خطّت السيدة سعيدة نغزة نصا بائدا ومتنكرا لكل الإصلاحات التي بادرت بها البلاد منذ سنة 2020 من أجل تصويب مالية الدولة، تجنبا للوقوع بين أيدي صندوق النقد الدولي، والتي ساهمت في تعزيز الإنتاج الوطني لبلوغ قيمة 13 مليار دولار من الصادرات خارج المحروقات في آفاق 2024/2023.
انتهى زمن ابتزاز جماعات ضاغطة ولوبيات والأوليغارشية للدولة
في مساهمة لها بأسلوب منمق، ومن باب المفارقة، جعلت السيدة سعيدة نغزة من نفسها ناطقا رسميا باسم مصالح، تزعم أنها هي من تحارب مصالح النظام القديم، أو بالأحرى مصالح «العصابة» التي تفنّنت في سرقة أموال الشعب، والمطالبة بالحق في الحصول على أملاك في الخارج بواسطة تحويلات غير قانونية نابعة من نفس الأموال المحصلة من تضخيم الفواتير.
ومن خلال هذه الرسالة، المتداولة بشكل واسع على وسائط التواصل الاجتماعي، مع تجاوز ما هو متعارف عليه في المراسلات الموجهة لرئاسة الجمهورية، تبقى الحجة الرئيسية للسيدة نغزة مدعومة بنفس الرفض للتغيير، والهوس المرضي لقوى الأموال القذرة التي لا تريد الاستسلام.
وتنبض هذه الرسالة التي تحنّ للنظام القديم بنوايا مؤلفيها الحقيقيين، من خلال سعيهم للإبقاء على الركود، كما أنها توضح في ذات الوقت عدم دراية مؤلفيها التام بالتحولات العميقة التي تشهدها الجزائر.
إن المتعاملين الاقتصاديين ومسيري الدولة كلهم يعرفون هذه الشخصية وقلة صيتها، وكذا ميولها إلى كل أمر أجنبي ودولي. فالوقوف بمظهر المدافع عن الاقتصاد الجزائري ورجال الأعمال والمواطنين برمتهم، هو أمر تجرأت عليه السيدة نغزة، واعتادت عليه الى أن صار صفتها الأساسية.
السيدة تقصي نفسها بنفسها من النقاش الاقتصادي الهادف والمتجانس
وللخوض في مقامات أكثر رأفة بالنسبة للسيدة، التي نصبت نفسها رئيسة للكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، هناك مؤسسات أخرى في الجزائر الجديدة، جديرة بأن ترفع عاليا الانشغالات الاقتصادية والاجتماعية، على غرار مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري والمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي دون الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية وإن اتخذت رئيستها من «القرب» من أصحاب القرار «جسورا» لها وسجلا تجاريا وقوة تسويق خاصة بها.
كما يظهر المضمون الفارغ الذي تقدمه هذه الرسالة والبعيد كل البعد عن التطورات الحاصلة في العالم، أن هذه السيدة تقصي نفسها بنفسها من النقاش الاقتصادي الهادف والمتجانس.
وكمثال، فإن تهجمها اللاذع حول ارتفاع الأسعار، لاسيما أسعار المنتوجات الأساسية، كالعجائن والزيت والسكر ومركز الطماطم وغيرها، يعتبر مثالا عن جهلها للحقائق الاقتصادية. فهذه المنتوجات لم تعرف ارتفاعا في الأسعار، ما عدا اللحوم التي سمح باستيرادها، على مدار السنة، لكبح الأسعار. أما بخصوص مادة الزيت، فالجزائر تنتج حاليا هذا المنتوج، بمعدل يفوق ثلاث مرات احتياجاتها، وتصدر منها أيضا كميات كبيرة، في حين لم ترتفع أسعار السميد والدقيق اللين، لأن الدولة تواصل دعم هذه المنتوجات، حفاظا على القدرة الشرائية للمواطن على وجه التحديد.
