قالت أستاذة ومديرة مخبر بقسم علم الطرائق للمدرسة الوطنية متعددة التقنيات بوهران البروفيسور حسيبة بن عثمان، إن «ضمان الأمن المائي في الجزائر، لا يكون إلا بأبنائها من الإطارات والكفاءات»، معتبرة «أنهم خط الدفاع الأول عن الأمن المائي الحقيقي».
رأت البروفيسور بن عثمان حسيبة، بصفتها منسقة قطب الامتياز لتحلية المياه، أن «هذه الإستراتيجية التي بين أيدينا اليوم، رُوعي في إعدادها كل ما من شأنه تحقيق رؤية مستقبلية، تتماشى مع واقع الحال في منطقتنا والتحديات الحالية والمتوقعة لتأمين المياه وسبل تخطيها».
وجددت التأكيد على أن «إعداد القيادات المؤهلة في مجال التحلية من أولويات السيد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون»، مستدلة على ذلك بقطبي الامتياز اللذين تم استحداثهما مؤخرا في مهن تحلية ومعالجة المياه القذرة وإعادة استخدامها.
وقالت البروفيسور بن عثمان، إن الرئيس تبون يحرص على استحداث قطب جامعي لتدريس تخصصات تحلية المياه، سواء مياه البحر أو المياه الجوفية المالحة بهدف بناء قاعدة متينة من الكفاءات الوطنية المؤهلة تأهيلا احترافيا، وفق أعلى المعايير العالمية ومتطلبات سوق المياه المتجددة الذي يشهد نموا كبيرا، وفق تعبيرها.
ويتعلق الأمر، بحسبها دائما، باستحداث قطب جامعي «امتياز» يتكون من جامعة هواري بومدين بباب الزوار (الجزائر العاصمة) والمدرسة العليا للري بالبليدة والمدرسة الوطنية متعددة التقنيات بوهران وجامعة ورقلة، وذلك بالتنسيق والتعاون مع عدد من محطات التحلية المنتشرة عبر الوطن.
وأفادت، أن «المدرسة الوطنية متعددة التقنيات بوهران، تراهن بشدة على استقطاب مزيد من الطلاب الأجانب، ضمن استراتيجيتها الجديدة، التي تهدف إلى تعزيز جاذبيتها بحوض البحر الأبيض المتوسط».
وأشارت، أن «المدرسة تلقت طلبات عديدة من مختلف الدول الأوربية للتكوين في مجال التحلية أو إزالة الملوحة، لكونها واحدة من أفضل المدارس الوطنية في تكوين المهندسين بالجزائر، التي تصنف ضمن أهم مستخدمي المياه المحلاة دوليا».
وفي ضوء ذلك، كشفت منسقة قطب الامتياز لتحلية المياه، البروفيسور بن عثمان حسيبة، أن «احتياجات قطاع تحلية المياه على المستوى الوطني، تتطلب 100 إطار سنويا من اليد العاملة المؤهلة، لإنجاح التحدي الكبير للجزائر الجديدة».
جامعة بوضياف تواكب رؤية الجزائر الجديدة
كما تحتل محطات معالجة مياه الصرف والرواسب الناتجة عنها، حيزا كبيرا من اهتمامات قسم الري لجامعة محمد بوضياف للعلوم والتكنولوجيا بوهران، وذلك باعتماد نهج ابتكاري، يقتضي مواكبة متطلبات التنمية المستدامة في الجزائر بالشكل والكيفية التي تتماشى معها.
في هذا الشأن، كشف البروفيسور حمادي العربي، رئيس قسم الري عن «ابتكارات هامة في مجالات معالجة وتنقية المياه العادمة، توصلت إليها فرق البحث التابعة لمخبر الري باعتماد تقنيات إيكولوجية محافظة على البيئة».
يقول البروفيسور حمادي، إن «هذه التقنيات الجديدة، تقتضي الاعتماد على المواد الطبيعية كالطين وقشور الفواكه وغيرها من الحلول البديلة لمعالجة الصرف الصحي بجودة عالية وبأقل التكليف».
كما أشار المتحدث ذاته، إلى الدراسات العلمية التي أجراها نفس القسم حول المعالجة الحرارية للمياه العادمة والأوحال الناجمة عنها، باعتماد تقنية تسخين المياه الملوثة إلى درجة حرارة مرتفعة لتدمير الجراثيم والميكروبات الموجودة فيها بشكل كلي وآمن.
