أصدر المجلس الأعلى للغة العربية عددا جديدا من مجلة “اللغة العربية”، تضمّن مقالات بحثية في مختلف المحاور.
ممّا تضمنه العدد دراسات لغوية للقرآن الكريم، وأخرى في الأدب الصوفي، والمخطوطات، إلى جانب دراسات نقدية للأدب الجزائري والعربي. وتعمل المجلة على تحقيق أهداف المجلس الأعلى للغة العربية، وذلك بالعمل على ازدهار اللغة العربية وترقيتها وتعميم استعمالها في مجالات العلم والمعرفة وفي الحياة العملية.
صدر حديثا العدد الثالث والستون من مجلة “اللغة العربية”، المجلة الفصلية المُحكّمة الصادرة عن المجلس الأعلى للغة العربية بالجزائر. وتضمّن هذا العدد الثالث من المجلد الخامس والعشرين، 24 مقالا في مختلف المحاور، موزعة على ما يفوق 500 صفحة.
التنزيل الحكيم في قلب اهتمام الباحثين
تضمن العدد مقالات متعدّدة كان القرآن الكريم موضوعها الرئيس. ومن هذه المقالات نذكر “التّآزر بين قواعد التّجويد وقواعد النّحو في ضبط العربيّة ومعانيها” لمحمد بن عبوا، الذي يلفت الانتباه إلى زيادة الحرص على الممارسة الفعليّة للقراءة في مختلف أنواعها، وإعطاء جانب الكتابة حقّها من حيث احترام علامات التّرقيم، والحرص على وضعها في إطارها الصّحيح. ويرى الباحث أنه بقدر ما لحركات الإعراب من دور، بقدر ما للجانب الصّوتي وعلامات الترّقيم من الدّور نفسه كذلك؛ فعند وصل ما يجب فصله أو العكس، وترقيق ما يجب تفخيمه، أو روم ما يجب إشمامه، أو العكس، كثيرا ما تنقلب المعاني رأسا على عقب، فتتغيّر وجهتها فيصير النّفي إثباتا، والإثبات نفيا، وقد يصيران تعجّبا.
وفي مقال “الخلافُ الصَّرْفِيُّ في مَعاني صيغ (فَعَلَ) وَ(أفعَلَ) وَ(فَاعَلَ)، دراسة صرفية بينَ قُرَّاءِ القرآن الكريم”، عمل الباحثان زينب سالم وعلي يوسف على حصر هذه الصيغ وتوضيح معانيها بين القراء، وتوصلا إلى النتائج الآتية: أولا، الأفعالُ الموافقة لوزن فَعَلَ أفْعَلَ لم تكن كثيرةً في القرآنِ الكريمِ. ثانيا، الأفعالُ التي على وَزنِ فَعَلَ فاعَلَ كانت أقلَّ ممَّا سبق. وثالثا، القراءُ الذين انفردُوا بهذه الصيغ اعتمدوا على الشَّواهد القرآنية، بينما اعتمد الباقون على شاهدٍ شعريّ واحد.
من جانبهما، قال كل من خيرة بن قايد ومحمد السعيد بن سعد، في مقالهما “الشّواهد الشّعرية وأثرها في تفسير القرآن الكريم تفسير قطوف دانية من سور قرآنية – الأخضر الدهمة –«، إن على الذين يتصدَون إلى مَهمةِ تفسير كتاب الله تعالى، أن يتميّزوا بمجموعة من الشروط، من أهمها التبحّر في علوم اللغة العربية، والاستعانة بمنهج يعتمد على مجموعة من الآليات التفسيرية. وبحث كاتبا المقال عن هذه الآليات وأثرها في التفسير؛ في مدونة الأخضر الدهمة الموسومة بـ«قطوف دانية من سور قرآنية”، بهدف الوقوف على الشواهد الشعرية التي وظفها في التفسير. ومن أهم نتائج المقال أن الشيخ الدهمة وظّف الشواهد الشعرية التمثيلية والمعجمية والسياقية والبلاغية والنحوية.
