تعدّ صناعة الكتاب جزءًا حيويًا من الاقتصاد العالمي، كما أنّها تساهم في نشر المعرفة والأفكار. وقد شهدت هذه الصناعة تحولات كبيرة، مع ظهور التكنولوجيا الرقمية والكتب الإلكترونية التي أعادت تعريف كيفية إنتاج الكتب وتوزيعها واستهلاكها.
سنحاول، في هذا المقال، تسليط الضوء على الإطار التنظيمي لصناعة الكتاب في الجزائر، وتعهّد الدولة بدعم هذا القطاع الحيوي، والعمل على مواكبة النصوص القانونية للتقدم الرقمي.
تشمل صناعة الكتب الناشرين والمؤلفين وبائعي الكتب وخدمات الدعم المختلفة، ويلعب هذا القطاع دورًا محوريا في الحفاظ على الأدب، وتسهيل التعليم، وتعزيز التبادل الثقافي. وعلى الرغم من أهميتها، تواجه صناعة الكتاب مجموعة من التحديات، خاصة في التكيف مع العصر الرقم، فمع ظهور الكتب الإلكترونية والمنصات الرقمية، تعطّلت نماذج النشر التقليدية بشكل كبير، كما أدّى تزايد النشر الذاتي إلى خلق سوق مزدحمة. بالمقابل، نجحت المنصّات الرقمية في كسر الحواجز الجغرافية، ما مكّن المؤلفين الذين ينشرون أعمالهم ذاتيا من الوصول إلى الجماهير العالمية.
والجزائر جزء من هذا المشهد العام، وتمثّل صناعة الكتاب فيها انعكاسا لتراثها الثقافي وتطورها الفكري، ولكنها – كما ذكرنا – صناعة قد تتأثّر سلبا بارتفاع تكاليف الإنتاج، وصعوبات التوزيع، ومنافسة الكتاب الأجنبي، والقرصنة وانتهاك حقوق النشر. ولا يمنع ذلك وجود فرص للنمو، وعوامل توفّر بيئة مواتية لتوسيع هذه الصناعة، كارتفاع المستوى التعليمي، وتشجيع المقروئية، دون أن ننسى الإطار القانوني الذي ينظّم هذه الصناعة في الجزائر.
الإطار القانوني لصناعة الكتاب بالجزائر
يعدّ القانون رقم 15-13 المؤرخ في 15 يوليو 2015 والمتعـلق بأنشطة وسوق الكتاب، النص القانوني الأساسي المنظم لصناعة الكتاب بالجزائر، ويهدف هـذا القانون إلى تحديد القواعد العامة المتعلقة بأنشطة وسوق الكتاب.
وتشمل أنشطة الكتاب، في مفهوم هـذا القانون، النشر والطبع والتسويق وترقية مهن وحرف الكتاب. ويعرف هذا القانون الكتاب بأنه “مطبوع غير دوري يـتضمن عملا فكريا لمؤلف واحد أو لعدة مؤلفين، يتكون من صفحات تشكل مجمـوعة، وينجز بوسائل مطبعية أو رقمية أو سمعية أو بطريقة “البرايل”. كما يعرّف القانون كلّا من الكتاب الديني، والمدرسي، وشبه المدرسي، والرقمي، والمرقمن، وأنشطة الكتاب، والنشر، وطبع الكتاب، والرقم الدولي الموحد للكتاب (ردمك)، وتوزيع الكتاب، مكتبة بيع الكتب، وبائع الكتاب، وبيع الكتاب بالطريقة الإلكترونية، وبائع الكتاب إلكترونيا، وترقية الكتاب، والمطالعة العمومية.
كما حدّدت المادة 8 الإطار الذي يحكم صناعة الكتاب في الجزائر، حيث نصّت على أن تمارس الأنشطة الخاصة بنشر الكتاب وطبعه وتسويقه في إطار احترام: الدستور وقوانين الجمهورية، والدين الإسلامي والديانات الأخرى، والسيادة الوطنية والوحدة الوطنية، والهوية الوطنية والقيم الثقافية للمجتمع، ومتطلبات الأمن والدفاع الوطني، ومتطلبات النظام العام، وكرامة الإنسان والحريات الفردية والجماعية. كما يجب ألاّ يـتضمن الكتاب تمجيدا للاستعمار والإرهاب والجريمة والعنصرية، ويجب ألا يتضمن الكتاب الموجه للأطفال والمراهقين أي كتابة أو أي رسـم مـن شـأنهما المساس بصحتهم النفسية أو بحساسيتهم.
