صدر للكاتب والناقد السينمائي الجزائري جمال محمدي مؤلفا جديدا عبارة عن دراسة تؤرخ لشق هام من عمر ومسار السينما في الجزائر عنوانه: “التجربة السينمائية الجزائرية الايطالية-النهاية المفتوحة”. الكتاب الجديد صادر عن شركة الطباعة والنشر الجزائرية SIA Edition وبدعم من وزارة الثقافة والفنون، وسيكون حاضرا بجناح SIA Edition خلال الصالون الدولي للكتاب بقصر المعارض نهاية شهر أكتوبر القادم.
انطلق الكاتب والناقد السينمائي جمال محمدي في إعداد كتابه الجديد “التجربة السينمائية الجزائرية الايطالية-النهاية المفتوحة” في محاولة منه لتسليط الضوء على تجربة ثرية جمعت بين الجزائري وإيطاليا في مجال الفن السابع حيت شكلت الجزائر فضاء الكثير من الأفلام الايطالية الخاصة أو المشتركة.
وقال محمدي في هذا الصدد أنه “ بالرغم من البلاتوهات السينمائية والأفلام الايطالية الكبيرة التي تم تصويرها بالفضاءات الجزائرية وحفلت بها أزقتها ودروبها وحاراتها المتعددة لاسيما ببوسعادة، وحي القصبة على وجه الخصوص، لفترة تمتد لأكثر من ثلاثين عاما من التصوير السينمائي الايطالي-الجزائري المشترك، واحتضان الجزائر لبلاتوهات تصوير لأفلام ايطالية (1964)- (2020) والوجوه والشخصيات الفنية والسينمائية الشهيرة التي نزلت ضيوفا على فضاءات الجزائر السينمائية المتنوعة، إلا أنه وبكل أسف لا توجد إلى اليوم مراجع كثيرة، أو كتب تؤرخ لهذه التجربة السينمائية الاستثنائية إلا نادرا، وفي مواضع قليلة بالصحف الوطنية، أو الأجنبية، وفي إشارات بسيطة بين طيات الكتب، وبعض المواقع على الانترنت، التي احتفظت بذاكرة التصوير السينمائي الايطالي بالجزائر كفضاء مميز للتصوير السينمائي”. كما أنه لا يوجد إلى اليوم سواء بمدينة بوسعادة التي احتضنت تصوير أول فيلم ايطالي متكامل بها عام 1964 ونعني به فيلم “تجار العبيد” (Les Marchans des Eclaves) للمخرج انتونيو مارغاريتي (Antonio Margheriti) (1930-2002) أو بحي القصبة الذي احتضن وقائع تصوير الفيلم المشترك الجزائري الايطالي الشهير “معركة الجزائر” (La Bataille d’Alger)(1964) للمخرج جيلو بونتيكورفوGillo Pontecorvo (1919-2006) وأفلام أخرى تعد اليوم ضمن تراث وتاريخ هذه التجربة السينمائية.” كنوز سينمائية تبحث عن النور ويتضمن الأمر أيضا عدم وجود “متحف يحفظ ويعرف ذاكرة هذه التجربة الثرية السينمائية الحالمة بامتياز ويبرز دور بوسعادة والقصبة الكبير ليس على السينما الايطالية – الجزائرية وحسب، بل على السينما العالمية على وجه العموم !؟.مع أن بوسعادة والقصبة قد اقترن إسميهما ببداية دخول الفن السابع أرض الجزائر، الذي ارتسمت معالمه منذ العام 1895 وصورت بهما أشهر الأعمال السينمائية العالمية والجزائرية على حد السواء “.
بدايـة الرحلة مع الكتاب
ومن هنا بدأت -يقول الكاتب والناقد السينمائي- في تصريح لـ “ الشعب” :«رحلتي في البحث، وقراءة كل ما كتب، وتم تصويره من أفلام ايطالية سواء ببوسعادة او بحي القصبة منذ 1964 الى يومنا هذا”.
ومن حسن الحظ يضيف محمدي “أننا وجدنا بعد الاطلاع والبحث في الأرشيف الخاص، الذي احتفظت به ذاكرة الأنترنيت لهذه التجربة ما يؤرخ ويوثق للأفلام السينمائية الايطالية المصورة منذ العام 1929، إلى جانب بعض الكتابات والأرشيف الخاص بالأفلام التي تم تصويرها عشية الاستقلال (1964-1989)على قلته من حيث ثراء المادة وتنوعها، مما إستوجب منا جمع ما تيسر من هذا الأرشيف وترتيب موضوعاته، بهدف ترميم وإثراء ذاكرة هذه التجربة الجميلة بين الجزائر وايطاليا”.