وحاولت أحلام بن عمرة، في مقالها “الضمني في الخطاب القرآني دراسة تداولية معرفية لأساليب استفهاميّة”، تحديد المضامين المختلفة لأسلوب الاستفهام في الخطاب القرآني من خلال تحليل نماذج منه، ودراستها في ضوء النّظرية التّداولية المعرفيّة التي تهتم بكيفية اشتغال الدّماغ البشري، ومختلف العمليات الاستدلاليّة التي تتدخل في عمليّة التّأويل.
من الصوفية إلى المخطوطات
كما نجد في المجلة مقال “المنتج الدلالي للأبعاد الصوفية في الشعر الجزائري المعاصر”، لكاتبه عمر طرافي، يقول فيه إن الخطاب الصوفي تجلى في الشعر الجزائري المعاصر بدلالات عميقة تعكس تجارب الشعراء في تقصّي غموض الذات وفردانيتها، فأضحت أعمالهم الشعرية متسمة بالإيغال في عوالم الصوفية والرمزية. ولدراسة هذه الدلالات، انتقى الكاتب نصوصا شعرية جزائرية معاصرة، وقام بالبحث في آليات اشتغال الدلالة الصوفية في البنية العميقة على المنتج اللغوي والرؤيوي لهذه النصوص.
أما علي منصوري فيقترح علينا مقالا حول “مكانة الكتابة الأدبية في عالم التصـوّف الإسلامي”، يرى فيه أن الأدب الصوفي من أعلى وأرقى أنواع الكتابة الأدبية في اللغة العربية على الإطلاق، وفيه تتلاقى اللغة العربية في شكلها العالي الذي يقوم على معجم خاص جدا ودلالات عميقة مع التجربة الروحية.
وفي مجال المخطوطات، يقدّم لنا هشام عبد ربو مقال “رقمنة المخطوطات بالجزائر، الواقع والآفاق”، الذي يتحدّث فيه التطوّر التكنولوجي الذي عرفته شتى الميادين على علم المكتبات والمخطوطات، في محاولة لتنظيم وتصنيف مخطوطاتنا وضبطها في أُطر وأنظمة آلية من شأنها أن تقدم خدمات راقية، على غرار باقي الأوعية الفكرية الأخرى. واعتبر الباحث أن تجربة رقمنة هذا الوعاء الفكري (المخطوط) في بلادنا تهدف إلى معالجة رصيدنا من المخطوطات من خلال التصنيف، والفهرسة؛ ثم التخزين والاسترجاع، مع ما لذلك من أهمية.
من جانبه، يقدّم لنا حاج امحمد حاج ابراهيم دراسة عنوانها “المصنفات اللغوية في مكتبات وخزائن مزاب خلال الفترة العثمانية – خزانتي دار تلاميذ ـ إروان – تغرديت وتجنينت نموذجا”.
وجاء في المقال، إن أقدم المخطوطات التي تمّ التعرف عليها في خزائن مزاب تعود إلى القرن السابع الهجري، وهو ما يعطي لهذه الخزائن روحا وقيمة تاريخية، يستمد منها المجتمع الجزائري الراهن قوته ومرجعيته، ولكن أخذ الموضوع في سياقه التاريخي نفسه يقود بنا إلى التساؤل حول مدى أهمية الكتاب كوعاء معرفي خلال الفترات السابقة لعصر الطباعة وتنوع وسائط المعرفة وشيوعها، وذلك من خلال البحث في مكامن المكتبات وخزائن المخطوطات والنظر في مضامينها، وتشكيل صورة متكاملة عن البعد الذي حظي به الكتاب في الأوساط العالمة وتأثيره على الحياة الفكرية عموما.
