في سياق توجه عالمي والسباق نحو الطاقات النظيفة والمتجددة، تخوض الجزائر تحديات التحول الطاقوي، وأبانت عن مساعي للتموقع باكرا في سوق عالمي واعد، يُنتظر أن يُعيد رسم الخريطة الاقتصادية والسياسة للعالم.
بأبعاد اقتصادية، بيئة، سياسية واجتماعية، شرعت الجزائر، في آخر السنوات، في مشروع التحول الطاقوي من منطلقات مرتبطة بما يشهده العالم من تغييرات وتقلبات على أصعدة كثيرة، وأيضا لما تحوزه من إمكانيات وموارد هائلة تُتيح فرص الريادة في إنتاج طاقة نظيفة، آمنة ودائمة.
تُصنف الجزائر من الدول التي تمتلك إمكانات هائلة لتأمين استهلاكها المحلي، وتؤهلها لتكون منافسًا دوليًا في سوق الطاقة المتجددة، مستقبلا، وتُشير تقديرات إلى أن معدل الإشعاع الشمسي في أنحاء البلاد يتراوح ما بين 2000 و4000 ساعة سنويًا.
ويبرز التوجه الاستراتيجي الجديد للجزائر، في السنوات الأخيرة، في خطط عملية ومشاريع ضخمة، منها ما أنجز، ومنها ما هو قيد الانجاز، وأيضا شركاء وازنون، في إطار مقاربة متكاملة سبقتها تحضير أرضية إصلاحات هيكلية وتشريعية، تندرج ضمن التزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
وكان لملف الأمن الطاقوي قسط وافر من التزامات رئيس الجمهورية الـ 54 التي رفعها من أجل من أجل إحداث تغيير شامل وحقيقي يسمح بتقويم وطني وإعطاء انطلاقة جديدة للبلاد.
الالتزام الـ 21:
تشجيع إنتاج الطاقة الأحفورية والطاقة المتجـددة (الطاقــة الشمســية والريحيــة) واســتهداف التصديــر في هــذا المجــال:
– تجسيد الانتقال الطاقوي الذي يعتمد على النجاعة الطاقوية والطاقات المتجددة بشكل يستجيب لاحتياجات الاستهلاك الداخلي ويهدف إلى تصدير الطاقة كوسيلة لتنويع الصادرات خارج المحروقات.
– تنفيذ برنامج وطني لتطوير الطاقة المتجددة مع التركيز على الطاقة الشمسية (3000 ساعة من أشعة الشمس في السنة) و الريحية يطمح إلى التصدير.
– مراجعة سياسة الدعم المعمم في إطار مقاربة أكثر إنصافا ونجاعة.
– تطوير شراكة قطاع خاص وطني/ قطاع خاص دولي مع “سونلغاز” في تطوير الطاقات المتجددة.
– تشجيع استخدام الطاقات المتجددة في القطاع الاقتصادي من خلال تدابير تحفيزية وفي الإنارة العمومية.
– تعميم التقنيات الجديدة في مجال توفير الطاقة بما في ذلك أنظمة الإضاءة الذكية وأجهزة الاستشعار، على مستوى السكنات الفردية والمرافق الحكومية والقطاع الاقتصادي.
عمليا، وإلى جانب التقدم المحرز في الغاز الطبيعي الذي حققت فيه الجزائر خطوات معتبرة، يُبرز اهتمام الجزائر بمشاريع الطاقة الشمسية وإنتاج الهيدروجين، اذ تتطلع السلطات العليا في البلاد إلى تجسيد استثمارات ضخمة تُعزز تثمين موارد الطاقة الأحفورية.
وتسعى البلاد نحو إنتاج نحو 15 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية بحلول 2035، في إطار مشروع “سولار 1000″، معتمدة في ذلك على خريطة طريق تحويل الجزائر إلى رائد إقليمي ودولي في إنتاج الطاقة النظيفة وتسويقها.
وتراهن في ذلك على مؤهلات عديدة، مثل البنية التحتية، الموقع الجغرافي، وإمكانيات هائلة في إنتاج الكهرباء من مصادر مختلفة، توجه للاستهلاك المحلي والتصدير.
انتقال سلس..
في حديث عن ملف الأمن الطاقوي، يُبرز البروفيسور علي مشناق، خبير في الطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي لـ”الشعب”، أن العالم يعيش تحولات وتغييرات جذرية تجاه متطلبات الطاقة، لاسيما في ظل تداعيات أفرزتها أزمة أوكرانيا – روسيا، و”تصدير” أزمة طاقة لمناطق كثيرة في العالم، منها الاتحاد الأوربي.
