قدم الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي تشريحا دقيقا عن مسار التوجه لإقامة قاعدة صناعية ميكانيكية قوية ومتطورة تساهم في الدفع بعجلة التنمية، ووقف عند المقومات وتارة أخرى على الاستعدادات والأهداف المرسومة والتي هيأت لها الجزائر الأرضية التشريعية وتعتمد في انطلاقتها على استثمارات ضخمة وشراكات رائدة لتحويل المهارات وبما يسمح بتكوين الكفاءات ومواكبة التطور التكنولوجي، كما تناول بنظرة استشرافية معمقة لمفاتيح إقامة صناعة ذات تنافسية عالية.
قال الدكتور محفوظ كاوبي الخبير الاقتصادي، أن الصناعة الميكانيكية، تعد أحد أهم الصناعات التي توليها الجزائر أهمية بالغة، بعد أن أدرجت ضمن القطاعات ذات الأولوية في قانون الاستثمار ويسهر على ترقيتها، وفوق ذلك تمنح امتيازات كبيرة من بينها امتيازات جبائية وأخرى شبه جبائية، تجعل منها خاضعة للنظام المتميز، والذي يتوفر على مميزات عديدة سواء من خلال دعم نسبة الحظوظ أو أخذ الدولة على عاتقها الأمور المتعلقة بالبنى القاعدية، وكل ذلك بحسب تقدير الخبير، يؤكد أن قطاع الصناعة الميكانيكية، يصنف ضمن أهم القطاعات الصناعية في مشروع الحكومة وكذلك ضمن مشروع رئيس الجمهورية.
التأسيس لدعائم حقيقية على مستوى الأسواق
ومن بين المؤشرات التي تطرق إليها الدكتور محفوظ كاوبي ويرى أنها تعكس أهمية القطاع، ذكر أن عملية التحول الاقتصادي، تعمل على إرساء دعائم لهذا القطاع الحيوي والاستراتيجي، من خلال اعتبار قطاع الفولاذ وتحويله من القطاعات المتميزة وذات الأهمية وإلى جانب البلاستيك، وكذا قطاعات أخرى تحظى بالأولوية في قانون الاستثمار والمتمثلة في قطاع التكنولوجيا والمؤسسات الناشئة والتي تعتبر مرة أخرى من أهم القطاعات التي يحتاجها قطاع الميكانيك وزيادة على الفولاذ والبلاستيك والبوليماك والمواد المحولة من البترول ومشتقات البتروكيميا، يضاف إلى كل ذلك قطاع الإبداع والبحث العلمي كونها من القطاعات التي تعطي لها الحكومة أهمية بالغة من حيث الدعم وتحريك النشاط. ولعل الهدف الجوهري من كل ذلك، يتمثل في خلق انسجام على المدى المتوسط والبعيد بين القطاعات الثلاث التي تشكل حوالي 90 بالمائة من المدخلات أو من المواد الأساسية في إنتاج القطاع الميكانيكي، لذا أوضح الخبير كاوبي، أن الأهمية تبدو واضحة سواء من خلال التحفيزات أو من ناحية التعويضات وكذا الدفع التي تعطيه الدولة والحكومة في برنامجها لهذا القطاع.
ولإرساء عملية الاندماج في مجال القطاع الميكانيكي، تحدث الدكتور كاوبي عن استثمارات بدأت تظهر جليا في مجال تحويل الفولاذ والفولاذ المسطح على وجه الخصوص، من خلال مصنع بلارة أو الاستثمارت التي توجد في قيد الانجاز من طرف مجموعة “توتشا” التركية والتي تهدف لإنتاج صفائح الفولاذ وتعد مدخلات أساسية تشكل أكثر من 43 بالمائة من نسبة اندماج القطاع الميكانيكي.
