يؤكد البروفيسور بوحنية قوي، أن كل التعويل اليوم على الضمير الحي العالمي للسعي بمختلف الوسائل والآليات عن طريق الحكومات والشعوب العربية والغربية الحرة للضغط على الكيان الصهيوني وتعرية حقيقته، في ظل وجود جريمة متكاملة الأركان لإبادة شعب ومنعه من أبسط حقوقه.
«الشعب»: لعبت الجزائر دورا مهما في القضية تاريخيا ومازالت تسعى إلى توحيد صفوف الفلسطينيين، حدثنا عن أهمية مساندة ودعم الأشقاء الفلسطينيين في صراعهم مع الكيان الصهيوني؟
البروفيسور قوي بوحنية: بالنسبة للدور الجزائري، هو دور محوري واستراتيجي وهناك من تشكل لديه رهاب متلازمة الدبلوماسية الجزائرية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. والقضية الفلسطينية في الدولة الجزائرية هي إحدى الركائز وقد قالها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون عدة مرات «فلسطين والقدس بوصلة في السياسة الخارجية الجزائرية».
الجزائر من الدول التي تسدد دائما مستحقاتها المالية لجامعة الدول العربية، فيما يخص الدعم الفلسطيني هذا أولا. كما أن الجزائر قدمت مبادرات مهمة جدا في دعم القضية الفلسطينية ومنها إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة من الجزائر، ومكنت الأشقاء الفلسطينيين على رأسهم الرئيس الراحل الفلسطيني ياسر عرفات من إعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، إضافة إلى ما قامت به الدولة الجزائرية من جهود حثيثة لتجميع الأشقاء الفلسطينيين في أكتوبر من العام الفارط، قبل انعقاد القمة العربية بالجزائر التي سميت بقمة لمّ الشمل.
إذن، لا يمكن المزايدة على الدور الجزائري في دعم القضية الفلسطينية، فالدعم الجزائري للقضية الفلسطينية ليس مربوطا ببوصلة أو بتيار سياسي، والجزائر في تعاملاتها مع القضية الفلسطينية تتجاوز جميع التيارات السياسية والأيديولوجية وبحكم نضالها وتاريخها، وتحمل تصورا واضحا لحل القضية الفلسطينية، يجمع بين الشقين الأمني والسياسي. كما أن الجزائر تشير مرارا وتكرارا وتدافع عن القضية الفلسطينية. ولعل كلمة رئيس الجمهورية الأخيرة في الأمم المتحدة، الذي أشار فيها إلى القضايا العادلة ودور الجزائر في نصرتها ومنها القضية الفلسطينية والقضية الصحراوية، دليل آخر على ذلك.
هذا يعني أن الجزائر لديها بوصلة مضبوطة في مجال دعم الشعوب المستضعفة وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، تكافح وتنافح في مختلف المنتديات والمنظمات الدولية، وهي في ذلك وفية لتعهداتها، ووفية لسياستها الخارجية، وهي أيضا لا تخرج عن صف الشعوب الحرة في العالم العربي والإفريقي وفي العالم الإسلامي، كما أنها ملتزمة بمبادرة السلام العربي التي قدمت قبل عقدين من الزمن. لكن الجزائر، بالمقابل، ترفض التطبيع وسياسة المهادنة ولديها قضية محورية وهي أن هناك شعب مستضعف على أرضه، وأن هناك كيان صهيوني يرفض كل آليات ووسائل إقامة الدولة الفلسطينية، وبالتالي ستبقى مناصرة للقضية الفلسطينية.