فصول ومحطات في الكتاب
وعن فصول الكتاب ومختلف المحطات التي تناولها قال المؤلف “لقد حاولت أن أعرض كتابي هذا عبر مراحل ومشاهد أساسية تتقاسم فيما بينها، وحسب التتابع الزمني للأفلام بحسب الأرشيف المتوفر الذي يعود الى سنة 1895 فيما يتعلق بأول ظهور للسينيماتوغراف في كل من الجزائر المستعمرة وإيطاليا، التي بدأت بصناعة سينمائية قوية اعتبارا من العام 1906”. هذا “في حين تأخرت مدن الجزائر المستعمرة في استقبال التصوير بعض السنوات بتصوير أول فيلم سينمائي روائي خيالي هو فيلم الأطلنطي (l’Atlantide) للمخرج (Jacques Feyder) سنة (1922) في نسخته الأولى، وكانت بوسعادة قد ظهرت في أول فيلم قصير للمخرج الفرنسي روني مورو (René Mauro) في العام 1923 وقد كنت تراني أستعمل الإسقاط في الزمن، والاختصار في العرض”، حسب ما اوضح محمدي مرجعا السبب في ذلك إلى “التوفيق في الربط بين مرحلتين للتصوير السينمائي في الجزائر وإيطاليا.” وتندرج -المرحلة الاولى 1895-1962 ضمن إطار السينما الفرنسية “الكولونيالية” أو ما يعرف بسينما شمال إفريقيا Cinéma de l’Afrique du Nord)) حيث نجد أن الممثلة ماريا جاكوبيني (Maria Jacobini) هي أول ممثلة إيطالية تصور في الجزائر بمشاركتها في فيلم الوالدة كوليبيري (Maman Colibiri)للمخرج جوليان دوفيفيه Julien Duvivier (1929)حتى وإن اختلفت آرائنا بشأن طبيعة ونوعية الأفلام المصورة في هذه الفترة وصورة الجزائري بها، فإنها كانت على أرض الجزائر، وبالتالي لا يمكن إلا اعتبارها تراثا سينمائيا إنسانيا، لأنها في النهاية جزء لا يتجزأ من تاريخ الجزائر، وبكل بساطة لأنها كانت هكذا وهذه هي السينما. وتتعلق المرحلة الثانية من 1964-2020 بالأفلام السينمائية الكبيرة للشراكة الجزائرية الايطالية، او تلك الافلام الايطالية التي كانت الجزائر وجهة مستقبلة وفضاء تصوير ليس مفضل للفنيين الايطاليين. تدوين لسينما ما بعد الاستقلال”.
وكشف محمدي ان هذا الكتاب الذي يضعه بين أيدي القراء والباحثين على حد السواء، “هو محاولة لـتدوين، وحصر كل الأفلام السينمائية الروائية الطويلة والقصيرة التي تم تصويرها في إطار الشراكة الجزائرية الايطالية، وبذلك يكون هذا العمل أول كتاب يجمع، ويصنف، ويؤرخ لهذه التجربة ويرصد تاريخها ونشأتها على أرض الجزائر المستقلة وإيطاليا على نفس المستوى بهدف توثيق وفهرسة هذه الأفلام ومراجعتها بالتصنيف والتدقيق، فيما يتعلق بسنة الإنتاج، والوجوه السينمائية التي ظهرت في هذه الأفلام (مخرجين، وممثلين، أماكن تصوير الخ..) مع ملخصات للمواضيع التي تناولتها هذه الأفلام نظرا للمكانة الخاصة التي تحتلها في قلوب الجزائريين، لخصوصيتها التاريخية والاجتماعية، لكونها أنتجت غداة الاستقلال، وتعد نقطة تحول فاصل في مسار الصناعة السينيماتوغرافية في الجزائر”.
ويحفل الإصدار، بنحو 10 أفلام بين الروائي الخيالي، طويل وقصير، تم تصويرها ببوسعادة والقصبة وفي أماكن متفرقة من فضاءات الجزائر السينمائية في فترات متباينة، كما تم تخصيص ملحق خاص وقائمة إسمية وفهرسة لهذه الأفلام، كما شمل الكتاب التعريف بعشرة (10)مخرجين ايطاليين وجزائريين، ومثله من التقنيين والفنيين ومدراء التصوير ومؤلفي الموسيقى التصويرية الذين كان لهم حضورهم في هذه التجربة التي احتفت بها فضاءات التصوير الجزائرية الممتدة من عام 1929 إلى 2020. ويتضمن الكتاب الجديد ايضا ووفق الترتيب الأبجدي أسماء مع البوم صور ونبذة عن مسار كل المخرجين، والممثلين الذين شاركوا في تلك الأفلام.
محاكاة لتجربـة سينمائية استثنائية
وحسب تصريحاته فقد حاول محمدي “قدر المستطاع وبشكل منهجي وصفي تاريخي، التعامل مع موضوع يتعلق بالفن السابع بالجزائر، وعن تجربة سينمائية إستثنائية في الجزائر”. فعندما نذكر -يشير- “مخرجين إيطاليين كبار أمثال برناردو برتلوتشي، وانطونيو مارغريتي، وجيلو بونتي كورفو، واينيو لورانزيني، وماريو مونيسلي، ولوتشينو فيسكونتي، وإدوارد مولينارو، وسيرجيو سبينا، ووانزو بيري، من المخرجين الإيطاليين وموسى حداد، ومحمد زينات، من المخرجين الجزائريين وعندما نذكر كذلك أشهر نجوم السينما العالمية والجزائرية أمثال مارسيلو ماستروياني، وكيرك موريس، وفيتوريو غاسمان، وماريا جاكوبيني، وحسان الحسني، وكل السينمائيين الذين عانقوا يوما ما أحضان الفضاءات السينمائية الجزائرية، فإننا بالتأكيد بصدد سرد قصة تجربة سينمائية جزائرية ايطالية متفردة وشابة عمرها اليوم أكثر من قرن تركت نهايتها مفتوحة لم تكشف عن كل أسرارها بعد”.