ستبقى فلسطين قضية العرب والمسلمين الأولى والقلب النابض للأمة، الذي ينزف دماً وألماً، هذه الأيام، إثر تصعيد الكيان الصهيوني لعدوانه وقصفه الإجرامي على أهلنا في قطاع عزة، بهدف إعادة خلط الأوراق ومحاولة تهجير سكانها ظلما وجورا بدعم من الغرب.
اتفق خبراء ومختصون في الشؤون الدولية، على ضرورة الالتفاف العربي والإسلامي لمواجهة غطرسة العدو الصهيوني، باعتبار أن الوحدة وتفعيل آليات العمل العربي- العربي المشترك في مثل هكذا ظرف، أنسب خيار للجم الكيان الصهيوني ووقف جرائمه النكراء تجاه الأشقاء في غزّة والضفة الغربية والقدس الشريف، وكذا التّصدي لموجة التطبيع والخيانة التي عرّت بعض الأنظمة العربية.
في هذا الصدد، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة، البروفيسور نور الصباح عكنوش، إن أم القضايا تحتاج في هذه اللحظة التاريخية المصيرية إلى أنجع آليات المساندة والدعم للوقوف جنبا إلى جنب مع الشعب الفلسطيني، الذي يقاوم إجراما صهيونيا وحربا غاشمة في قطاع غزة لم يسبق لها مثيل في الشرق الأوسط.
وأوضح عكنوش، في تحليل خص به “الشعب”، أن التصعيد الصهيوني الخطير على غزة، يتطلب تعبئة عربية وإسلامية شعبية ونخبوية ومجتمعية ومؤسساتية، باعتماد وسائل ضغط جديدة كفيلة بإيقاف العدوان الغاشم، لأن الجميع من المحيط إلى المحيط وحتى المطبعون باتوا معنيين بالترتيبات الغربية القادمة للوضع الفلسطيني والإقليمي.
اصطفاف عربي- إسلامي
يعتقد البروفيسور نور الصباح، أن الوضع في فلسطين أصبح مفتوحا على سيناريوهات خطيرة، تقتضي تحقيق اصطفاف عربي- إسلامي منهجي من جهة واستراتيجي من جهة أخرى، في إطار مشروع يقظة حضارية يكون منطلقها المدارس والجامعات والإعلام ونوادي الفكر والمجتمع المدني والأحزاب، ويؤطرها ويوجهها نخب وعلماء الأمة لكشف حقيقة ما يجري في فلسطين، وتوعية الرأي العام الإسلامي والغربي بما وراء المشروع الصهيوني الشيطاني الجديد.
وتابع محدثنا قائلاً: “الاحتلال الصهيوني لا يعترف بالقوانين واللوائح الدولية، ولا يجنح إلاّ للبروتوكولات والسرديات والأساطير التي يراد لأرض فلسطين والمشرق عموما أن تكون بيئة حاضنة له، في حين تراجعت مفاهيم السلام وتكشّفت أكاذيب الحرية وتجاوزها الزمن، مما يتطلب عملا كبيرا يتعدى كل صيغ التضامن التقليدية والدعم المناسباتي”.
غايات تلمودية احتلالية
يرى الباحث نور الصباح عكنوش، أنّ المخطط الصهيوني مُحضّر ومُجهز له منذ سنوات، من خلال ثلاثية التدمير والتطهير، وصولاً إلى ما يدور داخل العقل السياسي الصهيوني حاليا من أفكار وخطط خطيرة وطويلة الأمد نحو تصفية ديموغرافية وجغرافية ودينية للقضية الفلسطينية، أساسها سرديات هرتزلية تقوم على فكرة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وهي مقولة يُراد البناء عليها حاليا من أجل إنشاء دولة يهودية واحدة على أرض فلسطين التاريخية برعاية غربية.
وأردف، “الهدف من الحرب الإجرامية الراهنة على قطاع غزة هو الإنسان وليس الجغرافيا، وليس أدلّ على ذلك من رمي ما يُوازي ربع قنبلة نووية ضمن مساحة 350 كلم2 فقط، في ظرف 10 أيام، لتدمير منازل الأشقاء الفلسطينيين وقتلهم وإرعابهم وسط تواطؤ غربي”.
