تضمن خطاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها 78، تشخيصا موضوعيا لحال منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها الرئيسية، ونبه إلى تراجع دورها في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، داعيا إلى استفاقة جماعية تعيد صياغة العلاقات الدولية على أسس العدل والمساواة والشفافية.
جاءت مشاركة رئيس الجمهورية، في أشغال الدورة الجارية للجمعية الأممية، قبل تسلم الجزائر مقعدها غير الدائم بمجلس الأمن الدولي، ابتداء من الفاتح جانفي المقبل وعلى مدار سنتين كاملتين.
وهي المهمة التي ستحرص على أدائها «حاملة تطلعات شعوب القارة الإفريقية والعالم العربي»، مثلما أكد الرئيس تبون في خطابه أمام أعضاء الجمعية العامة، ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء.
وتضمن الخطاب، برأي مراقبين، مجموعة من التقييمات الموضوعية والمواقف المبدئية الواضحة، التي تنظر بها الجزائر لأداء منظمة الأمم المتحدة وتناضل من أجلها لأزيد من 50 سنة، مثلما أشار رئيس الجمهورية.
ومعروف أن مطالب الجزائر بنظام دولي متعدد الأقطاب، ليست وليدة المرحلة الحالية وإنما تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، حين حملت على عاتقها النضال لصالح شعوب الجنوب المتضررة من نظام عالمي غير عادل.
وفي السياق، لفت الرئيس تبون، إلى أن ما رافعت من أجله الجزائر طويلا، أصبح ماثلا للعيان اليوم ومحل توافق الجزء الأعظم للمجموعة الدولية. وقال بالمناسبة: «حان الوقت للتفكير معا في سبل إعلاء قيم ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتعزيز التزاماتنا الجماعية وإرساء الأسس المتينة التي تفضي إلى المزيد من التعاون العالمي الفعال بشأن القضايا الرئيسة، بهدف التمكن من تكريس السلم والأمن الدوليين والتنمية المستدامة في عالم متعدد الأقطاب».
وسجل خطاب رئيس الجمهورية، مدى الاحترام الكبير والعلاقة الوثيقة التي تربط الجزائر بمنظمة الأمم المتحدة، فالعالم متعدد الأقطاب الذي تنادي به، لا يقع خارج المنظمة وإنما بداخلها، مع ضرورة إصلاح ما يجب إصلاحه، والبداية بإعلاء القيم والمبادئ الأساسية التي قامت عليها.
وخلف تراجع هذه القيم أمام سياسات الأمر الواقع التي فرضتها بعض القوى التي تغلب الهيمنة كقيمة عالمية غير أخلاقية مقابل تدني الوفاء لحقوق الشعوب ومصادرة حرياتها، وتفشي دبلوماسية الأنانية والنفوذ الضيق.
من هذا المنطلق، رأى رئيس الجمهورية، أن «مجلس الأمن الدولي ضعف في القيام بدوره في حفظ السلم والأمن الدوليين ومنع اللجوء إلى القوة»، اعتبارا لدوره كجهاز تنفيذي تابع للأمم المتحدة يقع على عاتقه اتخاذ قرارات حصرية ونافذة لحفظ السلم والأمن في إقليم أو دولة من الدول.
ومجمل قرارات السلم والحرب، التي حصلت في مختلف مناطق العالم في العقد الأخير، لم تتخذ من قبل مجلس الأمن الدولي، وإنما بناء على قرارات أحادية الجانب منفوخة بحسابات جيوسياسية في إطار معارك الكر والفر بين قوى الهيمنة والرغبات الجموحة للبلدان التواقة لاستكمال تحررها الاقتصادي، خاصة في القارة الإفريقية.
والأخطر من ذلك، برأي مختصين، أن القرارات الأخيرة المستصدرة من الأمم المتحدة للتدخل عسكريا، جاءت بنتائج كارثية، مثلما كان الحال في ليبيا سنة 2011، حيث مازالت هذه الدولة الغنية بالنفط تقبع تحت أزمة معقدة عكست نتائج وخيمة على دول الجوار والساحل الإفريقي.
ويقابل ذلك، العجز الفاضح للمجموعة الدولية في معالجة قضايا عادلة، على غرار القضيتين الفلسطينية والصحراوية، الأمر الذي جعل الشعبين الفلسطيني والصحراوي لقمة سائغة للاحتلال الصهيوني والمغربي المفترسين.
وتمثل دعوة الرئيس تبون الملحة، لعقد جمعية عامة استثنائية لتمكين دولة فلسطين من عضويتها الكاملة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، اختبارا جديا لما تبقى من الهيبة السياسية للأمم المتحدة، في وقت تتسارع الأحداث الدولية باتجاه عالم متعدد الأقطاب على وقع تنامي طموحات قوى أخرى تقترب من إنهاء هيمنة الغرب.
ورسخ خطاب رئيس الجمهورية، مرجعيات السياسة الخارجية للجزائر، بعدما أثبتت التحولات الدولية المتعاقبة صحة قراءتها للأوضاع والقضايا.