يشهد واقع التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجزائر وموريتانيا، ديناميكية غير مسبوقة، وحرصا من البلدين الشقيقين على مواجهة كلّ الصعوبات التي يمكن أن تعترض المسعى الاقتصادي، بغية رفع مستوى الشراكة وترقية المبادلات التجارية.
ويتجلى ذلك في المشاريع التي تم تنفيذها أو التي هي قيد التنفيذ والتي ستساهم في الرفع من مستوى التبادل التجاري بين البلدين، على غرار طريق تندوف ـ زويرات الذي يعتبر شريان الحياة في المنطقة، إلى جانب الخط البحري، وخط السكة الحديدية وافتتاح بنك جزائري في نواقشط، والذي من شأنه تسهيل المعاملات المالية والرفع من قيمة الصادرات الجزائرية، وفتح آفاق واسعة أمام المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين ونظرائهم في موريتانيا.
أعرب رئيس مجلس الأعمال الجزائري الموريتاني، يوسف الغازي، عن تفاؤله الكبير بمستقبل العلاقات الاقتصادية الجزائرية الموريتانية، في ظل إطلاق مشاريع جزائرية عملاقة، سواء تعلق ألأمربخط طريق تندوف – زويرات، أو ما تعلق بخط السكة الحديدة الرابط بين بشار وتندوف، باعتبارها الوسيلة الأنجع لنقل الأشخاص ومئات الأطنان من السلع والبضائع، مبرزا وجود نقلة نوعية في الاستجابة للمتعاملين الاقتصاديين لكلا البلدين، في انتظار أن تتواصل هذه الديناميكية بإجراءات أخرى تسهل وترفع بعض التحديات العالقة في سبيل تشجيع الصادرات الجزائرية نحو دول إفريقيا الغربية.
تصدير الخبرة الجزائرية إلى عمق إفريقيا
أكّد يوسف الغازي لـ “الشعب”، أنّ العلاقات الجزائرية الموريتانية ضاربة في القدم، حيث يتم العمل على الرقي بالعلاقات الاقتصادية في مستوى العلاقات السياسية القوية، وهذا بتنويع المنتجات المصدرة، وتوسيع مجال الأعمال، كان آخرها فتح بنك جزائري بنواقشط، وهو ما سيسهل انسياب السلع والبضائع ونقل الكثير من الخدمات، مبرزا أنّ “الجزائر دولة رائدة في مجال التصنيع وإنجاز العديد من المشاريع في مجالات السكن والطرق، الحواجز والسدود المائية، وتحلية المياه، حيث أن كل هذه الخبرة يمكن تصديرها إلى دول الجوار، ابتداء من موريتانيا ودول غرب إفريقيا، وصولا إلى عدة دول إفريقية، لأنّ الامتداد الطبيعي للجزائر هو امتداد نحو إفريقيا على حدود سبع دول إفريقية، وهذا بفضل إنشاء الطرق التي يستكمل انجازها، ما يمكّن السلع الجزائرية ذات التنافسية والسعر الجيد من الوصول إلى هناك.
تحفيز المؤسّسة الجزائرية على التّصدير
وأبرز محدّثنا أنّ “تدشين بنك جزائري مؤخرا في نواقشط له أهمية قصوى، خاصة وأنّه كان مطلب جميع المتعاملين الاقتصاديين الذين يريدون الانفتاح على التصدير وعلى الدول المجاورة، وهو قرار من شأنه تحفيز المؤسسة الجزائرية على الدخول إلى السوق الإفريقية، حيث سيكون الحافز الأكبر للمتعاملين في مجال نقل البضائع والخدمات، بحيث سيكون التحصيل المالي أكثر مرونة، مثمّنا تدشين بنك الاتحاد الجزائري في موريتانيا بوصفه استثمارا ماليا كبيرا لتعزيز الثقة في المعاملات وضمان سيرورتها.
