يؤكّد القاص والشاعر مبسوط محمد عبد المجيد على وجوب العناية الفائقة بالمساحات والأرصدة الثقافية بما تعتبره كنزا تاريخيا لا ينضب بل جعلت منها منابعا للمداخيل الاقتصادية الضخمة المتجددة، والتي تعتمد عليها في ميزانياتها السنوية، ولهذا القصد أنشئت المؤسسات الثقافية والهياكل الرسمية للمحافظة عليها، ومتابعة حمايتها وبرمجة النشاطات الثقافية التي تناسبها.
وانطلاقا من هذا الطرح يعبر من خلال هذا الحوار عن آرائه في أحوال الموقف المحلي، وعلاقته مع المؤسّسات الثقافية.
الشعب: ما هي نظرتك لواقع الثقافة والمثقف في الجزائر ودور الهياكل المؤسّساتية في تعزيز العمل الثّقافي؟
الشّاعر مبسوط محمد عبد المجيد: إيمانا منها بقيمة وأهمية الثقافة ومكانة المثقف في المجتمع، أسّست الدولة وزارة مستقلة بذاتها وبميزانية معتبرة هدفها الأسمى والوحيد الدفاع عن الهوية الثقافية وحمايتها وتطويرها، والسعي الى القراءة التاريخية لكل ما هو متعلق بثقافة الجزائريين وتاريخهم العريق بداية بالحضارات المتعاقبة من وندالية الى أمازيغية إلى تأريخ لفترة الفتوحات الاسلامية والحضارة العثمانية مرورا بفترة الاستعمار الغاشم وفترة استبداده، والتأريخ لمرحلة النضال السياسي والعسكري، وبطولات أبناء هذا الشعب المسجلة بماء الذهب وبدماء أحراره.
ما هو دور المؤسّسات الثّقافية في تعزيز الفعل الثّقافي المحلي؟
وزارة الثّقافة والفنون وبصفتها هيئة رسمية خاضعة لقوانين الدولة وحاملة لطموحاتها وهمومها ومتابعة لمسارها وزّعت فروعها على مختلف ولايات الوطن وبلدياته، من خلال مديريات الثقافة والفنون ودور وقصور الثقافة والمكتبات الرئيسية، وكلّها مؤسسات فرعية لها ميزانياتها لتفعيل الثقافة على المستويات المحلية، وتشجيعها وتطويرها، ومساعدة المثقفين وتدعيمهم.
لا توجد منطقة في البلد الفسيح لا تمتلك مثقفين إن لم نقل من المستوى الرفيع من أقصاه إلى أقصاه، ففي كل شبر يعيش الحضور الثقافي للأشخاص وللتاريخ حضورا أو غيابا أحياء أو أمواتا؛ بل ما نراه من أعمال إبداعية تكاد تكون يومية لمبدعين شباب يجعل من الأمر الثقافي واقعا يوميا نستلذ به ونستمتع بعبقه.
أسماء إبداعية شابة تستحق الاهتمام والدعم حلّقت عاليا، وأسماء إبداعية كبرى لا يجهلها إلا جاحد، وغيرهم كثيرون لا يحصيهم كتاب. هاته الأسماء وغيرها ساهمت ولا تزال تساهم في صنع الفعل الثقافي المحلي بقوة، وتنحت من صخور الواقع أملا أن تستظل به في سبيل تعزيز الواقع المحلي ودفعه.
هل تقدّم المؤسّسات الثّقافية فعلا ما يجب عليها تجاه الثّقافة والمثقّفين المحليّين؟
رغم أنّ ميزانيات الهياكل الثقافية متقاربة لبعض الولايات، إلاّ أنّنا نرى ولايات لا تكاد تنهي نشاطا أو تظاهرة إلا وتنطلق في أخرى؛ في حين أنّ بعض الهياكل يكاد العنكبوت يضرب عليها، وتمر السنوات دون نشاط يقدّم لرمزية المكان أو الزمان.
أين هو الخلل وكيف يمكن تصويبه؟
عشرات المبدعين سنويا يسعون الصفا والمروة بين دور النشر لطبع أعمالهم الإبداعية سواء كانت متميزة أو غيرها لتفرح بخبر أنّ مؤسسات ثقافية في مدن أخرى طبعت أعمال مبدعين؛ فنفس الاعتمادات المالية ونفس الرمزيات التاريخية والبرامج الثقافية المقدمة للوزارة، فأين المثقّف المحلي وأين واقعه الثقافي؟ أسماء ثقافية تنتظر أن تنظر المؤسسات الثقافية المحلية لتاريخها ورصيدها وتحفظه؛ ليتذكّره جيل آخر من المثقفين، ومحاولة لجمع الشتات وكان الأجدر جمع الأصل في وقته.
فهل تحتاج المؤسسات الثقافية من يوصيها بالمثقفين المحلين خيرا؟ أم تحتاج إلى من يذكرها بأن ميزانياتها في الأصل مخصّصة لبرامج ثقافية تساهم في تفعيل الواقع الثقافي ومعالجة الاختلالات؟
نتحدّث اليوم عن الخروج من مركزية التظاهرات والأنشطة الثقافية، وتعميم الاستفاذة منها للجميع، هل تحقّق هذا فعلا؟
إنّ الدولة الجزائرية لم تبخل جهدها في توزيع الاعتمادات المخصصة للنشاطات الثقافية عبر مختلف الولايات، ولم تميز فيها.
كان ما تفضّلت به أعلاه حول الوضع بصفة عامة، فكيف هي أحوال المثقف في غرداية على وجه الخصوص؟ وكيف هي علاقته مع المؤسسات الثقافية؟
لا توجد في صلب العمل الثقافي راحة بل يوجد نضال متواصل ومجهود مستمر، إما لترقية الواقع أو تدعيمه، وهذا حال المثقف عموما وفي غرداية خصوصا. لهذا يعيش المبدع على أمل إبراز أعماله وتثمينها إعلاميا محليا ووطنيا، لهذا نراه يصارع تارة الحياة الاجتماعية ومرات الحياة الثقافية. ففي غرداية نعيش على أمل بعث النشاطات كغيرنا في الولايات الأخرى، خاصة التظاهرات الكبرى كالملتقيات الوطنية والأيام الأدبية التي تجمع النخب الوطنية بالكفاءات المحلية وتزيدها خبرة ومعرفة. أما المؤسسات الثقافية فالمهمة الأساسية هي تفعيل الساحة، وتوفير المناخ الثقافي المناسب.