ويعتبر القانون نشر الكتاب “نشاطا من أنشطة الإنتاج” (المادة 18)، ويتطرق إلى نشر وترجمة الكتاب، وطبعه، وتسويقه، واستيراده وتصديره، وتوزيعه، وتحديد سعر بيعه للجمهور، والأحكام الجزائية في حال مخالفة عدد من المواد.
الدّولة تدعم الكتاب
عرّفت المادة 3 ترقية الكتاب بأنها “دعم الـكتاب بوسائل مالية وإجراءات تحفيزية، وكذا تسهيل عملية الوصول إلى الكتاب”. كما حدّدت المادة 5 المهام التي تتكفل بها الدولة، من خلال مؤسساتهـا العمومية، وهي: وضع الكتاب على مخـتلف الدعائم في متناول الجمهور عبر كافة التراب الوطني، تطوير المطالعة العمومية وتشجيعها، إنجـاز دراسات وتحقيقات وإحصائيات حول الكتاب والمطالعة العمومية، جمع وحفظ التراث الجزائري الشفوي والمكتوب، والكتب التي تخضع للإيداع القانوني، تشكيل مجموعات تضم جميع الكتب التي تتعلق بالجزائر، حفظ المخطوطات والكتب النادرة والقيمة وترميمها وتثمينها، دعم كافة مراحل سلسلة الكتاب، تطوير الترجمة، ترقية التكوين في مهن الكتاب.وخصّص الفصل الرابع من القانون لـ “دعم الكتاب وترقيته وتطوير المطالعة والتكوين في مهن الكتاب”، حيث تنص المادة 35 صراحة على تكفل الدولة بدعم الكتاب وترقيته وتشجيع المطالعة عن طريق منح إعانات مباشرة وغير مباشرة وتخصيص جوائز. كما تنص المادة 38 على الفئات والنشاطات التي تستفيد من إجراءات الترقية والدعم، وهي: الكتاب المنشور في الجزائر، ترجمة الكتب، كتاب الطفل، الكتاب المكيف لذوي الاحتياجات الخاصة، الكتاب العلمي والتقني، الكتاب باللغة الأمازيغية.
وفيما يتعلق بالترويج للكتاب وتشجيع المطالعة والمقروئية، جاء في المادة 39 أنه يتعين على مؤسسات السمعي البصري والخاصة بث حصص تخصص للكتاب. أما المادة 42 فتنص على وجوب تعميم قراءة الكتب والمطالعة العمومية في مؤسسات التربية والـتـعـلـيـم بـمـخـتـلـف أطواره، ويمكنها في هذا الإطار الاسـتـفـادة مـن دعـم الدولة، كما يجب على المؤسسات العمومية ذات الطابع الاجـتـمـاعـي، والمؤسسات الصحية، وكذا المؤسسات العقابية، أن تخصّص فضاءات للمطالعة، حسب المادة 43. ويمكن للأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون الخاص فتح مكتبات مطالعة عمومية وتحقيق أرباح تجارية، وتحدد كيفيات إنشاء هذه المكتبات وتنظيمها وسيرها عن طريق التنظيم (المـادة 44)، وتتكفل مكتبات المطالعة العمومية العامة والخاصة، بالمطالعة العمومية (المادة 45). ووفقا للمادة 49، يمكن لمكتبات المطالعة العمومية الخاصة، الاسـتفادة من دعم فـي شكل رصيد مكتبي تقدّمه الدولة.
وفي جانب التكوين، تنص المادة 50 على أن تتولى الدولة التكوين في مجال أنشطة ومهن الكتاب، ويمكن لكل شخص طبيعي أو معنوي خاضع للقانون الخاص إنشاء مؤسسة فـي التكوين في أنشطة ومهن الكتاب، طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما، بعد أخذ رأي الوزارة المكلفة بالثقافة. كما جاء في المادة 51 أنه يتعين على الأشخاص الطبيعيين والمعنويين الذين يمارسون الأنشطة المتعلقة بالكتاب استقبال متربصين من مؤسسات التعليم والتكوين.
البيع الإلكتروني للكتاب
جاء المرسوم التنفيذي رقم 22-271 المؤرخ في 18 يوليو 2022، ليطبق أحكام المادتين 32 و33 من القانون المتعـلق بأنشطة وسوق الكتاب، ويحدد كيفيات بيع الكتاب بالطريقة الإلكترونية.