بادرت الجزائر بإنهاء الانقسام بين الأشقاء الفلسطينيين، وجمعت ووحدت القلوب والصفوف، كيف أثر هذا الالتفاف على منحى تغيير الصراع مع الكيان الصهيوني؟
الجزائر أدت دورا مهما جدا عبر التاريخ في دعم القضية الفلسطينية واستضافت الأشقاء الفلسطينيين عدة مرات. ونستذكر الزيارات المتكررة لزعماء حركتي «فتح» و»حماس» وكيف تدعمت القضية الفلسطينية في الجزائر، من خلال ما قامت به بعثاتها الدبلوماسية الفلسطينية في الجزائر ومرافقتها للكثير من الأنشطة بدعم حركة المجتمع المدني الجزائري، ناهيك عن الدور المحوري في استقبال الفصائل الفلسطينية في أكتوبر 2022 خلال قمة لم الشمل بين الأشقاء الفلسطينيين، وبالتالي الجزائر قدمت ما عليها ومازالت تقدم منطلقة في ذلك من التسليم بالقضية الفلسطينية ومحوريتها في السياسة الخارجية، ويبقى الدور على الأشقاء الفلسطينيين في رص صفوفهم وتشكيل خيار فلسطيني وطني عابر للفصائل السياسية لمجابهة هذا المد الصهيوني الذي يعمل على الانفراد بالقضية الفلسطينية ومنع الفلسطينيين من إقامة أي مشروع دولة في المستقبل.
الجزائر ترى بأن هذا الدور جزء من مسلماتها، فالدم الفلسطيني والجزائري واحد، والقضية واحدة والنضال مشترك. لكن بالمقابل، على الأشقاء الفلسطينيين أن يدركوا أهمية توحيد صفوفهم لمجابهة الخطر الاستيطاني للصهاينة، ورسم معالم خارطة طريق حقيقية لبناء المشروع الوطني الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
كيف للعدوان الأخير أن يساهم في تقوية الصف الفلسطيني في المواجهة؟
ما تابعنا من قصف ممهنج، ومن جرائم متكاملة الأركان، ومن إعادة النظر في مقولات ما يسمى القانون الدولي الإنساني، حرك شعوب العالم الحرة. ولعلنا لاحظنا حتى المظاهرات التي حدثت في الضفة الغربية والقدس الشريف، وفي المخيمات المجاورة ومنطقة الشيخ جراح وفي مخيم شعفاط، وأيضا حتى المسيرات السلمية في جميع أصقاع العالم، كل ذلك قدم رسالة موجعة لصورة الكيان الصهيوني التي تحاول أن تسوّقها في كونها الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وفي كونها دولة حديثة ومعاصرة وفي كونها أيضا تمتلك جيشا قويا لا يمكن مجابهته.
هذه المقولات التي استعانت بها وسائل الإعلام الصهيونية والغربية لكي تظهر بأن الكيان الصهيوني مستهدف من قبل قوى مقاومة أرادت أن تشيطنها، كل هذه المقولات تم ضربها وتم تدميرها على سياج المقاومة الفلسطينية.
يؤكد الموقف الغربي مما وقع في فلسطين وفي غزة، حقيقة أن هناك رغبة في إعادة رسم معالم الشرق الأوسط ومعالم القضية الفلسطينية؟..
هناك رغبة في تهجير سكان قطاع غزة، ولولا صمود الأشقاء وقولهم بصوت واحد لن نخرج من قطاع غزة إلا جثثا، ناهيك عن غلق معبر رفح بين غزة ومصر، ووجود تضامن بدأ ينتشر، يمكن القول إننا سنكون في الأمد المنظور أمام أزمة ثالثة بعد النكبة ثم النكسة لنتحدث عن مصير ثالث مجهول.
هناك رغبة في نشر الخراب في غزة وتهجير سكان القطاع إلى أي نقطة في العالم، حتى يتم إعادة تشكيل غزة، لأن غزة تاريخيا ظلت مثل العقدة في المخيال والإستراتيجية الصهيونية، بحيث يجب التخلص منها لأنهم يرون في غزة نقطة انطلاق استراتيجية في المشروع الوطني الفلسطيني المقاوم، وعليه يجب إعادة رسم الخريطة من منظور ومن منطلق الانفراد بغزة والتغول عليها ونشر الرعب بين الساكنة، حتى يحدث انشقاق بين الحاضنة الشعبية وحركة المقاومة وهذا ما عول عليه نتنياهو عندما قال سنحول غزة إلى خراب.
الآن الرهان على الضمير الحي العالمي بمختلف الوسائل وآليات الضغط عن طريق الحكومات والشعوب العربية والغربية الحرة، للضغط على الكيان الصهيوني بهذا الصدد، خاصة أن الضمير العالمي أمام مرحلة فارقة لتعرية هذا الكيان، ومن ثمة – على الأقل – وضع حجر الأساس لمشروع وطني فلسطيني مستقل.