زينب قماز شاعرة سكنتها القصيدة، بعدما تنقّلت بقلمها في عالم القصة بكل أطيافها، فترجّلت من صهوة النّثر لتسبح في عباب القوافي بكل ثقة وتنهل بعد فترة وجيزة من فن القصيدة الكثير من أسرار الشِعر.
تكتشف أنّ قلمها لم يستقل من الكتابة الأدبية في رحلتها، بل أراد أن ينبض بنوع جديد من طبوع الشِعر، وهي الوحيدة التي بإمكانها تفسير ذلك من خلال هذا الحوار، الذي ما أبت إلا أن تطل من خلاله على قرّاء “الشعب”، وتفتح قلبها لأول مرة له.
الشعب: كغيرك من الشّعراء، لابد أن تكون لديك بدايات على درب الأدب والكلمة الجميلة الوضيئة، متى وأين كانت أول تجربة شعرية لك؟
الشاعرة زينب قماز: الإرهاصات الأولى، ظهرت معي وأنا في مرحلة الثانوي، كانت عبارة عن خواطر مقتضبة بأفكار فتاة مراهقة..وقتها اتخذتُ من القلم والورقة رفيقين مخلصين أبوح في حضرتهما بكل أريحية. وبقيتُ على ذاك المِنوال إلى أن تخرّجتُ من الجامعة، ومع بداية تسعينيات القرن الماضي كسرتُ قيد الكتمان، ورحتُ أنشر كتاباتي بصحيفة العناب، وأشارك في المسابقات التي تقام في الأيام الأدبية والتظاهرات الثقافية وأكون من الفائزين الأوائل، بينما مع مطلع الألفية الثالثة اتجهتُ نحو القصيدة النثرية والقصة القصيرة جدا والومضة القصصية، وبانتسابي لعدد من النوادي الإلكترونية طورتُ مهاراتي واتسع أفق الإبداع لدي، وهنا اكتشفتُ شعر الهايكو ورحتُ أجمع المعلومات حول آلياته وفنياته حتى وفقتُ في نَظمه، ولي الكثير من المساهمات الإلكترونية، بعدما كنت مُتَهَيِّبَة وقتذاك، غير أنّ متعتي كانت جدُّ كبيرة عند دخولي محطة الهايكو.
من هو الشّاعر النّاجح من وجهة نظرك؟
في اعتقادي الكتابة الإبداعية لا تخضع لمعيار النجاح أو الفشل، فالكلّ في محرابه كاتب سواء كان شاعرا أو قاصا أو روائيا، في الحقيقة، “وهذا رأيي وأتحمّل مسؤوليته” كل ما كُتب ويُكتب في شتى المجالات هي ليست هوامش للتأثيث أو الزخرفة ولا أهرامات للتقديس أو التنظير..بل هي تجارب فنية نابعة من رنين الروح وأحاسيس مُلتاعة نابضة من وِرد البهاء.
كيف ترين شعراء وشاعرات اليوم، وخصوصا الكم الهائل منهم على مواقع التواصل الاجتماعي؟
مواقع التواصل الاجتماعي فضاءات لمن لا فضاء له، فهي تساعد على التغريد الحُر والتحليق اللامشروط. طبعا إذا التزمنا بحزام الذوق الراقي والرؤى المشرئبة للجمال، فلا وصاية على مِعراج الإبداع ولا حَجْر على قلعة النبض.
هل تعتقدين أنّ السّاحة الأدبيّة حاليًّا تحتوي على نقّاد على قدر من المسؤوليّة؟ ومن هذا المنطلق كيف ترين مستقبل الشعر من حيث القيمة والجودة والمتانة؟
تشتمل السّاحة الأدبية على صنفين من النقاد، صنف له قسوة البِلَّوْر المُبهج، وصنف له رِقَّة الحرير الجارح، وبين هذا وذاك، إمّا أن تلمع النجوم في ضحى المعنى وتستقيم عصا الرونق، وإما أن يُوئد ضجيج الدلالات المُشِعة ويتهاوى مَدار الحِسُّ الصادق، ومن جهة أخرى إذا سَلَّمْنا بأن لكل مرحلة خصوصيتها الفارقة، ولكل زمن ثُريته الوَضاءة، نقول أنه لا خوف على الشعر ما دام بستان الإبداع هادر بالسواقي، وسماء المِخيال مِدرارة بالشعور.
لمن تقرأ زينب ڨماز من الشّعراء؟
يستهويني نَظْمُ شعراء المعلقات ويثلج صدري حرف المتنبي، ويأسرني قلم السيّاب وتطربني تراتيل محمود درويش.
أيّ أصناف الشّعر الأقرب إلى روحك؟ وما الذي يميّزه عن غيره؟
صراحة، أنا لا أحب المفاضلة بين أصناف الشعر، يكفي فقط أن يبلغني وحيّ اللحظة الشاعرية المعبّر عنها بكلمات عذبة، وأن أصل إلى الشيفرة الناعمة المختبئة بين طيّات الصوّر البيانية واستمتع بدفء الخَفٰقِ.
ماذا عن رصيدك الشّعري؟
بتوفيق من اللّه لي ثلاثة دواوين، طبعت واحدا فقط، على وشك الصدور، أما الديوانان الباقيان فهما عبارة عن مخطوطين ـ على رفّ الانتظار ـ نظرا لتكاليف الطبع. “مثل الكثيرين أطبع على حسابي الخاص”.
هل يمكن أن تحدّثينـا عن بعض مشاريعك الثقافية والأدبية المستقبلية؟
في أجندتي العديد من المحطات الثقافية والأدبية أرنو إلى إنجازها بمشيئة الله، أهمها فتح نادي ثقافي للمرأة المتقاعدة.
هَلاَّ أتحفتنـا بنموذج من شعرك ومن حكمك في هذه الفسحة الحوارية؟
بكل سرور أقدّم لكم باقة من حديقتي الهايكاوية بعنوان “أقحوانة”، ونص آخر بعنوان “سيدي الوطن”.
أقحوانة
في عين الشّمس تبتسم،
ما أجملك يا أنا.
مثل القمر
وحيدة وجميلة
أنا.
رشفة رشفة
يتسلّل الدفء
قهوة بنكهة الأماني.
قهوة مرّة
سُكرها ابتسامة
كم أهواكَ يا أنا.
على الفنجان
عالق أحمر الشفاه
لثمة وفاء.
كل صباح
أحترق مرتين،
قُبلتكَ وقهوتي.
أنا وأنتَ
ثالثنا فنجان قهوة
ذكرى اللقاء الأول.
ذاك المساء
تعالت الضحكات
قهوة بحلاوة الشوق.
فنجان الكريستال
بين رفوف الزمن ينتظر
عودة الحبيب.
تنورة الصبيّة
على أطرافها ثابت
وشم الجدّة.
على ركبتيه
يجثو مبتسما؛
خريف العمر.
نص آخر إن اتسع المجا بعنوان: سيدي الوطن..
هل تسمح سيدي..
أن أسافر فيك
وألتقط اللؤلؤ
المنثور في خطاك.
وأقاسمك دفء الليالي
وعطر البسمات.
هل تسمح سيدي..
أن أمتطي بحر عينيك
وأغوص في شوق الأمنيات.
وأن أشرب قهوتي
على غزل نسيم الصباحات.
هل تسمح سيدي..
أن تسكن معي
فصول الهذيان
خلف أسوار البدايات.
وأن يكون للسنة مدار واحد
تضمه ورودنا العَبِقات.