وحسب وزارة الثقافة والفنون، فإنّ هذا المرسوم “أخذ بعين الاعتبار التطوّر الذي عرفته صناعة الكتاب وتسويقه على الصعيد الدولي”، وذلك من أجل “تعزيز عملية الانخراط في السوق الإقليمية والدولية للكتاب، مع تمكين جميع الفاعلين في صناعة هذا المنتوج الثقافي من تطويره وطنيا، وتسهيل عملية اندماجهم في السوق الدولية المبنية على مبدأ النوعية”.
ونظرا لكون البيع بالطريقة الإلكترونية وسيلة أخرى لعملية تسويق الكتاب، دائما حسب الوزارة، فإنّ التأطير القانوني لهذا الإجراء سيدعم عملية توزيع الكتاب في الجزائر، سواء كان ورقيا، رقميا أو مرقمنا. كما من شأنه أن يسمح أيضا بتحقيق مجموعة من الأهداف، على غرار “توسيع عملية إيصال الكتاب للقارئ وتسهيلها، من خلال استعمال وسيلة لشراء الكتب تتماشى والتطور التكنولوجي”، و«فتح سوق جديدة للكتاب والترويج له في الجزائر”، و«المساهمة في ترقية المطالعة العمومية عبر كامل التراب الوطني”.
وأضافت الوزارة أن عملية بيع الكتاب بالطريقة الإلكترونية تشمل على الخصوص الكتاب الورقي، الكتاب الرقمي، الكتاب المرقمن، وجميع الخدمات المكمّلة لعملية بيع الكتاب بالطريقة الإلكترونية، بما في ذلك الاشتراكات الدورية في المكتبات الإلكترونية. كما تضمّن المرسوم التنفيذي الأحكام المتعلقة بشروط وكيفيات بيع الكتاب بالطريقة الإلكترونية والتزامات المستهلك الإلكتروني للكتاب، وواجبات بائع الكتاب بالطريقة الإلكترونية، ومسؤولياته، وأحكاما تتعلّق بالدفع.يضمّ المرسوم التنفيذي 20 مادة موزعة على خمس فصول، ويحدد الفصل الثاني من المرسوم “شروط وكيفيات بيع الكتاب بالطريقة الإلكترونية”.
كما تمر عملية البيع عبر ثلاث مراحل إلزامية: أولا وضع الشروط التعاقدية في متناول المستهلك الإلكتروني للكتاب، بكيفية تجعله يتعاقد عن دراية، وثانيا التحقق من تفاصيل الطلبية على الكتاب من طرف المستهلك، لاسـيما طبـيـعـة الكتاب المطلوب، والسعر الإجمالي الوحدوي للكتاب، والكميات المطلوبة بغرض تمكينه من تعديل الطلبية وإلغائها أو تصحيح الأخطاء المحتملة، وثالثا وأخيرا تأكيد الطلبية على الكتاب الذي يؤدي إلى تأكيد العقد.ويتضمّن الفصل الثالث من المرسوم “التزامات المستهلك الإلكتروني للكتاب”، فيما يختص الفصل الرابع بـ “واجبات بائع الكتاب بالطريقة الإلكترونية ومسؤولياته”. ونجد في الفصل الخامس، المتعلق بـ “الدفع في عمليات بيع الكتاب بالطريقة الإلكترونية”، أن هذا الأخير يتم إما عن بعد أو عند تسليم الكتاب، عن طريق وسائل الدفع المرخص بها، وفقا للتشريع المعمول به.
في الأخير، نشير إلى إمكانية، بل حتمية، الاستفادة من التقدم التكنولوجي في النهوض بصناعة الكتاب في الجزائر. ومن شأن الاستثمار في تطوير البنية التحتية، مثل إنشاء المزيد من المكتبات، إلى جانب الدعم الحكومي وسياسات حماية الملكية الفكرية، أن يساعد في معالجة التحديات التي تواجه هذه الصناعة. علاوة على ذلك، فإنّ تعزيز الشراكات بين الناشرين الجزائريين والدوليين يمكن أن يساهم في نشر الكتاب الجزائري على نطاق أوسع. بشكل عام، تتمتّع صناعة الكتاب في الجزائر بإمكانات معتبرة تنتظر الاستغلال، خاصة بالنظر إلى التراث الثقافي للبلاد، والطاقات الإبداعية الوطنية في مختلف المجالات.