يعملون ليلا ونهار في مواجهة “طوفان” الأخبار حول مجريات المشهد الفلسطيني والعدوان الصهيوني على الفلسطينيين، وغزة خصوصا، ويصطادون “سيلا” من المعلومات المضللة ويضعون دعاية المحتل تحت مجهر التدقيق..
“جنود الحقيقة”.. مثلما قد يصطلح العاملون في تدقيق المعلومات على تسميتهم، عينة من جهود مدققي المعلومات في مجابهة الأخبار المضللة حول غزة، والتصدي لها بنشر الحقيقة كاملة غير منقوصة، تنويرا للرأي العام العربي والدولي.
تشتغل منصات عربية في تدقيق المعلومات، على مدار الأيام الماضية ولاحقا، على الحد من انتشار الأخبار الكاذبة، منها تلك التي تروجها وسائل إعلام ومنصات المحتل، ومن يقفون في صفه، وللحد من التلاعب بالحقائق، وكبح انتشارها وتأثيرها.
أمام الوضع الجاري، يواجه مدققو معلومات تحدثوا إلى “الشعب أونلاين”، ما وصفوه بـ”تحديات جديدة وضغوطا كبيرة في مسايرة تدفق الأخبار بشكل كبير وسريع”.
يقول بكر عبد الحق، من منصة “تحقق” الفلسطينية، إن المشهد في غزة يشهد سيلا كبيرا من المعلومات المضللة، منها ما جُمع بشكل غير دقيق لتسارع الأحداث.
“تستخدم هذه المواد المضللة لأغراض عديدة، خاصة التي مصدرها جهات داعمة للاحتلال، من خلال إغراق منصات التواصل الاجتماعي بهدف تشويه الجانب الفلسطيني والمقاومة”، مثلما يقول.
وكما هو معلوم، يضيف بكر، يزداد تدفق المعلومات ومعه ما يعرف اضطراب المعلومات في مثل هذه الأوضاع التي تشهدها غزة، ويرافق ذلك “تدفق هائل للمعلومات الخاطئة، ومحتويات مشوهة يُتلاعبُ بها عبر منصات التواصل الاجتماعي.”
بشكل عام، تتركز جهود فريق منصة “تحقق” على الآتي:
- العمل على تتبع كل ما له علاقة بما يجري.
- استخدام الكلمات المفتاحية في البحث ورصد المحتوى عبر منصات التواصل الاجتماعي ومواقع الكترونية.
- إجراء تقييم وإخضاع المادة للتحقق العميق.
- التوضيح في منصات المرصد.
تحديات..
التطورات الحاصلة في المشهد الفلسطيني، منذ تصعيد العدوان الصهيوني على غزة، فرضت تحديات جديدة على مدققي المعلومات، منها تتبع المصادر الغربية وتدقيقها، وهو ما يشير إليه المتحدث في قوله: ” على سبيل المثال رصدنا شخصيات سياسية مشاهير وفناني ومؤثرين في دول مختلفة ينشرون محتوى غير صحيح، وتُنسب فيديوهات وصور مضللة إلى المقاومة والفلسطينيين بشكل عام، بهدف شيطنتهم وإلصاق ممارسات إرهابية بحقهم“.
ما يتحدث عنه عضو فريق “تحقق”، استدعى لجوء المنصة، إلى ترجمة موادها المتحقق منها إلى اللغة الإنجليزية قصد الحد من تأثير التضليل.
الوضع في فلسطين، من عدوان متواصل وسياسة الإبادة والتهجير، وما يرافقه من تدفق هائل للمعلومات، فرض نسق عال وسريع في الرصد والتدقيق، وهو ما يوضحه بكر في الآتي: ” هذا يجعل الضغوطات أكبر على منصات التدقيق، ولكن هناك تعاون بين زملاء ومنصات عرضت المساعد”.
ويُبرز المتحدث جهود الشبكة العربية “لتدقيق المعلومات من خلال ما تُتيحه من فضاءات وآليات تواصل وتنسيق بين مجتمع الشبكة الذي يضم نخبة الزملاء ومؤسسات التدقيق في الوطن العربي”.
