سجلت القضية الفلسطينية، في الذكرى 69 لاندلاع الثورة التحريرية الجزائرية المجيدة، حضورها المتميز على الصعيد الرسمي، من خلال القرارات الرمزية التي اتخذها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تضامنا مع الشعب الفلسطيني، وعلى مستوى الوعي الجماعي عبر ربط ومقارنة التضحيات الجسام ضد أعتى القوى الاستعمارية.
إلى جانب الشعار الرسمي لعيد الثورة المظفرة، كانت فلسطين الشعار والعنوان الأكبر لاحتفالية هذه السنة، بفعل المواقف الصريحة المعبر عنها من قبل الرئيس تبون، أو وزير الخارجية أثناء مشاركته في جلسات ومناقشات حول تطورات الأوضاع في قطاع غزة، بمجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكما هي عادتها، لم تخيب الجزائر أبداً فلسطين الشقيقة، بل تصدرت طليعة الدول الداعمة وبشكل علني وصريح لكفاح الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال والتحرر من قيد احتلال جمع أقسى وأبشع أساليب التقتيل والتنكيل ضد الإنسان منذ فجر التاريخ.
وفي وقت جرت تعبئة المواقف المتخاذلة والمتواطئة، لتنصيف المقاومة الفلسطينية المشروعة كحركة إرهابية، خرج رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، عشية ذكرى الفاتح نوفمبر، بتصريح تاريخي قال فيه: “الفلسطينيون لم يكونوا يوما إرهابيين، وليسوا إرهابيين”.
وسرعان ما انتشرت هذه العبارة بسرعة البرق في وسائل الإعلام الدولية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث استقبلها الأشقاء الفلسطينيون وقادة الرأي المساندون للقضية الفلسطينية بكثير من الفخر والإشادة برئيس الجمهورية، واصفين إياه “بالزعيم الذي أعاد فلسطين إلى واجهة الاهتمام العربي كقضية مركزية، بعد محاولات تهميشها ثم تصفيتها نهائيا”.
احتضان الجزائر للقضية الفلسطينية، امتدت إلى إحاطتها بالقيم الخالدة للثورة التحريرية، من خلال شملها بمقارنات المواقف والثمن المدفوع من أجل الحرية. وفي السياق، قدم رئيس الجمهورية، صورة بالغة عن مدى التماهي بين تضحيات الشعب الجزائري وشقيقه الفلسطيني، حينما أيد حق حركات التحرر، كل ما تراه مناسبا، في ممارسة كفاحها.
«أعطونا طائراتكم نعطوكم قففنا”..
واستدلّ الرئيس تبون، بمقولة الشهيد البطل العربي بن مهيدي، عندما سُئل عن وضع القنابل في قفة، للتمويه ثم تفجيرها في وجه الاستعمار، فأجاب: “أعطونا طائراتكم (الحربية) نعطوكم قففنا”.
هذا التشبيه بين أساليب كفاح الثوار الجزائريين والمقاومين الفلسطينيين، حظي هو الآخر بنصيب معتبر من التداول والمشاركة على أكبر الصفحات انتشارا في وسائط التواصل الاجتماعي في المشرق العربي.
ولأن تزامن العدوان الصهيوني الغاشم على فلسطين وقطاع غزة تحديدا، وذكرى اندلاع الثورة التحريرية، فقد حمل الجزائريون علم بلادهم بيمينهم وعلم فلسطين بشمالهم والكوفية على أعناقهم، لحظة رفع العلم الوطني منتصف ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء في كامل ربوع الوطن.
واستدعي الفلسطينيون للاستلهام من تجربة الكفاح المرير للشعب الجزائري، فإذا كان الاحتلال الصهيوني وعرابوه يريدون تهجير الفلسطينيين خارج وطنهم، فقد عانت الجزائر من استعمار فرنسي استيطاني “جاء بالأوروبيين والمسيحيين ليعوضوا الجزائريين الذين حاول إبادتهم”، مثلما قال رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، في محاضرة ألقاها، الاثنين، بالمدرسة الوطنية للإدارة.
قوجيل خاطب الفلسطينيين، مطمئنا إياهم قائلا: “مثلما يقولون عنكم اليوم إرهابيين، قالوا عنا كذلك إرهابيين في بداية الثورة، ثم صاروا يصفوننا بالشجعان وسيفعلون كذلك معكم”.
وفي المجمل، ينسجم الموقف الجزائري مع مبادئ ثورة نوفمبر وأيضا مع القانون الدولي والإنساني، الذي يضع حدودا فارقة بين حركة تحرر والحركات الإرهابية، ولا شيء ينبغي أن يردع الفلسطينيين عن ممارسة حقهم المشروع في الثورة ضد الاحتلال الصهيوني.
وأمام المجازر الوحشية التي ارتكبت بحق الفلسطينيين في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، عمد الجزائريون إلى مواساة إخوانهم وتذكيرهم أن الفظاعات التي يرتكبها الصهاينة ليست أقل سوءاً مما ارتكبه الاستعمار الفرنسي، الذي قتل 45 ألف جزائري في يوم واحد سنة 1945، وقتل أزيد من 12 ألف آخرين في يوم واحد في 20 أوت 1955 (هجمات الشمال القسنطيني).
وكما يدمر جيش الصهاينة مربعات سكنية كاملة في قطاع غزة، دمر الاستعمار الفرنسي آلاف القرى والمداشر في الجزائر ومارس أبشع أنواع القتل والتعذيب والتنكيل. من هذا المنطلق يحمل الجزائريون قضية فلسطين في قلوبهم مثلما يحملون ثورتهم.