جرت العادة أن يُحمل الجرحى والوفيات نحو المستشفى، لكن أين يُهرع بهم إن كان المصاب والهدف هو مستشفى بأكمله؟
بعد الغارة الجويّة التي تلقّاها مستشفى الأهلي المعمداني بغزة ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء، بدا من الواضح أنّ الكيان المحتل مصمّم على إبادة جماعية، وانتهاك جميع القوانين والمواثيق الدولية التي تضمن حماية خاصة للمستشفيات تحت كل الظروف.
تساءل كثيرون وسط الصّدمة: أين يتلقّى الجرحى العلاج إن كان الضحية هو الطبيب والممرض؟ وكل من احتمى بمستشفى كان من المفروض أن جميع النصوص والمعاهدات الدولية تضمن حمايته، لكن إلاّ من كيان ضرب كل المواثيق الدولية عرض الحائط، ولم يستثن دور العبادة والمنازل الآهلة بالسكان ولا المستشفيات، في قصف همجي منتظم في هدفه يسعى للإبادة الجماعية لكل ما هو فلسطيني ينبض بالحياة.
أكّد رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصّحة العمومية بالجزائر، الدكتور الياس مرابط، أنّ الأطباء الجزائريين على تواصل مستمر مع زملائهم في قطاع غزة منذ بدء العدوان الأخير على القطاع، مؤكّدا أنّ ما حدث من قصف لمستشفى الأهلي المعمداني جريمة حرب لا تغتفر، وأهل غزة بشكل عام والأطباء بشكل خاص في غزّة يصنعون التاريخ بصمودهم أمام الكيان المحتّل.
وقال الدكتور الياس مرابط أنّ المشاهد من مستشفى المعمداني لن تمرّ مرور الكرام، وتشكّل اعتداء صارخا على كل القيم الإنسانية، وقال: “المشاهد كانت صادمة فالمستشفى مكان للعلاج وهو مكان لمسح الدموع عن المصابين وأهل الضحايا، ومن المفروض أن يكون آمنا في أي حال من الأحوال”.
وذكر رئيس النقابة الوطنية لممارسي الصحّة العمومية بالجزائر، أنه يتواصل بشكل مستمر مع زملاء تكوّنوا وعملوا في ميدان الصحة هنا قبل أن يعودوا إلى أهلهم بالقطاع، معترفا بأن سبل الاتصال صعبة وتنقطع في أكثر من مرّة، على ضوء ما يشهده القطاع من قصف وانعدام لشبكات التواصل والانترنيت.
وأوضح محدّثنا أنّ زملاءه في غزّة أبلغوه مخاوفهم من نفاد موارد الطاقة الكهربائية، التي باتت تشكل هاجسا للعاملين بالمستشفيات في غزّة، مشيرا إلى أن طبيعة الجرحى والمصابين في مثل هكذا حالات تتطلب تدخلات جراحية عاجلة، وتشغيل أجهزة الإنعاش الطبي على مدار 24 ساعة.
وكشف إلياس مرابط أن هناك العديد من قاعات العمليات الجراحية معطلّة بالقطاع بسبب انعدام الكهرباء، والعديد من الأجهزة معطلة لنفس السبب، إضافة إلى الحجم الهائل من المرضى والجرحى والمصابين الذي يصل كل ساعة لهذه المستشفيات، وأوضح أن الزملاء بالقطاع يعملون بصفة متواصلة وهم بحاجة لدعم بكوادر طبية بشرية.
وأضاف أنّ الحاجة تتزايد بشكل يومي لسيارات الإسعاف، ومستشفيات ميدانية خاصة بعد أن أصبحت المستشفيات اليوم هدفا للقصف الذي يشنه الكيان المحتل، وذكر بأنّ الحديث اليوم يقتصر بصفة أولوية على الخسائر البشرية من شهداء وجرحى، لكن ينبغي أيضا التفكير في الحاجيات لما بعد الحرب “فمن الضروري أن تستمر الحياة، ونحن نفكر في مساعدات منظمة تضمن التكفل بالمصابين والجرحى، وإعادة إعمار القطاع وفق أولويات للقطاع الصحي”.
ودعا الدكتور إلياس مرابط إلى هبّة تضامنية، وتشكيل جسر للتضامن بين الجزائر فلسطين عبر كل ما أتيح من مرافق وسبل للتواصل التي تسمح بذلك، وأوضح أنه بالإضافة إلى المساعدة الإستعجالية، فإن الأطباء مستعدين لأي نوع من المساعدات بعد وقف الحرب.
ويوفّر القانون الدولي الإنساني حماية عامة وخاصة للمواقع المدنية، وذلك في اتفاقية جنيف الرابعة 1949، والبروتوكولين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف 1977، واتفاقية لاهاي 1954 حيث تشمل المواقع المدنية كلا من المنازل والمدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة، وغيرها من المنشآت المحمية بموجب القانون، وللأسف أن كل هذه المنشآت دمّرها الكيان المحتل في حربه على فلسطين عبر أزيد من سبعة عقود من الزمن، آخرها مستشفى الأهلي المعمداني بغزّة الذي راح ضحيته أزيد من 500 شهيد.
بالرغم من اتفاقية جنيف الرابعة (المادة 18) خصّصت للمستشفيات حماية خاصة، إذ تنصّ على أنه “لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء، ويجب احترامها وحمايتها في جميع الأوقات”.
وتنصّ الاتّفاقية على “عدم جواز وقف الحماية الواجبة للمستشفيات المدنية”، وفق المادة 19، كما تلزم اتفاقيات جنيف أيضا على “وجوب جميع الأطراف جمع الجرحى والمرضى والعناية بهم”، في الوقت الذي تقصف فيه طائرات الكيان الغاصب الجرحى داخل المستشفيات، وفي الطرق المؤدية إليها.