ويوضح مشناق أن الجزائر متصلة بمحيطها الجغرافي وليست منعزلة عن ما يحدث في العالم، وتقدمت بخطوات جبارة في ملف التحول الطاقوي الذي يُعد أحد “أسلحة” المستقبل، مثلما يقول، سواء من حيث ضمان استهلاك محلي آمن ونظيف، أو ما تعلق بتعزيز موارد الطاقة وتوسيع مداخيل البلاد.
يركز المتحدث على أهمية خارطة الطريق التي اعتمدتها الجزائر في تحقيق انتقال سلسل من خلال الاستثمار في الطاقات المتجددة وفق نموذج تدريجي، ويقول:
“هناك مشاريع ضخمة مثل مشروع 2 جيغاواط الذي يشمل 12 نقطة في البلاد، وقبله مشروعه “سولار1000، والتوجه نحو تجسيد استثمارات في الهيدروجين الأخضر.”
ويربط مشناق مساعي البلاد في التحول الطاقوي بأبعاد إستراتيجية متعلقة أساسا بأمن الطاقة على المستوى الدولي، ويستدل بتصريحات رئيس الجمهورية الذي أكد على ضرورة تحول البلاد إلى قطب طاقوي إقليمي وعالمي.
ويوضح المصدر أن مشاريع ضخمة مثل “سولار1000″ و برنامج ” 2جيغا واط” لها أبعاد بيئية، اقتصادية واجتماعية، ويتابع بقوله:” تحقيق الاكتفاء الطاقوي ثم التصدير إلى الخارج في غضون 2035، حيث تعول الجزائر تنتج الكهرباء بنسبة 40 بالمائة من مصادر متجددة، مستقبلا.”
من منظور مشناق، تبنت الجزائر مشروع انتقال طاقوي سلسل يمر عبر تجسيد برامج واعدة وهادفة وفق أمن طاقوي مستدام:” في وقت مضى كانت هناك مشاريع لم ترى النور، وبالتالي نلتمس اليوم نية جادة وإرادة سياسة لتجسيد هذه المشاريع الهامة.”
مشروع “سولار”
“سولار” هو برنامج للطاقة الشمسية في الجزائر، يستهدف توليد 1000 ميغاواط سنويًا قصد بلوغ 15 ألف ميغاواط بحلول عام 2035، من خلال الاعتماد على الطاقة الكهروضوئية والطاقة الشمسية الحرارية والرياح، إلى جانب التوليد المشترك، والكتلة الحيوية، والطاقة الحرارية الأرضية.
وينتظر إنتاج أول كمية من الكيلوواط ساعي من الطاقة الكهروضوئية من مشروع “سولار 1000 ميغاواط” في غضون نهاية 2023، وفق تصريحات سابقة للمدير العام للشركة الجزائرية للطاقة المتجددة “شمس” إسماعيل موقاري، وهي الشركة المسؤولة عن إعداد ومعالجة الإعلان عن المناقصة الخاصة بهذا المشروع.
ويتمثل هذا المشروع في تأسيس شركات مشاريع (SPV) تتكفل بإنجاز مشروع محطات شمسية كهروضوئية بقدرة إجمالية تبلغ 1000 ميغاواط موزعة على التراب الوطني إلى حصص تتراوح من 50 إلى 300 ميغاواط لكل واحدة، ولا يُمثل المشروع الذي تقدر كلفة إنجازه بـ 1 مليار دولار، حسب موقاري، سوى مرحلة أولى من برنامج 15 ألف ميغاواط الذي يتطلب تمويل شامل يقدر بـ 15 مليار دولار و هي كلفة يصعب تحمها محليا.
ويأتي استحداث شركة “شمس” سنة 2021 ( شركة مختلطة بين المجمعين العموميين “سونلغاز” و”سوناطراك”)، في إطار تهيئة أرضية ملائمة لفائدة المستثمرين المحتملين في إطار مشروع سولار 1000 ميغاواط، وضمان استغلال المحطات وتسويق الطاقة المنتجة.
وفي إطار إستراتيجية البلاد في إنتاج هذا النوع من الطاقات، يجرى تطوير الاستهلاك الذاتي للطاقات المتجددة من خلال أجهزة الطاقة الشمسية الفردية مع أو بدون الضخ في الشبكة، وتعميم الكهرباء على المناطق المعزولة انطلاقا من أجهزة الطاقة الشمسية الفردية أو إنتاج ممركز مع شبكات مصغرة.