وأضاف أنّ “الطّريق الرابط بين تندوف وزويرات، هو مشروع استراتيجي بمبادرة من الجزائر لصالح كل شعوب المنطقة حتى يكون هناك شريان اقتصادي يضمن تشغيل عدد من أبناء هده المناطق، ويربط دولتين شقيقتين، إذ سيساهم في استكمال اندماج اقتصادي بين الدوليتين، علما أنّ الاقتصاد بين الجزائر وموريتانيا متكامل، حيث أنّ هناك إنتاج لكثير من المواد الفلاحية واللحوم، ضف إلى إنتاج الأسماك المتوفرة في المحيط الأطلسي بشكل كبير، حيث أن موريتانيا تملك الحظ الأوفر من هذه الثروة السمكية، فضلا عن إنتاج خام الحديد”.
نحو اندماج اقتصادي إفريقي
في السياق، شدّد المتحدّث على أنّ اللوجستيك يعتمد على فتح الطرق خاصة طريق تندوف – زويرات، وهو طريق استراتيجي ومهم جدا للبلدين، إذ سيكون شريانا من خلال منطقة التبادل التجاري الحر، حيث يساهم بشكل فعال في نقل الأشخاص والبضائع ما يسمح لنا بالاندماج الإقليمي، خاصة بعد التجربة التي عشناها في فترة كورونا، وبعد الحرب الدائرة رحاها بأوروبا، مؤكّدا على ضرورة إعادة النظر في استراتيجياتنا، حيث أنّ الاندماج الإقليمي وفي المحيط، يمكن أن يفضي إلى تكامل اقتصادي، يعود بالنفع على التنمية المحلية، وتنمية المناطق الحدودية، كما أشار الغازي إلى ضرورة رفع مستوى المبادلات التجارية بين البلدين، مبرزا أنّ الجزائر تسعى إلى الرقي بالمبادلات التجارية إلى مبادلات بينية معتبرة، تحقق ما يمكن أن نصفه بـ “الاندماج الاقتصادي الإفريقي”.
آفاق مفتوحة للاستثمار
أكّد الغازي أنّ ميناء تانيت بموريتانيا، هو منطقة تحتوي على مناطق صناعية وسكنية، ومكانا ترسو فيه بواخر صيد الأسماك، حيث يقدّم الميناء فرصا لجلب استثمارات جزائرية، خاصة لتلك البواخر الجزائرية التي تبحث عن تنوّع ووفرة المنتوج في الأسماك، إذ يمكنها أن تستغل ما يوفّره الميناء من امتيازات قصد توفير احتياجات البلد من هذه المادة الأساسية، بينما تمتلك الجزائر – يضيف الغازي – صناعة متنوعة بدأت تبرز في مجال الدواء والصناعات الإلكترونية ومجال الصناعات الغذائية، في حين هناك عدة صناعات في تطور مستمر، خاصة الصناعة النفطية التي تتميز بها الجزائر، حيث تسعى موريتانيا لأن تكون رائدة في مجال الغاز والنفط، في وقت تقدّم الجزائر الخدمات التي تملكها المؤسسات الجزائرية، وهي التي تملك خبرات واسعة وقوية، فالمؤسسات التابعة لشركة سونلغاز تتعدى 20 مؤسّسة متخصّصة وكبيرة، يمكن أن تجد لها موطأ قدم في موريتانيا، ومن خلالها إلى باقي دول غرب إفريقيا.
ديناميكية جديدة
في ردّ على سؤال متعلق بتدشين معرض دائم للمنتوجات الجزائرية في موريتانيا، وإنشاء لجنة مشتركة بين وزارتي التجارة الجزائرية والموريتانية، تحدّث الغازي عن وجود ديناميكية جديدة منذ افتتاح الخط البحري بين الطرفين، فضلا عن حضور المنتوج الجزائري في معرض دائم هناك، وقال إنّه “سيمكّن الشركات الجزائرية من التعريف بمنتوجها بشكل دائم، بحيث أن الشركات التي تجد سوقا تنسحب من هذا المعرض لصالح شركات أخرى وجديدة، ممّا يشكّل ديناميكية مستمرة وتقارب بين المؤسسات، وهذا ما كان ينقص المؤسسة الجزائرية، وهو الانفتاح على محيطها، في إطار التقارب بين المؤسسة الجزائرية والسوق الغربية الإفريقية خاصة السوق الموريتانية.