ويتابع حديثه: ” الشبكة سهّلت عملية تركيز جهود مدققي المعلومات في الوطن العربي من أجل تسهيل عمليات التحقق وتسريعها، وهناك زملاء يتعاونون معنا من لبنان والعراق واليمن”.
ويربط بكر جوانب من المعلومات المضللة المتداولة، على مدار الأيام الماضي، بحملة تضليل في منصات التواصل الاجتماعي مثل “إكس” و”فايسبوك” يُديرها “لوبي” يركز بشكل أساسي على الجانب الفلسطيني.
ويوضح أكثر بقوله: ” رصدنا مواد أُطرت في سياق ممارسات نازية، والربط في هذه الحالة للأسف لا يمكننا تسليط الضوء عليه، لأنه لا يندرج ضمن منهجيات التحقق المتبناة والتي هي امتداد لمنهجيات التحقق العالمية”.
وتتحدث رئيسة المرصد الفلسطيني للتحقق والتربية الإعلامية “كاشف”، رهام أبو عيطة، عن نسق العمل الذي فرضته تطورات المشهد الفلسطيني في مهنة مدققي المعلومات بقولها: ” نشتغل تقريباً 24/24 لمسايرة التدفق الهائل للأخبار، وهذا ما يفسر كثرة المواد التي ننشرها في منصاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي”.
واتفقت “كاشف” مع منصات مثل التقنية من أجل السلام، تأكد، صدق، FactCheck بالعربي “نستغل المادة التي يتحققون منها بغرض نشر أكبر قدر ممكن من المحتوى المتحقق منه، وهذا التعاون بين المنصات يوفر الجهد والوقت، مثلما تقول رئيس المرصد.
ويشتغل فريق منصة “كاشف” على قسمين في تدقيق المعلومات المضللة المرتبطة بالوضع في فلسطين:
أولا، قسم يخص الفلسطينيين:
تدقيق مواد تحمل محتوى يثير الخوف والذعر في الوسط الفلسطيني ( تواجد دبابات في مكان ما، رشقة صواريخ.. ).
ثانيا، قسم خاص بكشف دعاية الاحتلال:
وفي هذا القسم توجد نماذج كثيرة، مثل استخدام فيديوهات مفبركة أو في غير سياقها، ترجمات خاطئة لتصريحات، الهدف منها تشويه الجانب الفلسطيني.
كبح التأثير
بالتزامن مع الانتشار الواسع للمعلومات المضللة باللغة الإنجليزية منذ عملية طوفان الأقصى، والأحداث التي تشهدها فلسطين عموما، أطلق فريق “کاشف” قسما خاصا باللغة الإنجليزية للتحقق من المعلومات المضللة Facts in ‘English، وهو جانب يندرج ضمن التحديات التي فرضها اضطراب المعلومات، حسب رهام أبو عيطة.
يُوجه محتوى هذا القسم، أساسا، إلى الجمهور الناطق باللغة الإنجليزية المهتم بالوصول إلى المعلومات الحقيقية حول مجريات الأحداث في فلسطين.
وفي الجوانب المتعلقة بعمل فريق المنصة في كشف التضليل، تقول المتحدثة: “نشتغل على تتبع حسابات ومجموعات على منصات مختلفة لها سوابق في التضليل، والبحث عن طريق الكلمات المفتاحية لنعرف ماذا يُنشر، وأي مادة تثير الشوك نخضعها للتدقيق”.
وتضيف: ” التضليل في المشهد الفلسطيني يمتد إلى دول كثيرة ومن حسابات أجنبية، وتوجد جهات ليس لها علاقة بالصراع الجاري، غير أنها تستثمر في الوضع لدواع مختلفة، منها ما هو سياسي”.
في سياق الحديث عن التضليل والاستغلال السياسي، تُشير المتحدثة إلى مادة اشتغل عليها فريق “كاشف”، تتمثل في صورة انتشرت بشكل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، يدّعي مروجوها أن ” تركيا أرسلت مساعدات إلى المحتل“، والحقيقية غير ذلك تماما.