إلى جانب جهود إرساء دعائم في خلق شركات من خلال سن قانون وتحديد دفتر الشروط المتعلق تركيب أو بالصناعة الميكانيكية سواء سيارات أو مركبات الذي يمكن أن نستنتج منه أن الأهمية أعطيت لعملية التحويل بتحسين نسب الاندماج التي تنطلق بنسبة 5 بالمائة على أن تمر بـ 10 و20 بالمائة، ومن ثم ستتجاوز نسبة 30 بالمائة في غضون ثلاث سنوات حتى 5 سنوات من الانجاز، ويعتقد كاوبي أن كل ذلك يبين أن العملية تندرج في نسق سياسة تحاول أن تؤسس لدعائم حقيقية على مستوى الأسواق وعلى مستوى منظومة القيم في مجال الصناعات الميكانيكية، ثم تناول الاهتمام بالمناولة كون هذا القطاع يشكل حلقة أساسية في عملية إرساء دعائم صناعة ميكانيكية، وخلص الخبير إلى القول في هذا المقام أن الجزائر تحوز على مقومات بناء صناعة ميكانيكية من جهة، ومن جهة أخرى الهندسة القانونية والتحفيزية والمؤسساتية، تمكنت إلى حد بعيد من الأخذ بهذه الدعائم وتكييفها بشكل يمكن أن يؤسس في المستقبل إلى صناعة ميكانيكية، يمكن أن تكون منافسة وتكون لها مقومات تنافسية على المستوى الجهوي والقاري وحتى العالمي.
مستقبل التنافسية يمرّ عبر الصناعة الكهربائية
وحول حظوظ الجزائر من أجل إرساء صناعة ميكانكية تنافسية قائمة من خلال الدعائم لأن الجزائر لديها دعائم كبيرة على مستوى سلسلة القيم بالنسبة لهذه الصناعة، وتتوفر على معادن ومقومات استخراجية كبيرة، يمكن أن تجعل منها منتجة لمدخلات بقدرة عالية من ناحية التنافسية، أكد الخبير الاقتصادي، أن العملية تمر بصورة مباشرة بإشكالية جلب الاستثمارات الأجنبية والشراكات في هذا المجال مع مصنعين رواد على المستوى العالمي، علما أن هذا القطاع أي الميكانيك سواء تعلق بالسيارات أو مختلف المركبات بصفة عامة، يشهد نقلة وتحولا كبيرا على المستوى العالمي سواء من ناحية التنافس الكبير وضرورة إيجاد النجاعة اللازمة، علما أن هوامش الاستغلال أصبحت لا تتجاوز 6 أو 7 بالمائة على المستوى العالمي، لذا يبين ذلك شراسة التنافس من جهة ومن جهة أخرى نجحت الصين كبلد يستقطب هذه الصناعات لما تمكنت في الزيادة في قدراتها الإنتاجية والتنافسية، لأن الصين تعتبر مصنع رائد على المستوى العالمي، بل كمستهلك من بين الثلاث الدول الأولى في العالم مما يمنحها ميزة تنافسية كبيرة، بالإضافة إلى قدراتها التكنولوجية الهائلة، وحاليا هذه الصناعة صارت تمر على المستوى العلمي من خلال سلسلة البحث والتطور والتأقلم مع محيط جد متغير وجد تنافسي. وقال الخبير الاقتصادي كاوبي أن مستقبل هذه الصناعة يمر عبر الصناعات الكهربائية، ودور كل من الحواسيب والذكاء الاصطناعي كعنصر أساسي للتنافسية في المستقبل لذا فإن إرساء صناعة تنافسية في هذا المجال يمر حتما عبر البنى القاعدية وتشجيع البحث في مجالات متعلقة بهذه الصناعة، وهذا البحث لا يتم فقط على مستوى الجامعات لأنه يوجد منطق عولمة وأسواق كبيرة، لذا فإن الأمر يتطلب القيام بشراكات، لذا فإنه ينبغي على الجزائر أن تأخذ بعين الاعتبار اندماجها في سلسلة القيم وإيجاد مكان بين الدول الرائدة في هذا المجال، علما أن أوروبا تخشى وتفقد الكثير من الأسواق نتيجة لعدم محافظتها على تنافسية كبيرة بالمقارنة مع دول مثل الصين والهند في هذا المجال.