واستعرض مدير الطاقات الجديدة والمتجددة بوزارة الطاقة والمناجم، فوزي بن زايد، خلال انعقاد المنتدى الجزائري – الأمريكي حول الاقتصاد الأخضر ( مارس 2023)، إلى إجراءات دعم المستثمرين ومستخدمي الطاقات المتجددة، منها الصندوق الوطني للتحكم في الطاقة والطاقات المتجددة والمشتركة الذي انشأ من أجل تمويل تكلفة إنتاج الكهرباء لاسيما عن طريق الطاقة الشمسية.
وتضم الجزائر، وفق المصدر، عددا هاما من الموارد المتجددة لاسيما الشمسية بقدرة إشعاع تصل إلى 3 كيلو واط ساعي في المتر المربع/ السنة في منطقة الشمال و5.5 كيلو واط ساعي/المتر المربع في الجنوب مع مدة إشعاع تتراوح ما بين 2000 و4000 ساعة في السنة.
تطوير الهيدروجين..
يُنتظر أن يسجل إنتاج الهيدروجين قفزة نوعية خلال السنوات القليلة المقبلة، وفق خريطة طريق وطنية تهدف إلى تطوير إنتاج أحد أهم الموارد الطاقوية، التي تسمح بتنويع الإمدادات وتسريع الانتقال الطاقي، تعزيزا لأمن الطاقة على المديين المتوسط والطويل.
وتعكس خارطة الطريق لتطوير الهيدروجين المتجدد (الأخضر) والنظيف (الأزرق)، المعلن عنها شهر مارس 2023، خلال افتتاح “ورشة الإستراتيجية الوطنية لتطوير الهيدروجين في الجزائر”، الإرادة القوية للدولة لتسريع الانتقال الطاقوي في دعم تصور ورؤية لتطوير اقتصاد متنوع ومستدام.
وتتمتع الجزائر بالعديد، بحسب وثيقة “ورشة الإستراتيجية الوطنية لتطوير الهيدروجين في الجزائر”، من المزايا التنافسية لتصبح رائدة على مستوى العالم في إنتاج الهيدروجين، حيث تمتلك إمكانيات هائلة لإنتاج الطاقة الشمسية، وموقع جغرافي متميز وبنية تحتية طاقوية واسعة، ونسيج صناعي متنامي.
وحسب الوثيقة، تولي الجزائر اهتماما خاصا لتطوير هذا القطاع لثلاثة أسباب:
-تصدير طاقة أنظف: تعتزم الجزائر التموقع على الساحة الطاقوية الدولية كمورد أساسي وموثوق للهيدروجين النظيف.
-الفرص الاقتصادية المحلية التي يجب اغتنامها يمكن استخدام الهيدروجين في النقل التدفئة وإنتاج الكهرباء، بالإضافة إلى استخداماته العديدة في القطاع الصناعي. كما ان تطوير هذه الاستخدامات سيجعل من الممكن إطلاق وتطوير قطاعات صناعية وتكنولوجية جديدة .
-تطوير الطاقات المتجددة إن تطوير الهيدروجين الأخضر سيجعل من الممكن زيادة حصة الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة
وقدمت الوثيقة حوافز تطوير قطاع الهيدروجين في الجزائر، انطلاقا من موقع جغرافي متميز، إمكانيات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، حيث تتمتع الجزائر، بحكم موقعها الجغرافي وامتدادها واحدة من أكبر موارد الطاقة الشمسية في العالم.
إضافة إلى شبكة الكهرباء الواسعة، وشبكة واسعة من خطوط أنابيب الغاز الوطنية والعابرة للحدود والتي تربط الجزائر بأوروبا، واحتیاطات مائية كبيرة، مراكز البحث والجامعات الناشطة والفعالة، نسيج صناعي متنامي، وتكلفة إنتاج الهيدروجين التنافسية.
وتأخذ خريطة الطريق الوطنية لتطوير الهيدروجين المتجدد والنظيف في الاعتبار نوعيْن من الهيدروجين، هما:
-الهيدروجين الأزرق: الذي يتم الحصول عليه من عملية تحويل الميثان، إذ يجري التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه أو التقاطه واستعماله.
-الهيدروجين الأخضر: الذي يجري إنتاجه عن طريق التحليل الكهربائي للمياه باستعمال الكهرباء من مصادر متجددة.
