي تقوم من خلالها المؤسسة المانحة للأمر بتكليف مؤسسة أخرى “المناولة”، بإنتاج منتجات أوأداء خدمات أوممارسة أشغال تكون موجهة لمصدر الأمر أوتنفيذ لحسابه، كتصنيع وتوريد القطع الصناعية والمدخلات لصالح هذه الأخيرة، أوبعض أعمال الصيانة حسب معايير تقنية وشروط تسليم محددة مسبقا، حيث لا تكون هناك أي علاقة مباشرة بين المناول وصاحب المنتج، بتعبير آخر تكون جميع الالتزامات في مجال الإنتاج والخدمات الصناعية التي تقوم بين المؤسستين طبقا لعقد متفق عليه مسبقا وملزم للطرفين، بما يضمن استمرار العلاقة والمنفعة المشتركة، بما فيها تحقيق التنافسية وتقليل تكاليف الإنتاج.
وتعتبر الدكتورة هدى باغلي، المناولة معادلة مكونة من طرفين أساسيين، لا يمكن الحديث عن عملية مناولة دون توفرهما، يتمثلان في وجود طرف مصدر للأمر، غير قادرة على إنتاج خدمة أوسلعة معينة تقوم شركة أخرى بتوفيرها وفق عقد شراكة ودفتر شروط يحدد مختلف تفاصيل الصفقة، خاصة ما تعلق بمعايير الجودة ونوعية المنتج وآجال التسليم. حيث تمتلك المؤسسة المناولة كل الصلاحيات كفاعل اقتصادي له الحق في حيازة سجل تجاري أووسم مؤسسة ناشئة، حسب ما نص عليه القانون الجديد للصفقات العمومية 23/12 المؤرخ في 02 أوت 2023.
تكيف تشريعي يكرس المناولة
وقد لخصت أستاذة الاقتصاد مجال المناولة في سلسلة إنتاج متكاملة، بدءاً من المواد الأولية إلى المواد الثنائية من منتجات صغيرة ومتوسطة لتحقيق في آخر السلسلة المنتج النهائي، حيث تلجأ كبرى المؤسسات الوطنية مثل سونطراك، سونلغاز، اتصالات الجزائر وغيرها، إلى المناولة لتسريع إنتاجها من السلع والخدمات. كما عرجت المتحدثة إلى مختلف المراحل التشريعية التي مر بها نشاط المناولة بالموازاة مع تلك التي مر بها الاقتصاد الوطني، بداية من احتكاره من طرف المؤسسات الاقتصادية الكبرى إلى مرحلة الانفتاح سواء على الأسواق المحلية أوالعالمية، مما ضاعف من مستوى التنافسية بين الفاعلين الاقتصاديين وشجع الابتكار لتحقيقها. حيث تم تخصيص مجموعة من النصوص من طرف المشرع الجزائري، تقول باغلي، تضمنها صراحة القسم السادس من المرسوم الرئاسي 15/247، المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية وتفويضات المرفق العام، ليتدعم النشاط المناولاتي بعد ذلك بجملة من الامتيازات جاء بها قانون الصفقات العمومية الجديد 23/12، تضمنتها المادة الخامسة المتعلقة بضمان نجاعة الصفقات العمومية والاستغلال الحسن للمال العام، تلخصت في ثلاث نقاط أساسية، حسب المتحدثة، هي حرية الوصول إلى الطلبات العمومية، المساواة في معاملة المترشحين وكذا شفافية الإجراءات مما سينعكس بالإيجاب على عملية تسهيل المناولة.
حيث أن المرسوم الرئاسي 15/247 المتعلق بتنظيم الصفقات العمومية، رغم تطرقه إلى أهم الشروط الواجب أن يتضمنها عقد المناولة، وتحديده للمجال الرئيسي لتنفيذ عقد المناولة، إلا أن نصه التشريعي لم يتضمن كلمة “مناولة” صراحة، خاصة وأن عقد المناولة يعتبر آلية لتنفيذ مشاريع الدولة، نظرا لأهميتها. وهوما تم تداركه في قانون الصفقات العمومية الجديد 23/12، حيث اهتم المشرع الجزائري من خلاله بالتطورات الجديدة التي يعرفها المشهد الاقتصادي والأهداف التي تطمح الجزائر إلى تحقيقها على المستوى الاقتصادي، خاصة ما تعلق بالتحرر من التبعية الاقتصادية، وذلك بإقراره بضرورة تضمن عقد المناولة، الحق في الولوج إلى الصفقات العمومية. كما نص القانون الجديد للصفقات العمومية على أن طلب المنافسة يقوم وفقا لإجراء طلب العروض وفق القاعدة العامة أووفقا لإجراء تفاوض الاستثناء، من خلال التفاوض المباشر أوبعد الاستشارة بشأن الأسعار وشروط تنفيذ الصفقة العمومية مع متعامل اقتصادي واحد دون الدعوى الشكلية إلى المنافسة، وفي هذا الإجراء محل التسميات السابقة التراضي البسيط أوالتراضي بعد الاستشارة.
التنافسية والابتكار عبر المناولة
وفي شق متصل تطرقت هدى باغلي إلى الجزء المتعلق بمكافحة الفساد، حيث نص القانون على إعداد مدونة أدبيات وأخلاقيات المهنة الموجهة للأعوان العموميين المتدخلين في تحضير وإبرام ومراقبة الصفقات العمومية. ومن بين التدابير التي جاء بها قانون الصفقات العمومية الجديد، استحداث المجلس الوطني للصفقات العمومية يودع لدى وزير المالية، تتمثل مهامه في الاستشارة، المساعدة، الدراسة وفحص المسائل ذات الصلة بالصفقات العمومية مع إبداء الرأي. من جهة أخرى، تابعت المتدخلة، وبهدف دعم وترقية الإنتاج الوطني، ألزم ذات القانون المصالح المتعاقدة بتخصيص الصفقات العمومية لصالح المؤسسات الصغيرة جدا والمؤسسات الناشئة الحاملة لوسم “لابل مؤسسة ناشئة”، والمؤسسات التي يشغلها عمال من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة في حالة قدرتها على تقديم خدمات في حدود 20% على الأكثر من الطلب العمومي.
وعن القيمة المضافة التي تقدمها المناولة للاقتصاد الوطني، تضم الخبيرة في الابتكار رأيها لرأي الخبراء الاقتصاديين، ليكون الإجماع على أنها ذات أهمية بالغة في إعطاء دفعة للاقتصاد الوطني عبر تحقيق التنافسية ودعم القطاع الصناعي والخدماتي، إضافة إلى تطوير الخدمات ورفع مستوى الجودة على مستوى الأسواق المحلية والعالمية. على ذكر الأسواق الخارجية، أضافت المتحدثة أنه بالإمكان اللجوء إلى الخبرات والكفاءات الأجنبية، من خلال التعاقد مع مؤسسات ومكاتب دراسات لتقديم خدمات ذات جودة عالمية. مما سيسمح بتحقيق أسلوب اقتصادي استراتيجي، مبني على سلسلة الإنتاج وعلى بعث الابتكار على مستوى المنتجات الصناعية، ما يجعلها مؤهلة للترشح لتصدر قائمة الصادرات وبروز منتجات “صنع بالجزائر” بالأسواق المحلية والخارجية الإقليمية والإفريقية، خاصة وأن الجزائر تعتبر في الآونة الحالية طرفا فاعلا في الأسواق الإفريقية بتطلعات أوسع للتوغل في العمق الإفريقي تجاريا.