يعتبر المترجم عمار قواسمية أنّ الاعتماد على الترجمة كأحد الروافد الهامة في الصناعة الثقافية يتطلّب توحيد الجهود فيما يخص الفعل الترجمي، مشيرا إلى أنّ الترجمات المفردة المتناثرة هنا وهناك لا تجعل الترجمة مشروعا حضاريا.
الشعب: تعد الترجمة وسيلة تواصل ثقافي هامة، وقد لعبت هذا الدور منذ القِدَم، حدّثنا كيف حقّقت ذلك؟
المترجم عمار قواسمية: يقول خوسيه سارماغو، الروائي البرتغالي الحائز على جائزة نوبل للآداب، “يصنع الكُتّاب أدبًا قوميًا، بينما يصنع المترجِمون أدبًا عالميًا”. من هذا المنطلق نستشف دور الترجمة والمترجِمِين في تحقيق التواصل الثقافي والفكري بين الشعوب والحضارات.
والمترجِم أو عملية الترجمة في نظر الكثيرين هامشٌ لا مَركَز، وظِل لإبداع الغير. والحقيقة أن هذا ادعاء فارغ؛ فالمترجِم الحَق مبدع والترجمة الحقة لا “تكتفي بنَقل الأصل، بل تحاوره وتسائله وتحوله أيضا”، على حَد تعبير طارف شما ومريم سلامة كار.
ولطالما أدّت الترجمة دَورَ وسيلة التواصل بين الثقافات، ولطالما كان المترجِم وسيطا ثقافيا وحضاريا ولغويا، ويتجلي هذا سواءٌ في تسهيل التواصل بين الشعوب والأمم التي سافرت خارج أراضيها، بغية التجارة والاختلاط، أو في نقل الآداب والعلوم من شعوب قُدِّرَ لها أن تَسبِق إلى أخرى تريد أن تلحق.
وقد حقّقت الترجمة هذه الغاية من مُنطَلَق أنها مُسَهِّلٌ يَجمَع، لا يَمنَع. ولا يَضطَلِع بهذه المهمة السامية إلا مترجِم حقيقي، امتَلَكَ ناصية الصنعة وَجُبِلَ بِالموهبة والطبع، فغاص في كُنَهِ اللغات، وَنَقَّبَ في كنوزها، فاستكشف أسرارها وطرحها مبسطة مسهلة أمام جمهور القراء.
ما أهمية هذه الميزة برأيك؟
تَكمُن أهمية هذا الدَّور في تحقيق التواصل، ثم تسهيله، وصولا إلى التفاهم الدولي.
هَـلْ لَك أن تَسرَح بِمُخَيِّلَتِك إلى عَالَم دُونَ ترجمة أو مُتَرجِمين؟ تخَيَّلْ أنَّ الأعمال الأدبية العالَمية المَشهورة لَم تُتَرجَم! تَخيَّلْ أن هذه الأعمال ظَلَّت حَبيسَة لُغاتها وَثقافاتِها فقط! تخيَّلْ مَثَلًا أنّ “سندريلا” أو “روميو وجولييت” لَم تُتَرجَما إلى العَربِية؟ ثم تَخَيَّلْ أنَّ القرآنَ الكريم اقتَصَرَ عَـلَى القارئ العربي، وَلَم تُنقَل مَعانيه إلى باقي لغات البَشَر!
من هنا تظهر أهمية الترجمة وقيمة عمل المُتَرجِمِين!
لماذا تعتبر مهمّة في التثاقف بين الشّعوب؟
“تثاقف” على وَزن “تفاعل”، وهذه الصيغة تفيد التشارك، فأن يتثاقف طرفان يعني أن يتبادلا ثقافتيهما: أي أن يعرف كل طرف مزايا الثقافة الأخرى وخباياها، فينتج تفهم للآخَر وتقبل له مهما اختلف عنا.
من هذا المنطلق، جاءت الترجمة أداةً ناجعة لتحقيق التثاقف، فكلما وُجِد طرفان أو أكثر، مختلفان لغةً أو ثقافةً، ظهرت الحاجة للترجمة بوصفها مُسَهِّلًا للتقريب وَمُعَطِّلًا للتغريب.
