مجاهد بعمر السادسة عشر، متواضع بطول وعرض 15 مؤلفا أكاديميا، ومئات الدراسات، مؤرخ للسياسة في الجزائر، وللإدارة العامة في الوطن العربي، ومواطن يشتهي الحرية للوطن، قبل كل شيء.. تلك صفات لا تجتمع بسهولة في حضن شخص عادي..
اتفق بروفيسورات كُثُر، من الجزائر وخارجها، في كتاب صادر حديثا عن دار كوكب العلوم للنشر والطباعة والتوزيع، على قول: شكرا لك عمار بوحوش على مسارك الأكاديمي والعلمي!
من استعانت به جامعات عربية كثيرة، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، حتى يزرع في بيئاتها الجامعية والإدارية والسياسية مايسيليوم “الإدارة العامة”، التي تعني فيها تعنيه حسن التنظيم وبالتالي حسن التسيير، ستلتصق باسمه في الكويت والسعودية والأردن وسوريا، وغيرها، صفة “شيخ الإدارة العامة في الوطن العربي”.. يتواضع لك وهو السابعة والثمانين من العمر، ولا يجد حرجا في مناداتك بـ”أستاذ”، احتراما، مع ان هذه المرتبة العلمية وصلها بد مسار دراسي وبحثي طويل في الولايات المتحدة الأمريكية وفي الجزائر ودول عربية عديدة استعانت به لفتح أقسام جامعية لتعليم العرب فنون الإدارة العامة والتنظيم، في زمن قل فيه المتخصصون في هذا العلم المنشق والمشتق من العلوم السياسية.
تكريم بطول 438 صفحة
في كتاب “الأستاذ عمار بوحوش رائد الدراسات السياسية في الجزائر”، وهو كتاب تكريمي، بطول 438 صفحة، تزاحمت أسماء وازنة في الجامعات الجزائرية والعربية للحديث عن المجاهد والصديق والباحث، والرائد في مجال تخصصه، والرائد أيضا في الأبحاث السياسية في الجزائر.
لا تخلو مقالة من مقالات الكتاب أو دراسة مضمومة له في سياق التكريم، من ذكر فكرة نشرها الرجل، أو بحث وتميز أطلقه أول بروفيسور في العلوم السياسية بالجزائر، ومكون أجيال، منهم من دانت له السلطة وأصبح رئيسا للحكومة مثل حال تلميذه مولود حمروش، ومنهم من أصبحوا دكاترة وبروفيسورات في جامعة الجزائر وجامعات أخرى أردنية سورية وكويتية وسعودية..
وجه علمي مؤثر
يقول منسق الكتاب التكريمي ومقدمه البروفيسور ناصر الدين سعيدوني عن عمار بوحوش، الذي يقاسمه رؤى ومواقف، ومسارات بحث متقاطعة في التاريخ، إن بوحوش “من الوجوه العلمية المؤثرة في الحياة الثقافية الجزائرية”، وهو يتحدث عن صداقة عمرها عقود طويلية، وعن طموح أكاديمي دفع هذا الجيل إلى ركوب مغامرات الدراسة في خمسينيات القرن الماضي، داخل وخارج البلاد، في بيئة لم تكن مواتية ماليا وتنظيميا، ولكن فطنة قادة الثورة الجزائرية وشيوخ المدارس الحرة وغيرهم، أجمعت على وجوب تحضير جيل متعلم ومتخصص لجزائر ما بعد الاستقلال، وهي الفكرة التي تبناها الكولونيل عميروش، وقادة آخرين، كل حسب إمكانياته، وسعت جبهة التحرير الوطني، عن طريق وفودها في الخارج الى ضمان تمدرس طلبة جزائريين في الكويت والعراق ومصر وتونس والولايات المتحدة الأمريكية التي قصدها عمار بوحوش بعد الحصول على البكالوريا في الكويت، وفي بلاد ابراهام لينكولن درس 80 طالبا جزائريا تخصصات تقنية وتكنولوجية وطاقوية وسياسية، وعادوا إلى الجزائر، منهم من كان وراء إنشاء “سوناطراك” وتنظيمها، أو إطارات الشركة الوطنية للمحروقات في ستينيات القرن الماضي، ومنهم من عمل في رئاسة الجمهورية ومنهم من أطر التكوين في الجامعة.. ولذلك وصف بوحوش في حديث إلى صحيفة “الشعب”، قبل سنوات، هؤلاء بجملة مفيدة فيها روائح تحقيق المبتغى: “80 طالبا في أمريكا غيروا التاريخ”..!
