تسعى السلطات العمومية منذ 3 سنوات إلى وضع سياسة مائية واضحة المعالم تجابه بها التغيرات المناخية الفجائية، التي اجتاحت العالم في السنوات الأخيرة، ما تسبب في جفاف شمالي إفريقيا ومناطق أخرى وفيضانات اجتاحت دول.
تسارع الحكومة الزمن من أجل تطبيق برنامج رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، القاضي بإنشاء محطات تحلية مياه بحر بغرض إنتاج 1.39 مليار متر مكعب في السنة، نهاية سنة 2024، ما يمثل 42 % من الإنتاج الإجمالي الوطني من المياه الصالحة للشرب.
ومن أجل تعزيز المشاريع في الأمن المائي ومواجهة الضغوط المرتبطة بشح المياه الحالي، تعمل الحكومة على تنفيذ برنامجين لتحلية مياه البحر، تفرعت منها عديد الانجازات إلى غاية سبتمبر المنصرم.
وفي السياق، يتم التزويد 140000 متر مكعب يوميا من المياه المحلاة الإضافية، من محطتين في البرنامج الاستعجالي “ماء 2021” لفائدة ولاية الجزائر، وهي محطة المرسى (60 ألف متر مكعب في اليوم) ومحطة قورصو بولاية بومرداس (80 ألف متر مكعب في اليوم) مع تشغيل محطة المرسى بسكيكدة (80 ألف متر مكعب في اليوم).
مشاريع جديدة لتحصين أمن الجزائر المائي
رغبةُ السلطات العمومية في تحصين الأمن المائي وتوفير المياه للجزائريين يوميا، لم تقتصر على إنشاء المحطات المذكورة، أو صيانة وإعادة تشغيل ما أنجز من قبل، بل تعدى ذلك الى مشاريع هامة جدا، منها ما تعمل عليه الحكومة حاليا، مثل إنجاز محطات جديدة تستهدف إنتاج كميات كبيرة من المياه المحلاة نهاية سنة 2024.
انطلقت الحكومة في أشغال بناء وربط 5 محطات تحلية مياه البحر بطاقة استيعاب 300000 متر مكعب يوميا، متمثلة في مشروع محطة تحلية مياه البحر فوكة البحرية، بولاية تيبازة بنسبة التقدم (% 15,36) ومشروع محطة تحلية مياه البحر سوق الاثنين ولاية بجايه، بنسبة تقدم (10,94).
إضافة إلى مشروع محطة تحلية مياه البحر كدية دراوش بولاية الطارف، نسبة التقدم (12.34%) ومشروع محطة تحلية مياه البحر رأس جنات (ولاية بومرداس) نسبة التقدم (14.55%) مع مشروع محطة تحلية مياه البحر الرأس الأبيض بولاية وهران، نسبة التقدم (8.64% ).
نصيب الأمن الغذائي من المشاريع المائية
ولأن الأمن الغذائي يرتبط ارتباطا وثيقا بالأمن المائي، عملت السلطات العمومية على إنتاج مياه في صالح الزراعة، بغرض تحقيق الأمن الغذائي والتخلص من التبعية الاستيراد، لاسيما مواد أساسية تدعم الدولة أسعارها.
ورغم استمرار الظروف المناخية الصعبة في عديد المناطق من البلاد، ومع ذلك جرى توسيع المساحة الإجمالية المسقية حتى وصلت 1.8 مليون هكتار، وتم ذلك بعد حشد كل الموارد الموجودة في البلاد.
ويوجد 81 سدا بطاقة تخزين إجمالية قدرها 8.6 مليار متر مكعب مع حجم إجمالي تمت تعبئته، بلغ 2.5 مليار متر مكعب، يمثل نسبة امتلاء بمقدار 32.3 بالمائة.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل جرى حفر 281000 بئر لجميع الاستعمالات، منها 27351 بئر من البرنامج العمومي، مع 213 نظام تطهير، بطاقة معالجة سنوية قدرها مليار متر مكعب، وبلغ حجم المياه المصفاة مقدار 442 مليون متر مكعب في السنة.
الفلاحة.. مؤشرات إيجابية
ويعد الأمن الغذائي واحدا من أهم الالتزامات التي عمل رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، على تحقيقه منذ توليه زمام الحكم نهاية 2019، من أجل خلق ثروة محلية تنافس إيرادات المحروقات وتحمي مقدرات الشعب الجزائري وتصون كرامته.
ويشهد القطاع الفلاحي، منذ بداية 2020 تطورا ملحوظا لكون هياكل الإنتاج وتنظيمها والمخطط التنموي 2025/2030 و2035 بالرؤية الجديدة تسمح بالوقوف على مؤشرات إيجابية على كافة المستويات رغم صعوبة الموسم الفلاحي 2022/2023 جراء التغيرات المناخية والجفاف الذي اجتاح عديد ولايات الجمهورية.
وفيما يخص إنتاج الحبوب جنوب البلاد فقد تحقق متوسط إنتاج يتراوح بين 50 إلى 60 قنطار للهكتار، مع بلوغ ذروة حددت بـ 85 قنطار للهكتار، في حين أن 13 بالمئة من مساحات الحبوب في الشمال تم تأمينها بفضل الري التكميلي.