وأكد أنه «على الرغم من أن هذه العملية، تتطلب طاقة كبيرة، إلا أنها تعتبر من أكثر التقنيات كفاءة لمعالجة مياه الصرف من الملوثات العضوية الخطيرة، بما يسمح بإعادة استخدامها لأغراض مختلفة مثل الري والصناعة أو الحفظ أو إعادة تغذية المياه الجوفية».
كما أبرز الأهمية الكبيرة التي يوليها الباحثون لهذا المجال، من خلال الحرص على البحث في العمليات الأكثر كفاءة لإعادة استخدام الرواسب، سعيا لمعالجة الآثار السلبية والتغلب على التحديات والإكراهات الناجمة عن الأوحال في عملية تصفية المياه المستعملة بالمحطات المعالجة، والتي تشكل نسبة تتراوح مابين 30 إلى 40% لكل محطة، وفق نفس المصدر.
أفاد البروفيسور حمادي، أن «الدراسات التي تم إنجازها، أبانت الأهمية القصوى لإعادة تدوير هذه الأوحال وتثمين الرواسب المستخرجة لجعلها غير ضارة بالبيئة، وقابلة للاستغلال بشكل سليم، خاصة في مجال توليد الغاز الحيوي واستخراج عناصر التسميد (النيتروجين والفوسفور)، وكمواد أولية في عديد الصناعات، ومنها الآجر والسيراميك والخزف وتغطية الطرقات قبل طبقة الإسفلت أو الخرسانة، وغيرها من الاستعمالات الأخرى.
تجربة رائدة في المياه البديلة
اتفق الخبراء على أن عاصمة الغرب الجزائري، وهران، نموذج فريد لنجاح السياسة العامة للدولة الجزائرية في مجال تنويع مصادر هذا المورد الحيوي، وهي التي عانت لعقود طويلة فقرا مائيا حادا؛ حيث كان يتواجد بها ثلاثة منابع فقط، اختفى منهم كل من عين «بلال» وعين «سانتون»، جراء زلزال 1700، وبقي وادي «رأس العين»، الذي يقدر حجمه بـ5000م³.
كما تتميز المنطقة بكونها سياحية واقتصادية، تنفرد بأكبر المناطق الاقتصادية من حيث عدد المصانع العملاقة القائمة على المياه، ولعل أبرزها «توسيالي» للحديد والصلب، والذي يستهلك لوحده أكثر من 50 ألف لتر م³ يوميا، ناهيك عن الاحتياجات المتزايدة للمؤسسات الفندقية ومختلف الهياكل السياحية، سيما في ظل الإقبال الكبير على المدينة صيفا.
وتضاعفت التحديات وتضخمت على مدار السنوات الأخيرة، جراء التوسع العمراني، الناتج عن خلق أقطاب سكنية جديدة، وعلى رأسها وادي تليلات وبلقايد، وكذا «الشهيد أحمد زبانة» بمسرغين، الذي يضم لوحده أكثر من 50 ألف سكن، ناهيك عن التوسع في التجهيزات العمومية والنشاطات التجارية والخدماتية.
وكانت وهران تمون بالمياه الصالحة للشرب عن طريق المنابع المحلية لوادي رأس العين والمياه الجوفية في منطقة «بريدية» ببلدية بوتليليس، والتي تتميز بالملوحة الشديدة. والطريف في الأمر، أن سكان الولاية اعتادوا على طعمها، فصار الكثير منهم يضيف الملح لقهوته، وتوارثها الأجيال أباً عن جد.
واستنادا إلى رئيس مصلحة التزويد بالمياه الصالحة للشرب، التابعة لمديرية الموارد المائية بوهران، حريزي علي، أنه وبعد الاستقلال مباشرة، وبالضبط في سنوات السبعينيات من القرن الماضي، تم خلق التحويل الثالث من الجهة الشرقية، انطلاقا من سد «فرقوق»، المتواجد بمنطقة المحمدية بولاية معسكر، مرورا بدائرة أرزيو، وصولا إلى خزان كناستيل (2×10 آلاف) بدائرة بئر الجير».