خطوات ميدانية
وتواصل الحكومة، حسب ما تضمنه بيان السياسة العامة للحكومة لسنة 2023، تنفيذ سياستها التنموية، التي تتمثل أولويتها في ضمان الأمن الطاقوي على المدى الطويل للبلاد وتثمين المحروقات وتوفير المواد المعدنية للقطاعات الاقتصادية والحفاظ على مستوى الصادرات الذي يسمح بتمويل الاقتصاد الوطني.
في مجال الكهرباء وتوزيع الغاز الطبيعي، أشار بيان السياسة العامة للحكومة، إلى تعزيز وسائل إنتاج الكهرباء وتطوير شبكة نقل وتوزيع الكهرباء والكهربة، وربط البلاد بالغاز الطبيعي مع إيلاء أهمية خاصة للأنشطة المولدة للثروة، ومناصب الشغل المناطق الفلاحية والمستثمرين:
-وضع قدرة إضافية لإنتاج الكهرباء بقدرة 600 ميغاواط.
-تدعيم شبكات النقل والتوزيع من خلال إنجاز 5000 كلم و 1.260 محطة كهربائية وما شابهها وة, 805 كلم و 119 محطة للغاز ربط 12 موقعا بالكهرباء 28 موقعا بالغاز بالنسبة للمدن الجديدة والأقطاب الحضرية.
-ربط 1.100 مستثمرا بالكهرباء و 437 بالغاز
-ربط 28 منطقة صناعية بالكهرباء و100 منطقة بالغاز – إنجاز 3.047 مشروعا كهربائيا بالمناطق المتفرقة والمحرومة، بما مكن من ربط 198. 78 مسكن و 2.770 مشروعا بالغاز أي ربط 276304 مسكن.
تنمية الطاقات المتجددة والجديدة:
-وضع محطة للطاقة الشمسية الكهروضوئية بطاقة 10 ميغاواط حيز الخدمة من قبل شركة سوناطراك، وإطلاق مشروع مختبر سولار”لاب” ببئر ربع شمال.
-إنجاز 28 ميغاواط من أصل الـ 50 ميغاواط المقررة في برنامج التهجين لمحطات إنتاج الكهرباء في الجنوب.
-وبلغت الطاقة الإنتاجية للكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة 660 ميغاواط
-تعبئة مبلغ إجمالي قدره 3,055 مليار دينار بعنوان سنة 2023 من أجل ربط المواقع المعزولة بالطاقة الكهربائية عن طريق شبكات الطاقة الشمسية الصغيرة الربط بالطاقة الكهربائية باستخدام مجموعات الطاقة الشمسية الكهروضوئية لفائدة 2.000 مسكن مع الأولوية للولايات العشر الجديدة
-الإنارة العمومية عبر 5.000 نقطة إنارة بالطاقة الشمسية الكهروضوئية. تجهيز 2 هيكلا لوزارة البيئة والطاقات المتجددة بالطاقة الشمسية الكهروضوئية بمبلغ 50)مليون دينار
-إنتاج 7.000 وحدة إنارة كهروضوئية (إنارة عمومية) بجميع أنحاء المدن الجديدة من قبل قطاع السكن
الفعالية الطاقوية
-تحويل 71% من المركبات للسير بالغاز الطبيعي المميع من أصل 150.000 مركبة مستهدفة : – تحسين الفعالية الطاقوية للوحدات الصناعية 57% من إجمالي 39 مشروعا.
– تخفيض نسبة الغاز المشتعل من 79% إلى 3%..
-تحقيق مكسب قدره 44 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي سنة 2022 بفضل محطات توليد الكهرباء بواسطة الطاقات المتجددة التي تم إنجازها، وكذا لاستخدام محطات توليد الطاقة ذات دورة مركبة.
المخطط الوطني الطموح للهيدروجين:
-إعداد وثيقة حول الإستراتيجية الوطنية لتطوير الهيدروجين على المدى القصير والمتوسط والطويل
-تنفيذ مخطط اتصال وتعميم الإستراتيجية الوطنية لتطوير فرع الهيدروجين في الجزائر تنظيم ورشات عمل للترويج للاستراتيجية الوطنية لتطوير الهيدروجين تنمية الموارد البشرية من خلال إدراج التكوين الجامعي في مجال الهيدروجين، وتنظيم سلسلة من الدروس في شكل ندوات عبر الإنترنت حول الهيدروجين وتنظيم ورشة عمل للخبراء حول فرع الهيدروجين المتجدد بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي
– اختيار مشاريع الهيدروجين التجريبية التي يجري إطلاقها.