في الجزائر يبدو أنّ الترجمة أيضا تشكّل أحد الرّوافد التي يمكن الاعتماد عليها في الصناعة الثقافية، ما سبل تحقيق ذلك؟
يجب أولا توحيد الجهود فيما يخص الفعل الترجمي، لأنّ الترجمات المفردة المتناثرة هنا وهناك لا تجعل الترجمة مشروعا حضاريا.
كما يجب أن توجد مؤسسة بعينها تضبط عملية الترجمة في البلدان العربية، أو على الأقل تُقِرُّ استراتيجية مُوَحَّدَة للترجمة.
نجد عددا من الهيئات في الدول العربية التي تقدم جهودا جبّارة لخدمة الترجمة وإثراء الخزانة العربية بالنفيس من الكتب التي تصدر في أوروبا وأمريكا، حتى أن بعض ترجماتها نالت جوائز في مسابقات عربية وعالمية مرموقة. بينما نفتقد في الجزائر لمؤسسة شبيهة على غرار المركز الوطني للترجمة الذي تعهدت وزارة الثقافة والفنون بتأسيسه، والمترجِم في بلادنا ما زال يحتاج إلى هذه المؤسسة ليحصل على حقوق الترجمة أولا، وليتقاضى أتعابه بسخاء ثانيا، ثم لتسهر على نشر الترجمة وتوزيعها ثالثا.
ومن أجل مشروع حضاري متكامل للترجمة، يجب تظافر هذه العوامل: الأموال، الإرادة، الكفاءات، فبالأموال نحصل على حقوق الترجمة وينال المترجِمون أتعابَهُم غير منقوصة، وبالإرادة نحقق الهدف المنشود بإثراء مكتبتنا أو بالترويج لمورثنا، ونخلّف إرثًا فكريا وأدبيا للأجيال القادمة، وبالكفاءات ننتج الترجمات المنشودة، أمينة ودقيقة وثرية ومثرية.
ما آفاق تعزيز التّبادل الثّقافي في الجزائر؟
الإنفتاح على العالَم واستقطاب بلدانه، بالترويج لموروثنا الثقافي والفكري، نحن نفك العزلة على ثقافتنا وفكرنا ولغتنا.
على مستوايَ، أحاول أن أقدّم أعمال أدبائنا الجزائريين، خاصة الشعراء منهم وهذا بترجمة أشعارهم ودواوينهم، في مبادرة مني لتقديم أقلام بلدي وما تنتجه من إبداع نابع من تشبعنا بجزائرنا وجزائريتنا.
أعمل أيضا على ترجمة كتب قيّمة، ألَّفَها الآخَر عن الجزائر، باللغة الإنجليزية، وظلت هذه الكتب لقرون حبيسة اللغة الإنجليزية، وقد آن الأوان لنقلها إلى لغتنا العربية وإثراء مكتبتنا الوطنية بها.
أقدّم أيضا في مواقع التواصل الاجتماعي فقرات بشأن تعريف الأشقاء العرب بلغتنا ولهجتنا ولكنتنا، وأنتهج أسلوبا من شأنه تبسيطها وإيضاحها.
مثل هذه المبادرات تسمح بتعزيز التبادل الثقافي، وفك العزلة عن ثقافتنا وتسهيل تواصل الآخَر معنا، وتحريك الرغبة فيه لاستكشاف عالَمنا، ممّا قد يدعم حركة السياحة في الوطن.
كلمة أخيرة؟
بمناسبة اليوم العالَمي للترجمة، أهنّئ كل المترجمين الحقيقيين في كل أنحاء العالَم، وأقول لهم: إذا كان المؤلف هو الأصل فأنتم بينه وبين القراء همزة الوصل. وأؤكّد على حقيقة أنّكم حَمَلَة رسالة وحَفَظَة أمانة. وأزفّ لهم أخلص التهاني وأصدق الأماني من منبركم هذا، يومية “الشعب” التي ترافق الفعل الثقافي دائما، وتسعى لتقديم الجيد ودَرءِ الرديء. شكرا لكم.