تشهد القضية الصحراوية هذه الأيام زخما كبيرا بالتزامن مع جولة المبعوث الأممي “ستيفان دي ميستورا “إلى المنطقة، والزيارة التي باشرها قبله نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، “جوشوا هاريس”، وذلك في إطار الجهود المبذولة للدفع بالعملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية.
المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية،” ستافان دي ميستورا”، شرع الاثنين في جولته التي استهلّها بزيارة إلى الأراضي الصحراوية المحتلة هي الأولى من نوعها منذ تعيينه في أكتوبر 2021، ليزور كذلك المغرب ويلتقي بالمسؤولين في الجزائر وموريتانيا على اعتبار البلدين جارين ويحظيان بصفة الملاحظ في الملف الصحراوي.
وعلى ضوء نتائج لقاءاته واجتماعاته، سيصيغ دي ميستورا تقريره الذي سيعرض أمام مجلس الامن الدولي في شهر أكتوبر القادم، والذي يتطلّع الجميع إلى أن يخرج بقرار يدعم العملية السياسية الأممية في الصحراء الغربية ويفضي إلى تحريك المياه الجامدة وفرض تسوية عادلة تنهي الاستعمار بآخر دولة في القارة السمراء.
جولة المبعوث الاممي، سبقتها زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الامريكي، “جوشوا هاريس”، الذي التقى المسؤولين الصحراويين يتقدّمهم الرئيس إبراهيم غالي، وجدّد لهم دعم الولايات المتحدة الكامل للعملية السياسية الأممية في الصحراء الغربية حتى الوصول إلى حلّ سياسي عادل يضمن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
كما حلّ الوزير الامريكي بالجزائر، وأجرى مباحثات استعرضت سبل وآفاق دعم الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لتحقيق حل سياسي لقضية الصحراء الغربية، إلى جانب مستجدات الأوضاع في منطقة الساحل وغرب إفريقيا.
ودعا “هاريس “بالمناسبة، إلى التحلي بروح التسوية والواقعية، وشدد على أهمية الدعم الكامل والتشارك مع مبعوث الأمم المتحدة “ستيفان دي ميستورا”، في الجهود لتحقيق حل سياسي دائم لشعب الصحراء الغربية.
موقف واشنطن مع الشرعية
قبل إصدار قرار مجلس الأمن المرتقب في نهاية أكتوبر القادم، وتجديد عهدة بعثة “مينورسو”، كثّفت واشنطن جهودها في ملف الصحراء الغربية، مجدّدة التأكيد على دعمها الكامل للعملية السياسية الأممية في الصحراء الغربية التي يقودها “دي ميستورا”، أي دعم التسوية على أساس القرارات الدولية والحل التفاوضي بما يضمن حق تقرير المصير بالنسبة للشعب الصحراوي، وليس، كما يزعم المخزن، دعم مخطّطه الإستعماري المسمى”الحكم الذاتي “، فالولايات المتحدة الأمريكية وعكس أوهام المغرب، مازالت متمسّكة بالشرعية الدولية فيما يتعلّق بتسوية القضية الصحراوية، وإدارة بايدن لم تلتفت مطلقا إلى قرار ترامب الأحادي المخالف للقوانين الدولية، بل لقد اعتبرته لا حدث، وهاهي تتحرّك في اتّجاة حلّ القضية الصحراوية بالشكل الذي يضمن التسوية العادلة والنهائية.