وما مجزرة مستشفى المعمداني إلاّ رسالة قوية، بأن المشروع الإستئصالي الصهيوني ماض بالترهيب لكي يرحِّل الفلسطينيين عن أرضهم وقضيتهم وهويتهم، مما يؤكد أنها حرب هيكلية تريد إعادة ترتيب المنطقة بكاملها لصالح دين على حساب دين آخر، وحماية قومية استيطانية على حساب أخرى لها الحق والأرض لفرض كيان دخيل على حضارة أصيلة، يُضيف نور الصباح.
وأد مشروع التطبيع
من جهته أبرز أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عنابة الدكتور عبد السلام فيلالي، أن صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته للاعتداءات الصهيونية، أعاد للواجهة مسألة غابت لزمن طويل، تتعلق بِهبّة التضامن الجماهيرية الواسعة وصحوة شعوب الأمة العربية تجاه القضية الفلسطينية.
واعتبر الدكتور فيلالي في تصريح لـ “الشعب”، موجات المساندة الشعبية العارمة للأشقاء في غزة بدولة فلسطين، بمثابة وأد لمشروع التطبيع مع العدو الصهيوني، الذي انجرت وراءه عدّة دول عربية، كونه يُشكل طعنة مباشرة في ظهر القضية المقدسة، ويهدف إلى القضاء عليها ويُراد منه جعل الكيان حقيقة سياسية على الأراضي العربية.
وفي ظل هذه الظروف، نوّه المتحدث ذاته بوجاهة موقف الجزائر وإيمانها الراسخ بعدالة القضية الفلسطينية، التي ظلّ خطابها الرسمي يُؤكد على ضرورة إحقاق حق الشعب الفلسطيني في نيل حريته وبناء دولته المستقلة غير الخاضعة لأيّ وصاية.
كما لفت الكاتب والباحث عبد السلام فيلالي، إلى أهمية مخرجات وثيقة “إعلان الجزائر”، التي رعت اتفاق المصالحة التاريخية بين مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية من أجل وضع حد لحالة الانقسام، حيث تأكّد اليوم جوهر ذلك المسعى الذي يخدم وسيخدم قضية العرب الأولى، وحوّل الفلسطيني، بحسبه، بعد معركة “طوفان الأقصى” إلى سيد لقراره، وسيتجاوز من خلاله المقررات الظالمة في ما يخص تحديد ما يتعين قبوله مستقبلا.
الجزائر والشمل العربي
من جانبه، أفاد الخبير والباحث في الشؤون السياسية الدولية، الدكتور عمار سيغة، أن الالتفاف العربي حول القضية الفلسطينية، بات اليوم أكثر من ضرورة تحتمها المعطيات الراهنة، لاسيما وأن المنظومة الغربية والأمريكية لعبت دورا استخباراتيا لعقود مضت، قصد اختراق الجسم العربي وزرع سرطان الكيان الصهيوني، وكذا توريط العديد من الأنظمة العربية في مستنقعات التطبيع والخيانة.
وأشار سيغة في تصريح أدلى به لـ “الشعب”، أن معركة “طوفان الأقصى” الكبرى التي تخوضها المقاومة الفلسطينية اليوم، وانتصاراتها الباهرة، أيقظت الضمير العربي ودفعت دول وأنظمة التطبيع إلى مراجعة حساباتها.
وبالحديث عن إحياء التعاضد العربي، لفت محدثنا إلى أن الجزائر كانت سبّاقة وبذلت جهودا حثيثة من أجل لمّ الشمل العربي خلال القمة العربية التاريخية التي عُقدت في أول نوفمبر 2022.
على هذا الأساس، نجحت الدولة الجزائرية، العام الماضي، في جمع فصائل المقاومة الفلسطينية وتوقيع اتفاق مصالحة في ما بينها، وساهمت في عودة العلاقات بين الدول الخليجية بعد خلافاتها مع قطر، وأدّت دورا محوريا في استعادة سوريا لمقعدها بجامعة الدول العربية إثر تعليق عضويتها على خلفية أحداث سنة 2011 وغيرها من المواقف الرصينة لدبلوماسية بلد الشهداء، بحسب سيغة.