تعود ذكرى الفاتح نوفمبر أو ذكرى صرخة الحرية، التي اجتثّت الاستعمار بقوة الحديد والنار، في عامها التاسع والستين، ونبض البعد الثوري لبيان أول نوفمبر مازال يسري في شرايين الشعب الجزائري، لأن الرسالة مستمرة والمشعل ساطع والجميع مدرك في كل مرحلة بأنها أمانة في أيدي أبناء هذا الوطن. وفي كل مرة بقدر ما نعود لاسترجاع البطولات والافتخار بتضحيات نفيسة، نقف على مسار بناء الوطن والتمحيص لتشريح حجم المكاسب وما يجب تكريسه من إصلاحات وإنجازات تضع نصب أعيننا احترام رسالة الشهداء، كما شدد عليها رئيس الجمهورية في آخر تصريحاته وتتضمنها توجهاته وفق برنامجه الثري.
توجهات سطرت وفي الوقت الراهن تجسد بوتيرة سريعة، بتعليمات من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ويمكن وصفها بالتوجهات والمشاريع الضخمة والأولويات الكبرى، جاءت لتوافق تطلعات الشعب الجزائري، سواء تعلق بالمضي قدما من أجل تقوية المنظومة الاقتصادية والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة لغزو أسواق قريبة وبعيدة، ناهيك عن الاهتمام بمتطلبات الجبهة الاجتماعية من تشغيل وصحة وسكن وحماية للقوة الشرائية.
الجزائر الجديدة.. تغيير جذري
عكست الزيارة الأخيرة، التي قادت السيد الرئيس إلى بوابة الجنوب “الجلفة”، حرصه الشخصي على معاينة المشاريع التنموية والهياكل المختلفة لخدمة المواطنين والتجاوب مع متطلباتهم. وجاء تنقله إلى الميدان، في إشارة قوية على الصرامة في إرساء المشاريع في آجال دقيقة ومن أجل معرفة ما تحتاجه الولاية من خدمات ومرافق ومشاريع استثمارية، من خلال الاستماع إلى انشغالات مكونات المجتمع المدني والمسؤولين المحليين، وكل تلك الجهود تندرج في إطار إرادته القوية على تحريك التنمية من مقاربة محلية عن طريق استغلال مقومات وثروات كل ولاية وجعلها في خدمة سكان الولايات ومن ثم تسخيرها لتنمية الاقتصاد الوطني وضخ الثروة والنجاح في تكريس التغيير الجذري الذي تسعى إلى تحقيقه الجزائر الجديدة.
يركز رئيس الجمهورية على دفع عجلة قطاعات حيوية ومجالات لديها ثقلها، وذات الاهتمام الأكبر لدى الساكنة، من بينهم سكان ولاية الجلفة كعينة من عديد ولايات الوطن، حيث أثبتت قرارات رئيس الجمهورية حرصه الكبير على دعم القطاع الفلاحي وتشجيع الفلاحين على أداء أفضل وجني محاصيل وافرة وذات جودة عالية لتموين السوق الوطنية وتخصيص كميات معتبرة للتصدير إلى أسواق خارجية، ولم يتوقف يوما عن دعم الفلاحين، سواء بتعويضهم عن خسائرهم بسبب الكوارث الطبيعية أو طرح تسهيلات لتشجيع توسيع نشاطاتهم.
ويتقاسم رئيس الجمهورية، كما المواطنين، عبر عديد الولايات، ذات الانشغال المتمثل في توسيع وتكثيف الاستثمار ومواصلة بناء المناطق الصناعية، لأن الصناعة والفلاحة من أكثر القطاعات التي تستحدث مناصب الشغل وتطرح القيمة المضافة ووحدها من تغير وبشكل جذري ومستمر الوجه التنموي للمدن، سواء كانت داخلية أو ساحلية.
ولأن الاقتصاد الوطني يبنيه كل أبناء الجزائر، من الشمال إلى الجنوب من الشرق إلى الغرب، فيجب أن تكون الحركية التنموية شاملة وعميقة وذات أهداف مسطرة ومحددة مسبقا.
إذن، تستمر الجزائر تحت قيادة الرئيس تبون في تعزيز ترسانتها اللوجستية، كونها مفتاحا حقيقيا جد ضروري لفتح أبواب التنمية، فيأتي التركيز على شريان السكك الحديدة كخيار ذي أولوية لتنويع النقل، سواء تعلق بشحن ونقل البضائع أو من أجل تنقل الأشخاص، خاصة وأن الجزائر تستهدف اقتحام أسواق الجوار الإفريقية، فثنائية الاستثمار وتطوير وتحديث وتوسيع الجانب اللوجيستي، سواء تعلق بالطرق أو السكك الحديدة إلى جانب الموانئ، عاملان حيويان سيسرعان من جهود تحريك الدورة الاقتصادية.
توقع نمو أعلى في 2024
تتطلب رهانات تنمية مدن الهضاب والجنوب، الاستمرار في توسيع الحزام الأخضر، من خلال توسيع عملية التشجير. وجاء إدراج الأشجار المثمرة في هذه العملية، ليمنح العملية أهدافا أكثر دقة لدعم إنتاج الزيتون والفستق واللوز والأرقان والعديد من أنواع الأشجار المثمرة، التي تحمل فوائد كبيرة وتضخ ثروة. علما أن العملية ستمس 13 ولاية سهبية وسترفع المساحة المزروعة بنحو 1 مليون هكتار، وتضع الجزائر في موقع متقدم من سكة التنمية المستدامة.
يذكر، أن الجزائر قادمة بثقة ورؤية واضحة مدروسة وحنكة من أجل أن تفرض كلمتها في التنافسية الاقتصادية. علما أنه في آخر تقرير للبنك الدولي حول مجموعة البنك لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تحصلت “الشعب” على نسخة منه، تم رصد الوضع الاقتصادي ضمن مواصلة جهود التنويع لخريف 2023. وتوقع هذا التقرير أن يسجل النمو في الجزائر نسبة أعلى في عامي 2024 و2025، في حين ستستقر أرصدة الميزانية والمبادلات الخارجية.
ويرتقب أن يرتفع الناتج المحلي الخام، تزامنا مع زيادة إنتاج قطاع المحروقات بشكل معتدل بعد تحسن الطلب الأوروبي على الغاز وحصص أوبك.
كما تتوقع ذات الوثيقة، بالموازاة مع ذلك، أن يحافظ الاستثمار على قوته بفضل التقدم المحقق في المشاريع الكبرى، مع الاستمرار في دعم النشاطات الصناعية. وترى أن قطاع الخدمات سيظل نشطا، في حين سيقابله التعافي في قطاع الإنتاج الزراعي. من جهة أخرى، يرتقب التقرير أن ينخفض التضخم بشكل تدريجي ومحسوس في عامي 2024 و2025.