جولة لتحريك المياه الراكدة
وإذا كانت زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الامريكي قد أعطت دفعا للقضية الصحراوية، فإن جولة “دي ميستورا”، وهي الثالثة منذ تعيينه، حيث سبق أن حل بالمنطقة مرتين خلال عام 2022، تكتسي أهميّة كبيرة، أوّلا، بالنظر إلى أنّها ستفضي إلى صياغة القرار الاممي المرتقب الذي يتمنى الجميع أن يضع حدّا لمسلسل الجمود والتعطيل المفتعل لتسوية آخر قضية تصفية استعمار في القارة السمراء، وثانيا، لأن جولة المبعوث الأممي شملت لأوّل مرّة الأراضي الصحراوية المحتلة، حيث وجد الاحتلال المغربي نفسه مجبرًا على الرضوخ أمام الضغوط الدولية والقبول بالزيارة، بعد أن عرقلها السّنة الماضية حتى يمنع “دي ميستورا” من الاطّلاع على الوضع البائس الذي يعيشه الصحراويون تحت نير احتلاله، وحتى يمنع الصوت الصحراوي المطالب بتقرير المصير والحرية من بلوغ مسامع الوفد الاممي.
بلوغ “ديميستورا” الأراضي المحتلة ولقائه الصحراويين المضطهدين في بلادهم وأيضا النشطاء الحقوقيين والمنظمات الصحراوية التي تطالب بالاستقلال، شكّل ضربة قاصمة لأطروحة المغرب التي يروجها بشأن “حسم” قضية الصحراء الغربية، ونسف مغالطاته للرأي العام بما يسمى “الاعترافات” بالسيادة المزعومة على الصحراء الغربية المحتلة، كما أن وقوف البعثة الأممية شخصيا على قمع جلاّدي نظام المخزن للمتظاهرين الصحراويين الذين خرجوا في مدينة العيون المحتلة، بعث برسالة قوية عن شكل الاستبداد الذي يمارسه الاحتلال المغربي من جهة، وتصميم الصحراويين وإصرارهم على مواصلة النضال من أجل الحرية والاستقلال من جهة ثانية.
وقد قمعت قوات الاحتلال المغربي وقفة احتجاجية سلمية نظمتها مساء الاثنين جمعيات حقوقية صحراوية بالعيون المحتلة للمطالبة بالحق في الاستقلال وتقرير المصير، تزامنا مع زيارة المبعوث الأممي، وأدى التدخل العنيف إلى إصابة مواطنين صحراويين بجروح متفاوتة الخطورة ومطاردة المتظاهرين في مختلف شوارع وأزقة المدينة.
كما قامت قوات الاحتلال بضرب وسحل النساء، والإعتداء لفظيا على المتظاهرين باستعمال عبارات عنصرية تنمّ عن الحقد والكراهية.
ووثقت أشرطة فيديو مشاهد من محاصرة قوات الاحتلال المغربي للنشطاء الصحراويين لمنعهم من الاقتراب والتحدث الى “دي ميستورا” الذي شاهد بأمّ أعينه كلّ الخروقات المغربية على المباشر، وسيدوّنها في تقريره بكلّ تأكيد.
الكرة في ملعب مجلس الأمن
الأمم المتحدة حدّدت أهداف جولة “دي ميستورا “ بوضوح، وأوضحت في بيان، أن مبعوثها “يتطلع للقيام بزيارات الى المنطقة وعقد اجتماعات مع جميع الاطراف المعنية قبل نشر تقرير الأمين العام “انطونيو غوتيريش” بمجلس الامن الدولي في شهر أكتوبر”.
وأضافت أن “ دي ميستورا يأمل في أن يعمق أكثر المشاورات مع جميع الاطراف المعنية حول آفاق إحراز تقدم بناء للمسار السياسي بالصحراء الغربية خلال هذه الالتزامات الإقليمية”.
كما يعتزم المبعوث الأممي “تقديم تقارير عن زياراته والتزاماته للأمين العام الاممي وكذا لمجلس الامن في شهر أكتوبر المقبل”.
زيارة “دي ميستورا” محدّدة الأهداف كما نرى، ونتائجها ستظهر من خلال التقرير الذي سعرض الشهر القادم أمام مجلس الأمن الدولي وأيضا من خلال القرار الذي سيصدره هذا الأخير بشأن القضية الصحراوية، ومن هذا المنطلق تكتسي جولة المبعوث الأممي إلى المنطقة أهمّية خاصة، إذ يعوّل عليها لنقل الحقائق على الأرض وإنصاف الشعب الصحراوي بقرار عادل يقرّ حلّا نهائيا لقضيّة تنشد التسوية منذ 1975.