تنسيق جهود و “تضامن”
بالتزامن مع التدفق الهائل للملعومات المضللة، يُثير حيدر الموسوي، مدقق معلومات بمنصة “الفاحص” ( العراق)، أهمية تظافر جهود منصات التدقيق، لسببين:
أولا، القضية الفلسطينية لا تخص فلسطين فقط، بل جميع دول المنطقة العربية، وبالتالي فإن الأخبار المتعلقة بها ستنتشر في فضاءات رقمية لكثير من الدول.
ثانيا، يستحيل مسايرة تدفق المعلومات المرتبطة بالقضية في كل هذه الدول، من قبل منصة واحدة.
التعاون والتنسيق الحاصل بين منصات تدقيق المعلومات في مواجهة طمس الحقائق وتشويهها، يسبقُه أرضية تواصل وآليات عمل تجمع نخبة من المدققين العرب في منصات مختلفة، أوجدتها الشبكة العربية لتدقيق المعلومات..
عن هذا الدور، يقول حيدر إن الشبكة أرست آليات تواصل سهلة وسريعة، خصوصاً تلك الفضاءات على مختلف منصات التواصل الاجتماعي.
“الفاحص” مثل غيرها من المنصات، تركز جهود فريقها على وضع مجريات المشهد في غزة تحت “مجهر” التدقيق، وتُسهم في جهود تنوير الرأي العام العربي والدولي.
ومن نماذج التضليل المشهورة في أوضاع الصراعات والأزمات، تداول صور وفيديوهات قديمة، تستعمل في غير سياقها الأصلي، أو نسبها الى جهات معينة، مثل فيديو رصده فريق “الفاحص” على منصة “تيك توك” وتوسع نشره إلى منصات أخرى.
يدعي مروجو الفيديو أنه يعود إلى الوضع في غزة عقب قصف مكثف من قبل المحتل، وتداول في صفحات تحت عناوين مختلفة، منها “غزة تحترق”.
ويوضح حيدر بشأن تدقيق المادة:
- الفيديو يُثير الشك بشكل كبير، لأنه يُظهر مفرقعات احتفالية وليست صواريخ أو قذائف أو أي سلاح آخر.
- بمجرد البحث عن نسخة أصلية غير معدلة، يبرز بشكل واضح صوت مفرقعات احتفالية وأصوات جماهير محتفلة.
- البحث في تفاعل المستخدمين في الفيديو الأصلي، يلاحظ أن الجمهور المتفاعل هو جزائري.
- تعليقات أشارت إلى أنه احتفال في عيد تأسيس أحد النوادي الرياضية.
- الدقة في مشاهد الفيديو والتركيز مع مقاطع يظهر بناية مميزة وهي التي مكنت من تحديد مكان التقاط الفيديو.
- البحث العكسي عن صور (مقاطع من الفيديو) يقود إلى نتيجة أن البناية الظاهرة هي مقر الدائرة الإدارية لسيدي محمد بالجزائر العاصمة.
- البحث بالكلمات المفتاحية على “يوتيوب” يُظهر نتائج مشابهة تُؤكد أن الفيديو يُمثل احتفالا لجماهير أحد الأندية الرياضية بالجزائر والعاصمة وليس مشاهد من قصف غزة.
ما سبق التطرق اليه في هذا المقال، جوانب من تجارب زملاء تدقيق المعلومات في منصات “تحقق”، “كاشف” و”الفاحص”، إذ ورغم الظروف الصعبة والتهديدات التي تواجه المنصات في العالم العربي، يستمرون في كشف تضليل ودعاية المحتل، وهو ما أشادت به الشبكة العربية لتدقيق المعلومات بصفحتها على منصة “إكس”.
ويعمل مجتمع الشبكة، من مؤسسات ونحو 250 مدقق معلومات في المنطقة العربية، دون انقطاع على تدقيق المحتوى الخاطئ والمضلل حول غزة.
وجمع القائمون على الشبكة كل منصات “مجتمع AFCN” التي تقوم بـتدقيق المحتوى حول فلسطين، على منصة واحدة بتويتر “X”، تتيح متابعة كل التحقيقات التي تنشر.