وبشأن الخضروات فسجل الإنتاج الوطني زيادة تتراوح بين 3 و5 بالمئة بالنسبة لأهم المنتوجات لاسيما البصل والبطاطا بما يسمح بتغطية كافة احتياجات السوق من الخضر والفواكه، وبالتالي تفادي الحاجة إلى الاستيراد.
أما من حيث الأنواع ذات النواة والبذور المقاومة للجفاف، فقد سجل الإنتاج تطورا هو الأخير بأزيد من 7 بالمئة، وسجل إنتاج التمور زيادة بأكثر من 26 بالمئة، بالمقابل فقد سمحت قدرة إنتاج اللحوم البيضاء بتغطية كافة احتياجات السوق الوطنية.
الماء أساس الأمن القومي
ويرى الخبير في الشؤون المائية، مكي مساهل، أن “السياسة المائية المتبعة من قبل السلطات العمومية تستهدف تحقيق الأمن المائي، الذي يعد المرتكز الحقيقي للأمن الغذائي في الجزائر، وفي نفس الوقت يعد أساس الأمن القومي”.
ويشير مساهل، في اتصال هاتفي مع “الشعب أونلاين”، إلى أن الجزائر تعاني تغيُّرا في المناخ، وما ينتج عنه من جفاف وشح للأمطار وتقلبات جوية، ويضيف: “الجزائر تعاني بصفة عامة عجزا مائيا ناجما عن هذه التغيرات”.
هو واقع جعل السلطات العمومية تتجه نحو إستراتيجية وطنية، فيما يخص تحلية مياه البحر، سنتي 2017 و2018، وتوسعت بشكل لافت بداية من سنة 2020، من أجل مجابهة التغيرات المناخية وتوفير الماء الضروري للساكنة، يضيف مكي مساهل.
ويشدد الخبير على أن تحلية مياه البحر، جعلت “الجزائر تخطو خطوة كبيرة وسريعة نحو أمن مائي حقيقي، وإعادة النظر في استخدام مياه الصرف وإعادة استعمالها في الفلاحة، لأن الأولوية للمياه الشروب ثم للمياه الاقتصادية المتمثلة في مياه الفلاحة ومياه الاقتصاد”.
وفي تعليق على أرقام الحكومة بشأن مشاريع تحلية مياه البحر، يذكر مساهل أنها غير مبالغ فيها، وهي أرقام حقيقية في برامج الحكومة الجزائرية المسطرة، ويتابع قائلا: “نتطلع إلى أن تنجز هذه البرامج في آجالها المحددة، وهذا شرط أساسي يؤدي إلى نجاح أي مشروع تنموي”.
تقنيات متطورة وكوادر جزائرية
ويُلفت مساهل الانتباه، في معرض الحديث عن التقنيات المستعملة في عملية تحلية مياه البحر، إلى أن تقنية “أوسموس” التي تستخدمها الجزائر تعني تبادل ما بين الضغط والأملاح وتصفية الماء.
ويضيف في السياق: “تعمل الكوادر الجزائرية بهذه التكنولوجيا، خاصة أن هذه المحطات كلها إنتاج وصناعة جزائرية ما عدا قطع الغيار”.
وبخصوص تكلفة المتر المكعب، يقول الخبير المائي إن سعر 1 دولار يعد سعرا مرتفعا، ولكن الدولة الجزائرية في إطار الماء الشروب تدعم هذا السعر (140 دينار للمتر المكعب المحلى)، والمواطن يدفع حوالي 20 دج للمتر المكعب فقط.
إجراءات حاسمة…
من جهته يعتبر أستاذ علوم الاقتصاد، عمر هارون، الإجراءات المرافقة للتقلبات المناخية المتخذة بغرض مرافقة الفلاحين والقاضية بتأخير مبالغ تأجير الأراضي ودفعات القروض وفوائدها مع تقديم البذور والأسمدة مجانا حاسمة تحافظ على الأمن الغذائي.
ويشدد هارون، في اتصال هاتفي مع “الشعب أونلاين”، أن هذه القرارات المتخذة من قبل الرئيس تبون تساهم بشكل كبير بقاء الفلاحين بأراضيهم ما يجعلهم يواصلون نشاطهم الفلاحي الذي أضحى رافدا مهما في المعادلة الاقتصادية الوطنية.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن السلطات العمومية لم يقتصر دورها على هذه الإجراءات فقط، بل عملت من خلال توجيهات رئيس الجمهورية على قرارات تكتسي طابعا استعجاليا واستراتيجيا في آن واحد.
ويوضح هذه النقطة قائلا : “التوجه نحو تحلية المياه لسد العجز الموجود بسبب تراجع نسب إمتلاء السدود يعتبر الحل الأمثل كما ان التوجه نحو الرفع من نسبة الفلاحة المسقية لحدود تفوق المليون ونصف المليون ألف هكتار خاصة تلك الموجهة للحبوب يعد عاملا إضافيا على حماية الأمن الغذائي للجزائريين”.
ويختم عمر هارون تدخله : “كل هذه القرارات المعلنة تجعل الجزائر في مٱمن لكونها قد إتخذت كل الإجراءات الممكنة لتأمين امنها المائي والغذائي”.