المطلوب من “دي ميستورا” صياغة تقرير لا يستنسخ التقارير الجوفاء السابقة، ولا يزيّف الوقائع أو يطمسها، بل يتضمّن الحقائق كما هي دون انحياز لطرف من طرفي النزاع، أوسعي لقتل القضية بالتقادم.
وقد كان الرئيس الصحراوي السيد إبراهيم غالي شدّد على أن نجاح “دي ميستورا” في مهمته “يعتمد بشكل كبير على مدى دعم مجلس الأمن له، وخاصة الدول الفاعلة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، بالنظر إلى تجارب من سبقوه والذين تعثرت جهودهم بسبب إحجام مجلس الأمن عن الرد الحازم على عرقلة دولة الاحتلال وتملصها من التزاماتها”.
كما شدد على أن “الدعم الحقيقي والعملي لجهود المبعوث الشخصي يستلزم وجوبا خلق الظروف اللازمة لتمكين بعثة المينورسو من تطبيق مأموريتها التي كلفها بها مجلس الأمن طبقا لخطة التسوية الأممية-الإفريقية لعام 1991”.
وبالمناسبة، أكدت جبهة البوليساريو مجددا، تعاونها التام والبناء مع جهود الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في سبيل التعجيل بتصفية الاستعمار من الصحراء الغربية عن طريق ممارسة الشعب الصحراوي لحقه غير القابل للتصرف وغير القابل للمساومة وغير القابل للتقادم في تقرير المصير والاستقلال، طبقا لقرارات الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ذات الصلة.
المطلوب قرار عادل ونهائي
كما سبق وقلنا، المنتظر بعد جولة المبعوث الاممي الى المنطقة، هو مصادقة مجلس الامن الدولي في نهاية أكتوبر القادم على قرار حازم وحاسم يجبر الاحتلال المغربي على الرضوخ للشرعية الأممية، ويفتح الطريق أمام الصحراويين قصد ممارسة حقّهم المشروع في اختيار مستقبلهم عبر استفتاء حرّ ونزيه.
ونقولها صراحة، لا نريد أن يتكرّر ما حصل السنة الماضية، حيث تبخّرت آمال الصحراويين في الهواء بعدما اكتفى المجلس الدولي بإصدار قرار أجوف لا يقدّم ولا يؤخّر شيئا، حيث اعتمد– كما جرت عليه العادة- تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية «المينورسو» إلى غاية 31 أكتوبر 2023، ودعا إلى إيجاد حل سياسي مقبول من الطرفين على أساس التوافق، وحثّ على العودة إلى طاولة المفاوضات التي عقّدت آخر مرة في عام 2019، وأعلن دعمه لجهود المبعوث الخاص للصحراء الغربية “ستيفان دي ميستورا”، ولم يشر بالمرّة إلى استفتاء تقرير المصير الذي يعتبر مفتاح الحلّ الوحيد للقضية الصحراوية، ولا إلى تمديد ولاية البعثة الأممية لتشمل مراقبة حقوق الانسان، وهو المطلب الملح الذي بات يتكرّر كل يوم، بسبب الانتهاكات الرهيبة التي يمارسها الاحتلال المغربي في حقّ الشعب الصحراوي.
