يعد تحسين نوعية الخدمة العمومية القضائية المقدمة، من المحاور الكبرى لإصلاحات العدالة وتجسيدها في الميدان، ما من شأنه توفير الأمن القضائي للمجتمع وبالتالي استعادة ثقة المواطن في العدالة.
ينحقق هذا من خلال الاهتمام بأخلقة العمل القضائي والسهر على نوعية الأحكام والقرارات التي تصدرها المحاكم والمجالس القضائية وكذا الحرص على تنفيذ الأحكام وتحسين نوعية الخدمة العمومية القضائية المقدمة للمواطن.
يعوّل قطاع العدالة في الجزائر على المجلس الأعلى للقضاء، بعد تجديده، أن يساهم في ترقية الأداء القضائي من خلال التوجيه والمرافقة والتصدي بحزم لمختلف التجاوزات والممارسات التي تسيئ إلى سمعة القضاء وهيبته. لهذا، فالتحدي يكمن في تهذيب الممارسات والالتزام بالواجبات التي تفرضها مكانة القاضي في المجتمع والتقيد بواجب التحفظ والحرص على احترام أخلاقيات المهنة، بما يليق ومقام القضاء في المجتمع، من خلال التنسيق والعمل التكاملي بين المجلس الأعلى للقضاء والنقابة الوطنية للقضاة والمفتشية العامة بوزارة العدل كجهاز إداري.
ويشكل التجديد في تشكيلة واختصاصات المجلس الأعلى للقضاء، في ظل التغيرات، خاصة في القانون العضوي 04-12 والقانون الأساسي للقضاء 04-11، فرصة للعودة به كجهاز مهمته الأساسية هو حماية استقلالية القضاء، خاصة فيما تعلق بالسهر على تسيير المسار المهني للقاضي، ابتداء من تعيينه الى غاية انتهاء علاقته الوظيفية. بالإضافة إلى أنها الضامنة في حالة تأديبه، إن أخطأ. فالصلاحيات التي يتمتع بها هذا الجهاز، تبقى دائما خاضعة للسلطة التنفيذية بسبب هيمنة أعضائها في تشكيلته البشرية حسب القانون 04-12، وهو ما ينتظر التخفيف منه في التجديد المنتظر للمجلس.
ويرجع اهتمام الدولة بذلك، لكون أن إصلاح العدالة الذي يقوم على فكرة تقييم الجهاز القضائي وإدخال تعديلات عليه تكفل تحسين أداء العدالة وهو ما يستوجب أن تشمل هذه الإصلاحات جميع جوانب العدالة، سواء تعلق الأمر بالمنظومة التشريعية المنظمة له أو التنظيم القضائي القائم، أو حتى المهن المتصلة بسير مرفق العدالة.
ولهذا سيتم التركيز في العمل القضائي “على تقييم النتائج المحققة في مجال تصفية الكفالات العالقة منذ سنوات وتسيير المحجوزات وتطهير قواعد البيانات الخاصة بالأوامر القضائية ومستوى تحصيل الغرامات والمصاريف القضائية وعقلنة تسيير الدعوى العمومية وترشيد نفقات القضاء الجزائي”.
إلى جانب ذلك، سيتم تقييم نشاط القضاء الإداري، لاسيما بعد مباشرة المحاكم الإدارية للاستئناف لعملها، كون أن الإصلاح القضائي الجديد وأسبابه وأثاره يرتكز على الهيكل القضائي الإداري في الجزائر، لاسيما مسألة توزيع الاختصاص بين الهيئات الجديدة وتنظيمها والإجراءات القضائية المستحدثة أمامها.
يجدر التذكير هنا، أن القضاء الإداري في الجزائر يعرف تطورات ملحوظة نتيجة تدخل مجلس الدولة، من خلال نخبة المستشارين المنتمين إليه في عملية اقتراح النصوص والأفكار التي تحسن من العمل القضائي في المادة الإدارية.
ويأتي هذا الإصلاح، تطبيقا لمضمون دستور 2020 في مادته 179 منه، على أن مجلس الدولة هو الجهة المقومة لأعمال المحاكم الإدارية للاستئناف والمحاكم الإدارية، ما يؤكد أن الجزائر عازمة على إنشاء محاكم إدارية للاستئناف، وهو ما يشكل تحديا جديدا لقضاة مجلس الدولة للمساهمة في تخفيف العبء القضائي الواقع على عاتقهم، نتيجة لكثرة المنازعات المطروحة أمامهم، خاصة ما تعلق بالاستئنافات المرفوعة ضد أحكام المحاكم الإدارية.
في المقابل، تعول الجزائر على رقمنة القطاع للارتقاء بجهاز القضاء وتحديثه، فلا يمكن أن يتحقق أي إصلاح إلا بعصرنة النشاط القضائي ورقمنته، وانعكاس ذلك على تحسين ظروف عمل القضاة ومساعدي القضاء والخدمات الموجهة للمواطنين، لهذا كان قطاع العدالة من بين القطاعات السباقة التي تبنّت التوجه الرقمي ووضع خدماته الرقمية بين يدي المواطن من خلال الرقمنة.