و«مواكبة للطلب المتزايد في فترة الثمانينيات وبداية التسعينات من القرن الماضي، ارتأت الدولة الجزائرية إجراء تحويل جديد عن طريق قناة «تافنة» من الناحية الغربية، ودوره تسهيل عملية التحويل من المناطق الشرقية إلى الغربية أو العكس».
و«في بداية سنة 2000، تم إضافة التحويل رقم خمسة من سد قرقار بالشلف، بالموازاة مع إنجاز نظام جديد، انطلاقا من مستغانم، أرزيو وهران (لماو)، ليتم بعدها استحداث «السيفون» الثاني، الممتد من عين البيضاء بدائرة السانية إلى خزان بلقايد بسعة 300 ألف م³، مرورا بالبحيرة الصغيرة».
ولفت المسؤول إلى أن «الدولة الجزائرية، رأت أن التقدم الذي يتحقق، لايزال محدودا لتبعية أنظمة التحويلات للمياه السطحية، التي تأثرت بالتغير المناخي، وأصبحت تهديدا لولاية وهران، فأخذت الجهود تتجه نحو مصادر المياه غير التقليدية، ضمن خطة عاجلة لتوفير الحاجيات المتزايدة للسكان والصناعة للمياه».
وشكلت سنة 2010 فارقا في تعزيز التغطية بالمياه الصالحة للشرب؛ إذ شهدت بناء أول محطة تحلية بغرب الوطن، وذلك على مستوى منطقة سونكتار بولاية مستغانم بطاقة إجمالية إنتاجية (200 ألف م³ يومي)، والتي كانت تمون الجهة الشرقية لوهران بـ120 م³ يوميا، كما قال.
ومن الناحية الغربية، تم تزويد الولاية بنفس الكمية تقريبا من محطة من شط الهلال في بني صاف بولاية عين تموشنت؛ وهي المحطة التي دخلت حيز الخدمة تدريجيا منذ 2010، وتصل قدرتها الإنتاجية لـ200 ألف م³ يوميا، وفق ما أشير إليه.
أردف حريزي، أنه «منذ ذلك التاريخ، شهدت هذه التقنية تطورات عديدة، تجلت في محطة تحلية مياه البحر المقطع الواقعة بإقليم بلدية مرسى الحجاج وهران، التي دخلت حيز الخدمة في جويلية 2016، وتعتبر من بين أكبر المحطات في إفريقيا بقدرة إنتاجية إجمالية تناهز نصف مليون م³ يومي؛ وهو ما سمح برفع نسبة التغطية بالمياه المحلاة الموجهة للشرب بالولاية إلى 72%».
وفي نفس المنهاج، أطلقت الجزائر الجديدة، مشروعا مماثلا بسعة 300 ألف م³ يوميا على مستوى منطقة الرأس الأبيض ببلدية عين الكرمة (غرب الولاية). وقد أشرف السيد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على وضع حجر الأساس في إطار زيارة العمل والتفقد لهذه الولاية، شهر جوان الماضي، يضيف المتحدث، كاشفا في الوقت نفسه عن تواصل أشغال الصيانة على مستوى محطة المقطع من أجل بلوغ الطاقة النظرية، المقدر بـ500 ألف م³ يوميا».
وتوقع حريزي أن «تُسهم هذه المشاريع في رفع الإنتاج تدريجيا إلى 600 ألف م³ يوميا، ليصل الإنتاج النظري إلى 800 ألف م³ في نهاية 2024؛ أي تغطية احتياجات الولاية فيما يخص الاستهلاك البشري بنسبة تناهز 100%، ما يسمح بالاستغناء عن المصادر التقليدية في أغراض الشرب، مع التحول إلى ممون رئيسي للولايات المجاورة، على غرار سيدي بلعباس وعين تموشنت».
مصادر غير تقليدية
تتميز وهران أيضا بمحطة نزع الملوحة «بريدية» بمعدل 15 ألف م³؛ وهي الأولى من نوعها وطنيا، بينما تغطى باقي الاحتياجات (28%) بالمياه التقليدية، المتمثلة أساسا في: المياه السطحية عن طريق (تحويل الماء)، والمقدرة بـ100 ألف م³، إضافة إلى المياه الجوفية الآبار، الأنقاب، وفقا لنفس المصدر.