لا لتجميد القضية قصد قتلها
لقد عقد مجلس الأمن الدولي خلال شهر أكتوبر من العام الماضي 2022 أربع جلسات لمناقشة تطورات القضية الصحراوية، وصادق على القرار رقم 2654 الذي حصل على تأييد 13 دولة، فيما امتنعت كينيا وروسيا عن التصويت عليه لاعتباره غير متوازن. وبالفعل لقد كان القرار غير متوازن ولا يحمل أي جديد يمكنه أن يدفع باتّجاه تسوية آخر قضية تصفية استعمار في القارة الإفريقية، فقد اكتفى كما قلناه سابقا، بتمديد مهمة «مينورسو»، والدعوة لاستئناف المفاوضات، ما أثار غضب وسخط جبهة البوليساريو التي أصدرت بيانا أشارت فيه بصراحة إلى «فشل مجلس الأمن مرة أخرى في تحريك عجلة التسوية السلمية في الصحراء الغربية، وفي وقف المحاولات العدوانية والمتواصلة من جانب دولة الاحتلال المغربي لفرض الأمر الواقع بالقوة في المناطق الصحراوية المحتلة، وهذا، كما أضافت، لا يترك للشعب الصحراوي أي خيار آخر سوى مواصلة وتكثيف حدة كفاحه المسلح المشروع للدفاع عن حقه غير القابل للتصرّف وغير القابل للمساومة».
كما أكّدت البوليساريو من جديد وبقوة على أن «الشعب الصحراوي سيواصل استخدام جميع الوسائل المشروعة، بما في ذلك الكفاح المسلح، للدفاع عن حقوقه غير القابلة للتصرّف وغير القابلة للمساومة في تقرير المصير والاستقلال واستعادة السيادة على كامل تراب الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”.
وعكس الطرف الصحراوي، فإنّ الاحتلال المغربي هلّل للقرار رقم 2654 واعتبره نصرا كبيرا، طبعا بعد أن أحاطه بمغالطات ومزاعم بعيدة كلّ البعد عن الواقع والحقيقة.
لقد زعم المغرب، أن قرار مجلس الأمن جاء منسجما مع مواقفه، وداعما لطرحه الاستعماري الأحادي، أي ما يسمى بمخطّط «الحكم الذاتي» الذي فصّله على مقاسه خارج الشرعية الدولية، وككلّ مرّة حاول المغرب، إقحام الجزائر مع أنّ القرار لم يذكرها بالمرّة.
ومن جملة المغالطات التي ساقها المغرب حول محتوى القرار 2654، هو تعمّده طمس التسمية الحقيقية للبعثة الأممية، التي تحمل بين طياتها مصطلح تنظيم استفتاء في الصحراء الغربية، والاكتفاء بمصطلح المينورسو.
ثم الترويج لمعلومات زائفة حول احتواء قرار مجلس الأمن لبند يدعم ما يسمى “الحكم الذاتي”، وهي كذبة كبرى يحاول الاحتلال خداع نفسه بها، فالقرار الأممي على العكس تماما شدّد على الحلّ التفاوضي المقبول من الطرفين، ولم يشر ولو ضمنيا إلى المخطّط الاستعماري المغربي.
أما الادّعاء الكبير، فهو زعم المغرب، أن القرار الأممي شمل بندا يدعو الجزائر وموريتانيا للجلوس إلى طاولة مستديرة مع طرفي النزاع، والحقيقة أن هذا النص من وحي خيال المخزن الذي يصرّ دائما على إقحام الجزائر كطرف في القضية الصحراوية مع أنها مجرّد جارة تناصر القضايا العادلة وتدافع عن الشرعية الدولية التي يخشاها المغرب.
فالفقرة الرابعة من القرار تنصّ بوضوح على دعوة الطرفين إلى استئناف المفاوضات تحت رعاية الأمين العام الاممي دون شروط مسبقة وبحسن نية بهدف التوصّل الى حلّ سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين في إطار تقرير مصير الشعب الصحراوي.
يبقى في الأخير أن نشير إلى أن الزخم الذي تعرفه القضية الصحراوية هذه الايام، يجب أن يتوّج بقرار أممي عادل ونزيه يفرض حلّا عن طريق الاستفتاء الذي سبق وأن أقرّته اللوائح الأممية منذ عقود طويلة، وتبقى الكرة في مرمى دي ميستورا ومجلس الامن الدولي لوقف المسكّنات التي يصفونها للصحراويين، وتقديم العلاج المناسب الذي لن يكون غير الاستقلال.