كتلة أخلاق ووطنية
في مقالة الأستاذ سعيدوني “كلمة في حق أستاذ عالم وباحث متميز وأستاذ كفء”، يكون الصديق قد اختصر صاحبه في عنوان مشرق، ومع ذلك حبّر سبع صفحات تحت هذا العنوان، قال فيها متى وكيف تعرف على عمار بوحوش، والمغامرات العلمية التي تقاسموها معا في جامعات عربية وجزائرية، والتقارب في الرؤى الذي قربهما أكثر “حتى أصبحنا نشكل مجموعة علمية منسجمة في أطروحاتها الفكرية وإحساسها الوطني”. وبعيدا عن الأكاديميات، قريبا من العلاقة الشخصية يقول سعيدوني عن بوحوش، الذي قاسمه علاقة صداقة منذ عرفه في سبعينيات القرن الماضي: إنه شخصية اجتماعية مطبوعة بالسلوك المهذب، وطيبة الأخلاق وصفاء الطوية والمجبولة على احترام الذات، وتقدير من يتعامل معه”..
من جامعة دمشق، يُرسل الأستاذ الدكتور سليم إبراهيم الحسنية تشخيصا للرجل كما عرفه طالبا عنده، ويُكبر فيه تواضعه، ويضعه “شيخا على الإدارة العامة في الوطن العربي” لما قدمه لها عقودا من البحث وتكوين طلبة من مختلف الجنسيات، ويُكبره مرة أخرى لما يكتب له وعنه: “سيرة بوحوش العلمية والأكاديمية كبيرة وموثقة، لا ينتظر مني أن أكتب في ذلك”، و”رجل علم وثقافة، ورجل وطن يعشق الحرية له ولوطنه”.
ويقول عنه طالبه في سبعينيات القرن الماضي، الأستاذ عبد الله رابح سرير ” مركز علمي أول في حقل العلوم السياسية بالجزائر”، ويختصر أحد طلبته، وهو الدكتور وليد دوزي، من جامعة تلمسان، بقول فيه اختصار لرهبة رجل في محراب العلم: “شخصية الأستاذ بوحوش العلمية تصيب بالخوف المشوب بالتقدير والاحترام”..
من “سوناطراك” إلى رئاسة الجمهورية
يسرد المهندس محمد بن يوسف، المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد درس مع بوحوش في أمريكا، بين 62 و1967، في جامعة إلينوا، كيف كان مسؤولا في “سوناطراك” طيلة 14 سنة، وكيف أنشأت هذه المؤسسة الكبيرة، وكيف أدار قسم الكمبيوتر فيها، من 1968 الى 1982، علما ان عمار بوحوش استغل على الجوانب التنظيمية والتسييرية في “سوناطراك”، أواخر الستينيات، قبل التحاقه بقسم الإعلام برئاسة الجمهورية في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، زمن الراحل هواري بومدين.
وللأستاذ بوحوش آثار خطى في شركة المحروقات، ببرنامج تنظيمي إداري، اشتغل عليه باللغة الإنجليزية، وقدمه لقيادتها آنذاك، وهو برنامج استلهمت منه الإمارات العربية المتحدة في بناء منظومة تسيير طاقوية قوية، مثلما يقول في شهادة له.
في أواخر الستينيات، اتصل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي حينها بالرئيس الراحل هواري بومدين وطلب منه المساعدة في تأسيس شركة نفط وطنية تحل محل الشركات الأجنبية، فوقع اختيار بومدين على محمود حمرا كروها، وكان يشغل حينها مديرا مركزيا للتخطيط في “سوناطراك”، حاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة السوربون، وأرسله إلى الإمارات، وسرعان ما ظهرت “أدنوك” شركة منظمة بدأت تشق طريقها في عالم النفط، والطاقة، وأصبح حمرا كروها “الجزائري الذي أسس شركة النفط الإماراتية أدنوك”، في 1973..
دور المثقفين المعربين في الثورة
الحديث عن عمار بوحوش، الباحث في التاريخ السياسي للجزائر، وتاريخ الثورة، والنظم السياسية والإدارية، لا يخلو من محطات مضيئة أخرى، في مساره، منها ما ركز عليه الأستاذ محمد الأمين بلغيث، في دراسة منشورة في الكتاب التكريمي عن دور المثقفين المعربين الذين التحقوا بالثورة، في أيامها الأولى، ولم ينتظروا نداء اتحاد الطلبة للالتحاق بالصورة في 1956.