وللنقد الأدبي نصيب وافر
ومن مقالات العدد التي عنت بالنقد الأدبي، نذكر مقال أمينة فزاري “البناء الفني في قصة (غادة أم القرى) لأحمد رضا حوحو”، وفيه وجدت الباحثة أن البناء الفنـي لهذه الرواية يقوم على الموضوع، والحوادث، والحبكة، والعقدة، والحل، والشخصيات، والمكان، والزمان، ولغة القصة، والأسلوب القصصي.
أما مقال “سیمیاء الاستهلال فی روايات الحبیب السائح” لرتيبة مصمودي، فنجد فيه تحلیلا للاستهلالات الروائیة “نظرا لأهميتها في استقطاب القراء وتشویقهم لما هو آت، فالنص السردي لم یعد مرآة عاکسة للأحداث الواقعة، بل رؤيا من زاوية أخری تخضع لمستويات التلقي والتأویل”، تقول الباحثة.
وفي مقاله “تقنيات التشكيل البصري وتجلياتها في ديوان أهازيج الجسد الراقص لـ«كورات الجيلالي”، يعتبر فؤاد زرواق أن المتتبع لمسار الممارسة الشعرية المعاصرة، يلاحظ التحول الواضح الذي سلكته القصيدة المعاصرة باستثمارها تقنيات الصورة أو التشكيل البصري، فتوصّلت إلى استراتيجيات جديدة للتوصيل والتلقي، زاد من فاعليتها ما توصل إليه العقل البشري في مجال التكنولوجيا والتطوّر المعرفي.
كما نذكر مقال “أثر البداوة في مصطلحات النقد العربي”، لكاتبه زكريا بوشارب، الذي لاحظ أن البيئة البدوية كانت المعين الأول الذي استقى منه الناقد العربي منظومته المصطلحية؛ إذ تبنى أوائل النقاد مصطلحات قادمة من أفضية الصحراء، تتبدى معالمها في الارتباط الوثيق بين مصطلحات صنعة الشعر، ما جعل أدونيس يقول إن العربي سكن ببدنه بيت الشعر، وسكن بوجدانه بيت الشعر؛ وذلك ما نجده عند حازم القرطاجني، وقبله الخليل بن أحمد الفراهيدي.
وتضمّنت المجلة في عددها هذا مقالات أخرى متنوعة، نذكر منها “الاصطلاح بالمحاكاة: نحو مسلك جديد للاصطلاح” لقلالة عُمار، و«زيارة الشيخ المصري محمد عبده لمدينة الجزائر صائفة 1903م وتداعياتها” لأوفة سليم، و«التناص الأسطوري في شعر محمد الفيتوري – آلية الاستدعاء نموذجا -” لكل من خيرة ياحي وعلي دني، و«المنحى التداولي عند أبي إسحاق الشاطبي في ضوء علم اللغة الحديث دراسة مقارنة نقدية”، لمحي الدين بن عمار، و«قراءة في “ديوان البِكرِي” للشيخ عبد الرحمن بَكَلِّي الجزائري لكل من حاج امحمد عيسى بن ابراهيم وحاج امحمد يحيى بن بهون، و«تجليات الأدبية في صحيفة بشر بن المعتمر” لعفيف الطاهر، و«ملامح الاتساق النصي عند أبي الحسن الرماني” لمشوار مصطفى ونجادي بوعمامة، و«مظاهر من النشاط اللساني العربي الحديث النشاط اللساني الوظيفي لأحمد المتوكّل أنموذجا” لسهام دويفي، و«تحليل الخطاب الإصلاحي في ضوء المنهج اللساني الوظيفي” لكل من خيرة غزالي ومحمد سعيدي، و«ترجمة المصطلح التقني المتخصّص في كتاب “هندسة البرمجيات” لآيان سومرفيل ترجمة أحمد نغميش أنموذجا” لزينب مساسط وكمال قادري، ومقال “ما هو التاريخ الدقيق لنشر كتاب (م.ل.ع)؟” لمحمد مرزوق، و«حضور مصطلح التراث الشعبي في الدراسات اللسانية الأنثروبولوجية” لراشدة صوام.