وفيما يخص الأمن الغذائي، تراهن عاصمة الغرب، كباقي المناطق ذات المناخ الجاف أو شبه الجاف، على التوسّع في مجال المصادر غير التقليدية، كوسيلة وغاية لتعزيز القدرة على الصمود والتكيّف مع التغيرات المناخية والآثار المحتملة على القطاع الفلاحي، باعتباره العمود الفقري، ليس فقط للاقتصاد، إنما للمجتمع بأسره.
في ضوء ذلك، أكد رئيس مصلحة التطهير بنفس المديرية، لحاق أحمد، أن «إستراتيجية القطاع، تعتمد خطة عمل متكاملة، من خلال محورين رئيسيين، يشملان التوسع فى المياه المحلاة، كمصدر رئيسي للشرب، وتوسيع نطاق معالجة المياه العادمة الناتجة عن الاستخدام البشري لتلبيه حاجات الزراعة»، معتبرا أن «الدولة الجزائرية لم تدع شيئا للصدفة».
وقال لحاق إن «توجه الدولة الجزائرية نحو التوسع في المياه المعالجة، يهدف أساسا إلى التخلص من كل مصبات المجاري القذرة على مستوى الطبيعة، بما فيها البحيرات والوديان»، مذكرا في هذا الشأن باتفاقية «رمسار» التي أمضت ووافقت عليها الجزائر، والمتعلقة بالحفظ والاستخدام المستدام للأراضي الرطبة، بما فيها البحيرات والأنهار والوديان والسبخات ومستودعات والمياه الجوفي وكل النظم المائية والإيكولوجية البحرية والساحلية.
وكشف المتحدث ذاته، عن ضبط مخطط محكم لمعالجة المياه القذرة، تم من خلاله تقسيم الولاية إلى 11 منطقة؛ تستدعي كل واحدة إنجاز محطة معالجة، منها ما هو أنجز ومنها ما هو قيد الإنجاز وقيد الدراسة.
وأبرز ذات المسؤول، أن «هناك ثلاث (03) محطات جديدة لمعالجة المياه المستعملة قيد التجسيد على مستوى بلدية المرسى الكبير بدائرة عين الترك، والهدف الرئيس منها حماية الواجهة البحرية، وكذا بلدية وادي تليلات للحفاظ على بحيرة أم غيلاس، وقديل لصون ضاية تيلامين».
كما تم في هذا الإطار، تخصيص برنامج يضم ستة(06) مشاريع في طور الإنجاز موجهة للحفاظ على البيئة والمحيط على مستوى بلدية طافراوي بدائرة وادي تليلات، وبلدية بوتليليس ومنطقة الرأس الأبيض ببلدية عين الكرمة، التابعتين لدائرة بوتليليس، وكذا بلدة أرزيو، وكل من مرسى الحجاج وبطيوة بدائرة بطيوة.
وأوضح ذات المتحدث، أنه «سيكون لاستغلال المنشآت الجديدة أثر إيجابي على البيئة، خاصة في مكافحة طرح المياه المستعملة في البحر، كما سيتم تخصيص جزء من إنتاج هذه المحطات للري الفلاحي، كخيار استراتيجي لتوسيع المساحات المسقية وضمان الأمن الغذائي».
واعتبر لحاق أحمد أن وهران «تُصنّف، إضافة إلى تحلية المياه، ضمن المدن الأكثر استفادة من مشاريع تنقية المياه المستعملة، الموجهة للسقي، ولعلّ أهمها: محطة المعالجة بالكرمة التي تعد الأكبر في إفريقيا بطاقة تقدر بـ270 ألف م³، موجهة لسقي سهل «ملاتة»، على مساحة تتجاوز 8 آلاف هكتار، إضافة إلى محطة «رأس فلكون» بدائرة عين الترك والتي تقدر سعتها بـ32 ألف م³، مخصصة لسقي 450 هكتار من محيطي عين الترك وبوسفر.
ويظل الماء العذب عصب الحياة، وأصل قيام الحضارات والدول، وقد نشأت المنطقة السفلى لوهران (الميناء) على هذا الأساس، وحقيقة أن الأرض كوكب مائي، تطغى عليه البحار والمحيطات، لكن المياه العذبة تشكل فقط 2% من الكمية الموجودة.