بلغيث الذي انطلق من ملاحظة ساقها بوحوش في أحد كتبه عن هذا الموضوع، ركز على هذه النقطة بالذات في دراسة “الدكتور عمار بوحوش شهادة من داخل الاتحاد العام للطلبة الجزائريين”، وراح يدلل على ان التحاق الطلبة بالثورة بدا مع الثورة وليس مثلما هو رائج من أن التحاقهم بها بدأ بعد تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، وهنا يقول بلغيث إن “أغلبية من التحقوا بالثورة هم طلاب المدارس الفرنسية”، بينما طلبة كثر من المدارس الحرة وجمعية العلماء الجزائريين التحقوا بالثورة في أيامها الأولى ولم ينتظروا النداء الشهير.
ويزيد بلغيث على ما ساقه: “وبذلك صار هؤلاء الطلبة الفرانكفون هم الرواد، وأصبح طلاب المدارس العربية محذوفين من سجل التاريخ لا لشيء الا لانهم حفظة قرآن وعلوم اللغة العربية، وليس هؤلاء الا رواد الثورة، إذ أن أول شهيد هو الطالب الزيتوني، قاسم زيتون، (إبراهيم زدور المهاجي أصيل مدينة وهران) خريج معهد ابن باديس”.
التاريخ السياسي للجزائر
عندما طلب من الأستاذ الدكتور وليد عبدالحي المساهمة في الكتاب التكريمي، وقد درّس عبدالحي سنوات طويلة بالجزائر، وتقاعد من جامعة أردنية، سارع إلى إجابة سائله بالطريقة التي عهده عليها من يعرفونه، وهي دراسة، لا تخلو من ملاحظات ومنهجية في الطرح، ومراجعة أكاديمية لكتاب من كتب الأستاذ بوحوش وهو كتاب تاريخ الجزائر السياسي في جزأين، و1116 صفحة.
يقول وليد عبد الحي في شهادته عن بوحوش: ” من بين أكثر الموضوعات إرباكا في نطاق العلوم السياسية هو كتابه التاريخ السياسي لدولة معينة، بخاصة إذا كان العمل الأكاديمي يأخذ طابعا موسوعيا، ويغطي مساحة زمنية طويلة، ولعل هذا الوصف ينطبق على كتاب التاريخ السياسي للزميل الدكتور عمار بوحوش”، علما ان هذا الكتاب يشمل في جزايه الفترة من 880 سنة قبل الميلاد الى الآن.
وراجع عبدالحي، المتخصص في الدراسات المستقبلية، الكتاب الضخم ولاحظ له وعليه، وختم “اتسمت هذه الفصول بقدر كبير من الترابط يجعل القارئ قادرا على فهم ملابسات التطور السياسي الجزائري اللاحق”.
وهناك دراسات مختلفة منشورة في الكتاب التكريمي الذي ضم في جنباته شهادات مكتوبة عن الأستاذ بوحوش، الذي ولد يوم 17 ديسمبر 1938 ببلدية العنصر، دائرة الميلية، ولاية جيجل.
مسارات..
التحق في عز شبابه، بـجبهة التحرير الوطني الجزائرية ثم انخرط في جيش التحرير الوطني.
معروف بمشاركته الفعالة في الثورة من خلال الانتماء إلى الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين الذي كانت له فروع في تونس والكويت والولايات المتحدة الأمريكية.
كان عضوًا باللجنة التنفيذية لفرع الكويت ثم أمين المال في فرع الولايات المتحدة الأمريكية.
حصل على الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة ميزوري في 1970.
في 1975، تفرغ للتدريس في معهد العلوم السياسية بجامعة الجزائر، في 1980 انتقل إلى المنظمة العربية للعلوم الإدارية، في عمّان، بالمملكة الأردنية، وعُيّن كبير الخبراء في المنظمة.
حصل على جوائز علمية داخل الجزائر وخارجها.
التدريس في الجامعات
بدأ عمار بوحوش التدريس في جامعة الجزائر سنة 1970، والتحق بالتدريس في الجامعة الأردنية بعمان سنة 1983 وعمل أستاذا زائرا في جامعة دمشق سنة 1982. في 1987 التحق بجامعة الكويت، ثم جامعة آل البيت بالمفرق، الأردنية كرئيس قسم للعلوم الإدارية.
في 2001 انضم إلى هيئة التدريس بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالرياض، المملكة العربية السعودية، الى غاية 2006، وعمل قبلها أستاذا زائرا بجامعة ويسكونسون بالولايات المتحدة الأمريكية في السنة الدراسية 1991-1992.
هو أول جزائري حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وأول أستاذ يرقى إلى كرسي الأستاذية في العلوم السياسية، فضلا عن أنه الجزائري الوحيد الحائز على مرتبة الأستاذ الفخري في مجال تخصصه.