وقال الغازي إنّ اللجنة المشتركة بين البلدين، تدرس بتمعّن كل متطلبات السوق الجزائرية من حيث المواد والمنتجات الموريتانية والجزائرية التي يمكن أن تحظى بهذه الامتيازات، مثمّنا هذه الخطوة باقتراح عديد المواد التي لديها القدرة التنافسية، والإمكانات لتغطية السوق الوطنية، ولديها الطموح نحو التصدير.
خبرة جزائرية متنوّعة ومطلوبة
أشاد الغازي بالخبرة الجزائرية التي أصبحت متنوعة ويمكن تصدريها والاستفادة منها خاصة في المجال النفطي، إذ يمكن أن تدخل باستثمارات في المجال، إلى جانب الشركات الرائدة في مجال الاتصالات والكهرباء، حيث لدينا إنتاج وفائض كبير من المواد الأولية من الإسمنت مواد البناء بصفة عامة، الحديد وغيرها من المواد التي لم تكن مكتشفة لدى المؤسسات الموريتانية.
وكشف رئيس مجلس الأعمال الجزائري الموريتاني عن دهشة الموريتانيين من المنتجات الجزائرية وجودتها وتناسبها مع الأسعار، خاصة وأنّ الطريق اليوم ممهّد أكثر من أي وقت مضى لانفتاح المؤسسة الجزائرية، عبر قنوات وضعت تحت تصرف المؤسسات، حيث كنا قبل فتح البنك والمعرض نعاني من الفوضى سواء في تحصيل الأموال، وفي السلع التي تأتي من نفس النوع، ما زعزع ثقة المواطن أو المتعامل الأجنبي، لكن عندما حددت الأطر المالية الواضحة لعرض المنتوج الجزائري، وكان هناك نوع من التنظيم لهذه المنتوجات، حيث سيؤطر ويقيّم بصفة دورية، فإن الهدف هو الوصول إلى مستويات مناسبة وتتناسب مع قوة الاقتصاد الجزائري.
وبالنسبة للإجراءات المتخذة لتسهيل عمليات التصدير للمستثمرين الجزائريين، أكّد محدّثنا أنّ “الجانب اللوجستي هو أهم جانب يمكن أن نعتمد عليه في التصدير، من خلال إنشاء الطرق وهي محورية للوجستيك، حيث أن إنجاز طريق تندوف زويرات، يمكن أن يضاعف الصادرات نحو موريتانيا 10 مرات مقارنة مع الصادرات الحالية، وهو أمر مهم جدا، على حد تعبيره.
مجلس الأعمال..قوّة اقتراح
خلص المتحدّث إلى التأكيد على أنّ مجلس الإعمال الجزائري الموريتاني، يواكب هذه الديناميكية بين البلدين، حيث يعمل على نقل الخبرات بين البلدين، الجزائرية في مجال النفط والغاز والكهرباء، الري، البناءات وفي مجالات متعدّدة، وحتى في مجال الصناعة والفلاحة، بينما تتمثّل الخبرات الموريتانية في استغلال الثورة السمكية والمناجم على غرار مناجم الذهب والحديد وغيرها، إلى جانب الثروة الحيوانية أيضا، وهي أمور تؤسّس لتكامل بين البلدين الشقيقين.
وتعمل الهيئة الاقتصادية التي يرأسها المتحدث على تذليل الصعوبات والمشاركة باقتراحات في عديد المجالات في الجمارك، التجارة والعدالة إلى غير ذلك ممّا يخلق مناخا مناسبة للتجارة وإقامة الأعمال.