ومقارنة بعديد الدول التي تعرف تضخما قياسيا، مع ارتفاع أسعار غالبية المنتوجات والمواد الأساسية، تبقى الأسعار في الجزائر منخفضة. إن هذه العريضة تذكرنا، بشكل غريب، بمنظمة وهمية «للدفاع عن المستهلكين»، تدافع عن كل شيء عدا المستهلك. بل هي منظمة تدافع فقط عن ملف السيارات ورخص استيراد المركبات.
لماذا ينزعج هؤلاء لما تقرر الدولة استرجاع أموال الشعب؟
لكن بعض المسائل تصبح موضع شك عندما يتعلق الأمر بملف تضخيم الفواتير! فما الذي يزعج السيدة نغزة وأتباعها لما تقرر الدولة استرجاع أموال الشعب؟ أليس استرجاع هذه الأموال أحد المهام الرئاسية، حيثما كانت ولدى أيّ كان؟
هناك مؤسسات أخرى في الجزائر الجديدة جديرة بأن ترفع عاليا الانشغالات الاقتصادية والاجتماعية
بل واحتراما للالتزام أمام الشعب، ينبغي القول إن هذا المال يجب أن يسترجع وسيتم ذلك ولو كره رؤساء المؤسسات الرافضون والمعاندون، لأن غالبية المتعاملين الاقتصاديين نزهاء ووطنيون. كما أنه، بفضل هؤلاء المتعاملين النزهاء والوطنيين، سترفع الجزائر التحدي لتصدير 13 مليار دولار خارج قطاع المحروقات في 2023.
أما بخصوص أولئك الذين يمضون في الحيل وتضخيم الفواتير: لن تسمح لهم الدولة بذلك. وبالتالي، فرسالتهم تهدف فحسب إلى رد الاعتبار لأولئك الذين نهبوا أموال الشعب بتواطؤ القوى غير الدستورية آنذاك.
إذن، لماذا هذه الرسالة في هذا الوقت تحديدا، إن لم تكن نسخة محسّنة للضغوطات التي تذكر بزمن مضى، حين كانت جماعات ضاغطة ولوبيات والأوليغارشية يبتزون الدولة، مثل الهيئات المفترسة كمنتدى رؤساء المؤسسات السابق الذي تم إزالته بفضل الحراك المبارك أولا، ثم بفضل رئاسيات 2019.
لكن المتمم لكل ما ذكر من هاته الرسالة الغريبة، هو الاقتراح الذي تقدمت به السيدة نغزة، بندائها وبدون حياء الى إعادة تفعيل الثلاثية. هاته الثلاثية الشهيرة التي دامت عقدين من الزمن والتي كانت مسرحا لتمزيق الاقتصاد الوطني والمؤسسات العمومية. هاته التمثيلية التي كانت أداة لاختلاس وبيع المؤسسات العمومية. ويجدر التذكير بوصف السيدة نغزة للثلاثية في 2016 «بالتجربة الرائعة في مجال الحوار والحماية الاجتماعية» وها هي الآن تدعو بل تطالب بعودتها، في حين أن الجزائر اختارت طريقا وتتجه نحو البروز الاقتصادي.
فمن خلال الثلاثية، تم بيع عديد مؤسسات القطاع العمومي التجاري لأوليغارشية منتدى رؤساء المؤسسات. ومن خلال الثلاثية، تم توزيع مال طباعة النقود على منتدى رؤساء المؤسسات. فقد كلفت الثلاثية ملايير الدولارات للخزينة العمومية. السيدة نغزة لا تقترح في هذيانها اللامتناهي للدولة إلا اللعب مجددا «بالمونوبولي» بمال الشعب لصالح أوليغارشيين آخرين.
ومنذ حلول الجزائر الجديدة، لم تبخل أبدا الدولة ولا رئيسها بالسماع الى المهملين والى الذين لا صوت لهم وبتفضيل المقترحات الأكثر بناءة والأكثر وطنية.