تبوأ المجتمع المدني مكانة مرموقة وأصبح لصوته صدى لدى مؤسسات الدولة والهيئات التنظيمية، بفضل جهود الدولة في رد الاعتبار لحلقة كانت مغيّبة طيلة سنوات خلت، فرئيس الجمهورية عبد المجيد تبّون نوّه بالدور الذي يقوم به المجتمع المدني وذكره في التزامه الثامن من بين 54 التزام تعهد بها في حملته الانتخابية، فكان الوفاء به خلال أقل من ثلاث سنوات بعد أن مكّن المجتمع المدني من أجهزة وأدوات لم تتح له في تاريخ الجزائر المستقلّة.
ينّص الالتزام الثامن من تعهدات رئيس الجمهورية خلال الحملة الانتخابية «على بناء مجتمع مدني حر ونشيط وقادر على تحمل مسؤوليته كسلطة مضادة وأداة تقييم للنشاط العمومي في خدمة المواطن والوطن»، وها هي صور الالتزام بتعهد الرئيس تتجسد على أرض الواقع، وها هو المجتمع المدني يسير بخطى ثابتة نحو المشاركة في بناء جزائر جديدة وبعيدة عن كل الممارسات السابقة.
ففي سابقة هي الأولى من نوعها وفي أسمى وثيقة في الدولة الجزائرية تناول المشرع الدستوري الجزائري بنوع من السعة والقوة مسألة الديمقراطية التشاركية في الجزائر، وعلى نحو يعكس وجود إرادة سياسية قوية في إشراك المجتمع المدني في صنع القرار محليّا تم تكريس المجتمع المدني لأول مرة دستوريا، وذكر في الديباجة وخمسة مواد كمدخل لتفعيل الديمقراطية التشاركية، وآلية مستحدثة لإشراك المواطن في صناعة وتجسيد القرار المحلي.
وتبعا لما ورد في المادة 16 من التعديل الدستوري 2020 فإن الدولة تقوم على مبادئ التمثيل الديمقراطي، والفصل بين السلطات وضمان الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية وعلى هذا الأساس تشجع الدولة الديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات المحلية، لاسيما من خلال منظمات وهيئات المجتمع المدني التي تسعى إلى تقديم توصياتها وآرائها إلى الجهات الرسمية على المستوى المحلي الوالي ورئيس المجلس الشعبي البلدي خاصة باعتبارها تعكس مباشرة رغبة وتطلعات سكان الوحدات المحلية، بل وشريكا في تجسيد قرارات التنمية المحلية بكل أبعادها.
أهم الخطوات العملية التي عزّزت الإرادة السياسية في تفعيل دور المجتمع المدني تمثلت في استحداث المرصد الوطني للمجتمع المدني كهيئة استشارية لدى رئاسة الجمهورية، وإطار للحوار والتشاور حول القضايا التي تسمح بترقية أداء المجتمع المدني ليتم إثرها تنصيب هيئة المرصد الوطني للمجتمع المدني كسابقة في تاريخ الجزائر.
ويتفق الكثيرون على أن الرؤية المستقبلية للمجتمع المدني تتبنى مجتمعا قويّا وركيزة أساسية لبناء الجزائر الجديدة من خلال ترقية أداء المجتمع المدني وترقية القيم الوطنية والمواطنة والممارسة الديمقراطية كمحاور أساسية في نشاط المجتمع المدني بالإضافة للعديد من المهام التي يتسمح بترقية أداء المجتمع المدني.
وأشاد رئيس الجمهورية في أكثر من مناسبة بالمجتمع المدني ودوره في مواجهة المشاكل اليومية للمواطن، وقال في إحدى لقاءاته مع ممثلي وسائل الإعلام «ألّح على المجتمع المدني لأنه نزيه وأنا ميال كثير للحركة الجمعوية التي تهتم بيوميات المواطنين»، وهي تصريحات عزّزت من معنويات أولئك المتطوعين الذين يفخر بوجودهم رئيس الجمهورية على حد تعبيره، من يضحون بعطلهم الأسبوعية لفائدة المرضى وحماية البيئة.
ولم تتوقف مساعي الحكومة في تعزيز نواياها اتجاه بناء مجتمع مدني قوي عند نصوص أسمى وثيقة في الدولة، بل أكدت ذلك من خلال لتأسيس جمعيات محلية ولجان أحياء معتمدة للنشاط في إطار قانوني لإرساء قواعد جديدة في التسيير على مستوى المحلي، كما أتاحت التسجيل عبر المنصة الرقمية المعدّة لهذه العملية على موقع وزارة الداخلية، ودراسة الملف في أجل لا يتعدى 10 أيام، ما سمح باستحداث عشرات الآلاف من الجمعيات عبر الوطن خلال فترة قصيرة.
ومن جهة أخرى، عملت الجزائر على مشاركة المقاربة التي تعتمدها تجاه المجتمع المدني مع العالم العربي من خلال رهانها على تفعيل دور المجتمع المدني والنخب كمحرك أساسي لتوحيد العمل العربي على أصعدة متعددة وتعزيز العلاقات البينية العربية-العربية، واحتضنت مدينة وهران قبيل انعقاد القمة العربية في الجزائر العام الماضي منتدى «تواصل الأجيال لدعم العمل العربي المشترك»، بمشاركة حوالي 150 شخصا من مسؤولين سامين وناشطين من المجتمع المدني ومؤثرين وشخصيات أكاديمية رفيعة المستوى من 19 دولة عربية.
وفي ذات السياق، تلقى سياسة الدولة اليوم تجاه المجتمع المدني إشادة واسعة من داخل وخارج الوطن، وأوضح مدير مركز الدراسات حول العالم العربي ودول المتوسط في جنيف، حسني عبيدي، في تصريحات سابقة على هامش المنتدى السالف الذكر «أن الجزائر تتبنى مقاربة جديدة للمجتمع المدني، تؤكد على ضرورة إشراكه ومنحه مسؤوليات للتصدي للتحديات المختلفة أمام مجموع الدول العربية».
وتعززت مساعي الدولة في ترسيخ أسس وتقاليد تستهدف تمكين المجتمع المدني من بلوغ هدفه المنشود، من خلال الجلسات الوطنية للمجتمع المدني التي أقيمت نوفمبر الماضي، والتي أكد فيها الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن في كلمة ألقاها على مسمع من الحاضرين المنتسبين لمختلف فعاليات المجتمع المدني «أن هذه المرحلة فاصلة ونقطة انطلاق لوضع أسس مساهمة أكثر تنظيما وفعالية لمختلف القوى الحية المشكلة للمجتمع المدني، وأكثر إسهاما في المشروع التنموي الوطني وفي تأطير وتكاثف الجهود والمبادرات».
وأضاف بن عبد الرحمن بأن المجتمع المدني «ماض لا ريب في تدعيم مكانته كحصن من الحصون المنيعة التي يقع تحت مسؤوليتها جنبا إلى جنب مع مؤسسات الدولة»