الشركاء الأنسب والمرونة اللازمة
وبلغة ترصد مؤشرات الواقع الراهن بدقة، أبدى الخبير الاقتصادي اهتماما بتحرير الاستثمار بهدف جلي استثمارات أجنبية في هذا المجال، على اعتبار أنه يوجد تنافس كبير بين الدول من أجل الحصول على هذه الاستثمارات، لأن منطقة أوروبا التي كانت من بين المناطق المصدرة لرؤوس الأموال، صارت من المناطق التي تعمل على استقطاب رؤوس الأموال وإعادة توطين صناعتها، نفس الشيء بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وحسب تأكيده فإن الأمر سيكون صعبا للغاية، لذا قال أنه ينبغي على المستوى الاستراتيجي اختيار الشركاء الأنسب في هذا المجال وهم شركاء صينين أو شركاء من الهند لأن مؤسسات هذه البلدان تتمتع بدينامكية، وفوق ذلك قطعت أشواطا مهمة في صناعة سيارات المستقبل، والمتمثلة أساسا في سيارات كهربائية، وسيارات تعمل بالذكاء الاصطناعي بشكل كبير جدا، وذكر في سياق متصل أنه لا يمكن أن نتصور صناعة ميكانيكية، مالم تأخذ بعين الاعتبار العاملين، واعتبر الدكتور كاوبي، أن كل ما تم إنجازه بالنسبة لإصلاحات الجيل الأول والتي قامت الحكومة بتجسيدها على أرض الميدان منذ ثلاث سنوات، والتي مست الجانب التشريعي والمؤسساتي أساسا، ينبغي أن تستمر وتتبع بعملية تحويل للمنظومة القاعدية للاقتصاد، بحيث تفرض أكثر تنافسية في المستقبل، كي تسمح بتحرير القدرات والتمكين من استقطاب استثمارات أجنبية، ويكون فيها المحيط المالي متلائم ومحفز للاستثمار الأجنبي وكذلك منظومة التسوية والتحكيم يجب أن تكون في نفس المستوى، وتتحلى الإدارة العمومية بالمرونة اللازمة، لتلعب من جهة دور الحكم في بعض الأحيان أو أن تلعب دورها كسلطة ضبط وتسوية وهو أمر مهم ويجب أن يكون الضبط والتسوية في مستوى الشفافية والسرعة والعدالة في مختلف مجالات الاقتصاد وفي المجال الصناعي بصفة عامة والصناعة الميكانكية على وجه الخصوص.
تفعيل القدرات في نسق منتظم
ومن بين مفاتيح إقامة صناعة ميكانيكية تنافسية، يرى الخبير الاقتصادي كاوبي، أن القدرات متوفرة لكن الأمر المهم يتمثل في ضرورة تفعيل هذه القدرات في نسق منتظم يمكن في أسرع وقت من الحصول على مؤشرات تحفز مستثمرين سواء كانوا أجانب أو محليين لإقامة صناعة تنافسية حقيقية، وإلى جانب ذلك فإن بنية المنشآت القاعدية الكبرى من موانئ وسكك حديدية يجب أن تتبع نفس الدينامكية، لأن هذه الصناعات تحتاج إلى بنية قاعدية متينة وإلى لوجستيك يرقى إلى مستوى ماهو موجود على المستوى العالمي، لأن التنافس العالمي يلعب على نقاط قليلة، مع تركيز الخبير على دعوته إلى صقل المورد البشري وتنمية السوق الذي يمكن أن يكون له حجم أكبر سواء على المستوى المتوسطي أو الإفريقي والعربي، وذكر كاوبي أننا في بداية الطريق ويجب أن نعمل أكثر ونعيد النظر بصورة مستمرة في طريقة عملنا حيث نحسن من المقاربات ونستمع إلى الفاعلين ونرد بصفة سريعة وإيجابية لانشغلات المهنيين في هذا القطاع.